خبر مرض الحروب المعلومة مسبقا، المزمن ..اسرائيل اليوم

الساعة 10:57 ص|23 نوفمبر 2012

بقلم: دوري غولد

     (المضمون: يستعرض الكاتب كتابا للمؤلف فيرد إكلي عنوانه "كل حرب يجب ان تنتهي" كُتب على خلفية حرب فيتنام واستعرض المسارات الخاطئة التي سببت نشوب حروب - المصدر).

     في الايام التي ينحصر فيها النقاش العام في اسرائيل في سؤال هل سيجلب وقف اطلاق النار معه حلا للأمد البعيد، يجدر ان ننظر في الكتاب الكلاسيكي في مجال العلاقات الدولية وهو كتاب "كل حرب يجب ان تنتهي". كان مؤلف الكتاب فيرد إكلي نائب سكرتير وزير الدفاع الامريكي في ادارة ريغان واستاذا في المعهد التكنولوجي في ماساشوسيتس (إم.آي.تي)، ورئيس معهد "راند" الجليل الشأن في سانتا مونيكا.

       يستعرض الكتاب في واقع الامر المسارات الاستراتيجية التي تؤدي الى حروب لا يُحتاج اليها. كُتب تحليل إكلي في الحقيقة وبين يديه حرب فيتنام لكن تم تحديثه منذ ذلك الحين. ويبحث الكتاب في الأساس في طريقة مواجهة الدول لحرب عصابات. ان الفحص عن بعض المباديء فيه، في السياق الاسرائيلي، قد يُجنبنا أخطاءا قامت بها دول كثيرة اخرى.

       على حسب مبدأ إكلي الأول فان هدف استعمال القوة هو اخضاع قوات جيش العدو. وليس هذا الامر واضحا كما يبدو لأول وهلة. ان دولا كثيرة متورطة في حروب عصابات قاسية تنتقل في مرحلة ما الى استراتيجيات عقاب ترمي الى كسر قوة ارادة العدو. وهو يُسمي هذه الاستراتيجيات "السلام بواسطة التصعيد".

       حينما توجد دولة في ما يبدو انه طريق مسدود، يوجد دائما تحمس يقوم على أمل ان يغير استعمال قوة أكبر الوضع تغييرا جوهريا.

       يُذكر إكلي قراءه بأن استعمال القوة على السكان المدنيين لا ينجح، فالمستبدون لا يسعون الى تسوية لأن جنودهم أو مواطنيهم يعانون من الحرب. جربت الولايات المتحدة استراتيجية العقاب في حرب كوريا على كيم إيل سونغ، وفي حرب فيتنام على تشي مين التي فشلت في محاولتها البحث عن خطة سلام لانهاء الحرب.

       وحاول الايرانيون ان يعاقبوا حليفات العراق في حرب ايران مع العراق بالمس بالبنى التحتية النفطية فيها، لكن توسيع الصراع في منطقة الخليج الفارسي جعل الولايات المتحدة تدخل المعركة عليهم.

       وهكذا فان استراتيجية العقاب قد تفضي الى نتائج غير متوقعة قد تصبح هدفا ذاتيا بسهولة. استعملت حماس في الجولة الحالية في غزة استراتيجية عقاب بأن وسعت دائرة المدن الاسرائيلية المهاجَمة.

       لكن نتيجة هذا القرار لم تُسبب ازمة بين الجمهور الاسرائيلي بل سببت انشاء تعاطف أوسع. وبدل ان تقسم حماس الجمهور الاسرائيلي وضعت تل ابيب وبئر السبع وسدروت في قارب واحد، وهكذا انشأت اجماعا اسرائيليا واسعا على عملية عسكرية عليها.

       ان المبدأ الثاني الذي يؤبد حروبا حديثة بحسب ما يرى إكلي هو تأييد خارجي لقوات العصابات التي تحاربها الدولة. ويمكن ان نضيف ان ليس الحديث عن تسليح أو تمويل فقط؛ وللتأييد الخارجي تأثير واسع في معنويات محاربي حرب العصابات الذين يحاربون جيشا مسلحا تسليحا جيدا. وفي المقابل اذا كانوا وحدهم ولا يحظون بتعزيز فسيميلون أكثر من جهة نفسية الى وقف القتال.

       اكتسبت اسرائيل تجربة كبيرة في هذا المجال في العقد الاخير. كان أحد الأخطاء الاستراتيجية الشديدة للانفصال في 2005 هو استقرار رأي رئيس الوزراء آنذاك اريئيل شارون على انهاء الوجود العسكري في محور فيلادلفيا الذي جر زيادة كبيرة لعدد الأنفاق.

       قبل الانفصال كانت توجد قذائف صاروخية لمدى قصير فقط كصواريخ القسام التي تم انتاجها في غزة. لكن في 2006 أُطلقت لأول مرة على عسقلان قذيفة صاروخية لمدى أبعد هي صاروخ غراد من ايران. وأثبت هذا العامل كيف غير تحسين مسارات تهريب حماس بالضرورة ميدان القتال ووسائله.

       ان ربط حماس بمصدر تسليح خارجي كايران جعل حسم الحرب وهزيمة حماس أصعب بكثير. وفي المقابل كان أحد اسباب اخضاع الجيش الاسرائيلي لحماس ولمنظمات اخرى في الضفة الغربية في 2002 في خلال عملية "السور الواقي" انه لم يكن لقواتها مصدر تسليح خارجي، فقد كان لاسرائيل سيطرة على الغلاف الخارجي للضفة الغربية، أي على غور الاردن، ولم تنسحب من هذه المنطقة الاستراتيجية كما فعلت في محور فيلادلفيا. وكان من نتيجة ذلك ان الحرب في غزة لم تتوقف قط تماما منذ كان الانفصال في حين لم تنشأ مواجهة عسكرية بقدر مشابه في الضفة الغربية.

       والمبدأ الثالث الذي يثيره إكلي هو التصور المتشائم الذي ضرب جذوره في الديمقراطيات الغربية وفحواه انه لا يمكن ان تُهزم قوات عصابات.

       ان هذا التصور العام جعل ناسا كثيرين قليلي الايمان بقدرة جيوشهم على الانتصار في حروب حديثة. ولهذا يميل تأييد حرب على قوات عصابات الى التلاشي سريعا.

       يعلنون في اسرائيل في احيان متقاربة بأن "مسيرة سياسية فقط تستطيع ان تهزم الارهاب". لكن ما الذي يحدث لـ "حلول سياسية" حينما تواجه اسرائيل منظمة مثل حماس غير مستعدة للهوادة في العقيدة المتشددة لحركة المقاومة الاسلامية والكفاح المسلح ضد اسرائيل؟.

       أجرى يعقوب عميدرور، وهو اليوم رئيس مقر الامن القومي، بحثا يُثبت ان الغرب انتصر في حروب عصابات من ناحية تاريخية مع وجود شروط ما. فقد بحث انتصار الولايات المتحدة في الفلبين في 1954 وانتصار بريطانيا في الملايو في 1952 باعتبارهما حالتي فحص كلاسيكيتين.

       تمت في المدة الاخيرة المعركة التي أدارها الجنرال ديفيد باتريوس الذي حول ما كان يبدو انه هزيمة امريكية في غرب العراق الى نصر على القاعدة في 2007.

       أي مباديء تبنتها اسرائيل؟ من الواضح ان اسرائيل ركزت في القتال الاخير في غزة معظم جهدها العسكري على محاولة القضاء على أكثر المنظومة الصاروخية لحماس وعلى اصابة القيادة العليا. ان اسرائيل لا ترى نفسها مقيدة بعمل عسكري دفاعي حتى بعد الربيع الاسلامي الذي أحدث ظروفا تجعل عزلة حماس صعبة.

       ان القتال لم يحل مشكلة تدفق الوسائل القتالية الايرانية عن طريق سيناء، ويُشك كثيرا في ان يستطيع أي اتفاق جديد منع تسليح حماس من جديد. وفي الختام ستحتاج اسرائيل الى الاعتماد على القوة العسكرية وعلى منعتها القومية في جولة المواجهة العسكرية التالية.