خبر أيها الإسرائيليون .. ما لون الفزع ؟..عيسى قراقع

الساعة 12:51 م|24 نوفمبر 2012

ليس عندنا ملاجئ نلجأ إليها ونخبئ فيها أطفالنا لنحميهم من عمود الموت المصبوب من الطائرات والقاذفات الإسرائيلية ، وليس عندنا صافرات إنذار تنبهنا بأن الصواريخ قد حلقت فوق بيوتنا ورؤوسنا ومدارسنا، لا قبة حديدية تعترض الصواريخ العمياء الموجهة لاقتلاع أرواحنا وحرق منازلنا، فالخيارات أمام سكان شعبنا في قطاع غزة هي أن يظلوا في بيوتهم ينظرون إلى سقوف البيوت وارتجاجات الأرض وانشقاق السماء، أو أن يكونوا في ثلاجة الموتى بعد حين مندهشين.

العدوان الإسرائيلي اللاأخلاقي على قطاع غزة، والذي حصد المئات من الأرواح ، وحرث أرض غزة بالموت و الجنون، كان يبحث عن صور أطفال عائلة الدلو تحت ركام منزلهم محروقين ، كي تعلن دولة إسرائيل انتصارها وتحقيق أهدافها، وكلما زاد عدد الشهداء في صفوف المدنيين كلما أعلن وزير الجيش الإسرائيلي أن قوة الردع الإسرائيلي حققت نتائجها.

الضحايا الذين سقطوا على ارض غزة، رحلوا بدمهم وفزعهم وأسئلتهم الموجعة إلى ما يسمى الجبهة الداخلية في إسرائيل، نشروا أجسادهم في كل مدينة ومستوطنة وساحل، وصرخوا واقتربوا أكثر من أي وقت مضى من القاتل والجلاد وحدقوا في أعينهم وانفجروا كوابيس.

الصورة لم تعد أحادية الجانب، والفزع لم يعد حكرا على الضحايا ، وإنما أصاب الأقوياء المتضخمين بقوتهم العسكرتارية وترسانتهم المسلحة، لنرى سكان دولة إسرائيل بما فيهم الجنود والمستوطنين وأعضاء الكنيست يهرعون في الشوارع، يختبئون في بيت الدرج، ينزلون عميقا إلى الملاجئ، يتركون البحر وكرة القدم والرحلات الجميلة والمواعيد مع الفتيات.

كانوا يصرخون: وصل الموت هنا، ارتد عمود السحاب المسلح الموجه إلى غزة إلى قلب تل أبيب والقدس المحتلة وغرف النوم، أدركوا معنى الفزع، والخوف على أطفالهم الصغار، وأدركوا كيف تشل الحياة، وتغلق المدارس، وتخلو الشوارع من الناس، وكأن أرواح الضحايا الفلسطينيين تلاحقهم وتلعنهم، وكأن هذه الحرب وحدت الصورة من رفح إلى مستوطنة عصيون، والجنازة تشبه الجنازة، والأقوياء ليسوا دائما ينتصرون.

أيها الإسرائيليون ما لون الفزع ، يسيل من السماء، يسيل عن الجدران وحبل الغسيل وفي النوم واليقظة، هو فزعنا التاريخي قد استيقظ بعد أكثر من ستين عاما، فزع أمهاتنا وشهدائنا وبيوتنا المنكوبة وأطفالنا المطاردين يوميا على يد صواريخكم وسجونكم وجنودكم ومستوطنيكم ، أهينوا وقلعت عيونهم بالرصاص، هو فزعنا المالح بطعم الدم تذوقوه الآن قليلا قليلا ، لتتعلموا أن من يذهب للقتال قد لا يعود ، ومن يعد يعش مسكونا بأشباحنا وأسماءنا، لتعجزوا عن تسجيل انتصار أخير في حروبكم على الآخرين.

أيها الإسرائيليون ما لون الفزع، لا بحر جميل ولا شجرة خضراء، لا دواء ولا خبز ولا كفن، يموت طفل في الطريق إلى نقطة الماء، وتسقط أم فوق أطفالها، وآخرون لا زالوا تحت الركام يشتعلون.

لقد دأبت حكومة إسرائيل أن توقظكم من سباتكم بواسطة الحروب،تمس نمط حياتكم المنظم، الرتيب ، وأن تشوش وتقلب عالمكم رأسا على عقب، لأن الحرب بالنسبة لدولة إسرائيل هي نزعة مقدسة، فيها روعة واحتفال ورومانسية وطقوس كثيرة، هكذا يتعلم طلابكم في مدارسكم عن القتال والحرب ، ولا يتعلمون عن السلام سوى انه هدنة تحضيرية واستعدادا لحرب أخرى.

أيها الإسرائيليون لا فرق بين غزاوي في جباليا و إسرائيلي في تل أبيب ، لا فرق بين المهزوم والمنتصر، كلاهما ينتظر صاروخ الموت الصاعد في عامود القنابل، أو النازل محمولا على أجنحة الموت، فالمشهد العسكري واحد وإن اختلف منسوب الدم، ليفيض عندنا ويسيل نحوكم، لتقطعوا حبل الحياة الذي نمده لنا ولكم ، وتمدوا لنا حبل الموت فقط، وكأن العالم بالنسبة لكم ليس سوى قتلى وقتلة.

أيها الإسرائيليون ما لون الفزع، ما طعم البكاء، وقد قلتم انه تكفي دمعة واحدة لولد يهودي لطرد سكان غزة جميعا، كما صرح بذلك اليمني الإسرائيلي المتطرف "اسرائيل كاتس" في خطابه الشرير خلال الاحتفال بالقصف، لقد بكينا، وها أنتم تبكون، وسؤال غزة لا زال يوجع أساطيركم.

أيها الإسرائيليون ما لون الفزع، يحتشد الآلاف من جنودكم على حدود غزة، يستعدون لغزو بري، لعنترية عسكرية جديدة، لا يفكرون إلا بالسلاح، يتشوقون للقتل، ولا يحبون أن يسمعوا عن السلام، فالسلام بالنسبة لجنودكم هو الفضيحة ، ولم يتعلموا أن الضحية تستوعب الجريمة أحيانا، وأن الناجين يتعلموا كثيرا من المجرمين ويمنعوهم من اقتسام البطولة.