خبر الحرب بدأت.. يديعوت

الساعة 10:56 ص|23 نوفمبر 2012

بقلم: ناحوم برنياع

(المضمون: لم تُفض العملية العسكرية في قطاع غزة الى اتفاق فعلي وهذا الوضع مُنذر بتجدد الحرب بعد ذلك - المصدر).

كتب لي صديق شاهد نتنياهو وباراك وليبرمان يُبشرون أول أمس بوقف اطلاق النار، رسالة قصيرة تقول: "كلامهم يُذكر بالايام الست ووجوههم بيوم الغفران"، وأصاب كبد الحقيقة. كان يفترض ان تخرج البشرى من أفواههم في الثامنة والنصف مساءا قبل البدء الرسمي للهدنة بنصف ساعة. وجاء عن ديوان رئيس الوزراء ان الاعلان تأخر لأنه يوجد ضغط كبير من مراسلين ومصورين يطلبون توثيق الحادثة. عند مدخل ديوان رئيس الوزراء لم يكن في ذلك الوقت أحد سوى عدد من المنتقين والحُراس. وتأخر الثلاثة لأن حماس استمرت في اطلاق القذائف الصاروخية على المنطقة كلها من أسدود الى بئر السبع. كان رئيس الوزراء يُعلن أننا انتصرنا وكان اعلانه يُقطع كل دقيقة بالصوت المعدني للقاريء: "صفارة الضوء الاحمر في منطقة اشكول، صفارة الضوء الاحمر في منطقة اشكول"؛ "فصفارة الضوء الاحمر في أسدود، فصفارة الضوء الاحمر في أسدود"، وهكذا دواليك.

لم يكن ذلك لذيذا.

نظر الوزراء الثلاثة الى الأمام. انتهت الحرب في الجنوب وبدأت حرب الانتخابات. ويحتاج كل واحد منهم الى موضعة نفسه والى صورة عنه تُحسن وضعه في نظر الناخبين. سيكون نتنياهو هو البالغ المسؤول الحازم لكن الحذر والمصمم لكن المرن والوطني لكن العالمي، أي والد الأمة؛ وسيكون باراك سيد الأمن وسيد اليقظة والشخص الذي كف بكلتا يديه قرارات خطيرة لحكومة يمينية؛ وسيكون ليبرمان هو الفعال. فهو سيعرض على الجمهور شخصية منقسمة، فهو باعتباره وزير الخارجية يؤدي دور الدبلوماسي ويمتدح بكلمات حارة مصر الاخوان المسلمين وامريكا اوباما ووزراء الاتحاد الاوروبي؛ وهو في نقاشات التسعة يؤدي دور الظهير الأيمن، ويدعو الى توسيع النشاط العسكري من غير ان يفهم لماذا وكيف، ومن غير ان يريد حقا لكن فقط من اجل جمع نقاط في جدالات سياسية ستأتي.

تأثر واحد من وزراء التسعة جدا بتصريحات ليبرمان المعتدلة بحيث بدأ يُسميه "ميتسي" لا في وجهه بالطبع بل من وراء ظهره.

اعتيد ان يُقال عن ليبرمان انه متطرف في العلن لكنه براغماتي في مباحثات مغلقة، وسلك هذه المرة سلوكا مخالفا. وكان شتاينيتس هو الذي انضم اليه. وفي مواجهة هذه البطارية وقف باراك ومريدور وبيغن ويعلون وانزاح نتنياهو الذي تبنى في بدء العملية التوقعات المحدودة والواقعية لباراك وقيادة الجيش الاسرائيلي العليا، انزاح الى اليمين بالتدريج. وقد علم ان الفرق بين الخطابة المتحمسة لوزراء الليكود وبين النتائج على الارض ستُعرضه لانتقاد من اليمين وسيخسر اصواتا لنفتالي بينيت من البيت اليهودي ومجموعة مستوطنيه. ولا يجوز له ان يظهر بمظهر من جُر وراء اهود باراك وهو الشخص الذي يحب الليكوديون كرهه.

نشك في ان نعلم ذات مرة هل كانت المباحثات بين الوزراء الثلاثة وفي حلقة التسعة حقيقية أو كانت تمثيلا. تناول الوزراء امكانية هجوم بري بجدية وتناوله الجيش الاسرائيلي بجدية. في يوم الثلاثاء اتجه رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية أفيف كوخافي الى الجنوب وانتقل من لواء الى لواء للفحص عن الاستعداد الاستخباري قُبيل دخول القوات. وتغيرت الأوامر العسكرية من يوم الى آخر ومن ساعة الى اخرى احيانا، لكن بُذل فيها الكثير جدا مما يُبذل في الحرب النفسية. تم تجنيد 60 ألفا من قوات الاحتياط وهو ضعف ما تم تجنيده في "الرصاص المصبوب". وكان يكفي تجنيد 15 ألفا لخداع حماس أو لخداع أنفسنا. وكان يوجد تشابه ما بين الاعداد لهجوم بري في غزة والاعداد لهجوم اسرائيلي على ايران: فقد صُب المال كالماء وتم العمل حتى النهاية لكن أحدا لم يؤمن بأن الهجوم هو الحل الصحيح. بين القتلى الاسرائيليين الستة في العملية قُتل ثلاثة براجمات صواريخ في اثناء نشر الجيش الاسرائيلي عند الجدار. لم تكن حاجة الى النشر وكانت الكلفة مُغضبة.

في يوم الجمعة في الساعة 3:50 بعد الظهر تلقى الوزير ايلي يشاي عضو التسعة إبلاغا من ديوان رئيس الوزراء ان عليه ان يسافر الى تل ابيب لمباحثة عاجلة. وأدرك يشاي ان الحديث عن حفظ الأرواح. وحصل على رخصة من الحاخام عوفاديا أن يُدنس حُرمة السبت. وفي 16:20 أمر مساعديه بأن يُعدوا له مكان مبيت في تل ابيب. وقبل ان يخرج هاتف ديوان رئيس الوزراء مرة اخرى وسأل هل ستُثار في المباحثة موضوعات خاصة. عارض يشاي من بدء العملية هجوما بريا وافترض ان هذا سيكون موضوع النقاش. أجابوه بـ لا، لن تكون موضوعات خاصة، وبقي يشاي في القدس.

المحور السني

كان التفاوض الذي تم في القاهرة متعدد الجنسيات، فقد كانت حماس من جهة وبازائها السلطة الجديدة الاسلامية في مصر. ومن وراء المصريين تركيا وقطر. وفي الخلف أعلى مستوى في الولايات المتحدة – الرئيس اوباما بمكالمات هاتفية لرئيس مصر مرسي ووزيرة الخارجية كلينتون. وفي المقابل رئيس الموساد الاسرائيلي تمير بردو، ورؤساء الاستخبارات المصرية هم شركاؤه ومن ورائه رئيس وزراء اسرائيل.

لم تحظ حماس قط بهذا التكريم حتى ولا في ايام التفاوض في صفقة شليط. حينما سيحللون في غزة قوائم الربح والخسارة سيُسجلون الاعتراف الدولي بالمنظمة وحاجاتها في قائمة الربح. فقد خرجت حماس من هذه الجولة قوية من جهة سياسية ويعترفون في الجيش الاسرائيلي بهذا ايضا، والسؤال أهذا جيد أم سيء بالنسبة لاسرائيل.

كان تفاوض ولم يكن اتفاق ويبدو انه لن يكون. التزمت اسرائيل بأن تجري في غضون زمن لم يحدد مباحثات مع مصر في حاجات حماس ومطالبها، فاذا ثبتت الهدنة فستضطر اسرائيل الى التخلي عن سياستها في المعابر وسيتم السماح باستيراد عدد من السلع التي يُحظر استيرادها الى غزة اليوم ويتم تليين الحصار. ويمكن ان يُغلق دائما كل ما يُفتح.

أدت مصر في الماضي دور وسيطة بين اسرائيل وحماس وستستمر في أداء هذا الدور في المستقبل، وكان التغير هو في العلاقات بين النظام المصري وحماس. فقد كان عمر سليمان وزير المخابرات المصرية يشتم في هدوء على مسامع مُحادثيه الاسرائيليين رجال حماس في غزة. وفرح بكل ضربة أوقعتها اسرائيل بهم وكان فرح مبارك أكبر. وكان يستطيع ان يندد علنا بعمليات اسرائيل العسكرية وان يحث الاسرائيليين في المقابل في لقاءات مغلقة على ضرب حماس أكثر.

انتهى هذا الامر. وكانت العملية في غزة أول امتحان للعلاقات بين النظام الجديد في مصر واسرائيل. لا توجد علاقة حميمة ولن تكون ولا يوجد غمز متبادل. فحكومة نتنياهو وحكومة مرسي تُداور الواحدة الاخرى في حذر، وتُداوران معا الادارة الامريكية.

شكلت الادارة الامريكية استراتيجية للشرق الاوسط تحاول ان تواجه نتائج الربيع العربي، فالهدف الآن بناء محور سني يواجه المحور المتطرف الشيعي الذي ترأسه ايران. والموضوع الساخن هو سوريا لا حماس. فامريكا تريد ان تفضي بمساعدة هذه الدول الى اسقاط نظام الاسد وان تضمن في الأساس ألا تسقط سوريا من بعده في أيدي جهات جهادية من النوع الذي ظهر في سيناء.

ان تركيا هي الشريكة الكبرى في المحور السني الى جانب مصر. وقد دُعي للانضمام اليه السعودية ودول الخليج والاردن والسلطة الفلسطينية وحماس مرشحة لتكون جزءا من هذا المحور. ان حماس أصبحت تبتعد عن ايران في السنة ونصف السنة الاخير – أو منذ كانت الثورة في مصر في واقع الامر، واستحثت العملية هذا السير. وستُثبت ايران منذ الآن موطيء قدمها في غزة مستعينة بمنظمة الجهاد الاسلامي وهي تنفق عليها 100 في المائة. وليس واضحا من أين ستحصل حماس على الصواريخ التي فقدتها، وليس واضحا كيف ستكون العلاقات بينها وبين الجهاد وكيف سترد مصر على هذه العلاقات.

كانت جهات في اسرائيل اعتقدت انه يجدر اجراء التفاوض من غير مصر.فالمصريون لم يعودوا وسطاء نزيهين، فهم أخوة لحماس، زعموا. وانتصر الموقف المضاد الذي قال إننا اذا تركنا مصر خارج الاتصالات فسندفع حكومتها الى ذراعي حماس وتوجد مظاهرات في الميادين وتنجر تركيا وقطر خلفها.

ان مرسي هو الوحيد الذي يستطيع الآن ان يزعم انه انتصر. فقد ثبّت مكانته باعتباره لاعبا اقليميا وشريكا للادارة الامريكية. وحسّن احتمالات حصوله على مليارات من الغرب. وبرغم أنه رعى حماس وبرغم انه لا يعترف باسرائيل ولا يتحدث مع حكومتها، فانه لم يُعرض نفسه للخطر بمواجهة مع اصدقاء اسرائيل في واشنطن، وهكذا فان مجموعة الضغط الاسرائيلية لن تمس به.

بقيت تركيا. لاسرائيل مصلحة واضحة في اعادة اصلاح العلاقات بها، وكلما كان ذلك أبكر كان أفضل. فهذا مهم بازاء القاهرة وبازاء واشنطن. وتوجد جهات غير قليلة في الادارة التركية معنية بالمصالحة وهي تُكثر من ارسال رسائل الى نظراء في اسرائيل.

ان مسودة الاتفاق موجودة، فقد صاغها المحامي يوسي تشحنوبر الذي مثل حكومة اسرائيل مع نظيره التركي وكان نتنياهو ينوي التوقيع عليها. قال واحد من العاملين في ديوانه انه تلقى في آخر لحظة استطلاعا للرأي بيّن ان أكثرية غالبة من الجمهور تعارض اعتذارا اسرائيليا فرفض نتنياهو التوقيع.

مسيرة سلام الآن

برهنت العملية بطريقة مؤلمة على تعلق اسرائيل العسكري والسياسي بالولايات المتحدة. وقد احتاجت اسرائيل للتعاون مع مصر الى اوباما الذي خصص جزءا كبيرا من رحلته التاريخية الى آسيا لمكالمات هاتفية مع الرئيس مرسي من اجل اسرائيل. وتطلب اسرائيل الآن مساعدة مالية خاصة للاستمرار في التسلح بمنظومة القبة الحديدية.

يصعب أن نسوي الجري الى امريكا - فقد أغرق نتنياهو اوباما بالمكالمات الهاتفية – مع تهديد اسرائيلي للهجوم على المنشآت الذرية في ايران برغم معارضة الولايات المتحدة. لأن دولة لا تستطيع ان تعالج حماس وحدها لن تتجرأ على ان تعالج وحدها قوة كايران في كبرها. وفهمت الادارة الامريكية هذا وفهمته ايضا الدول في المنطقة.

يدفعون ثمنا عن التعلق. ان هيلاري كلينتون لم تأت الى هنا لتشد على يدي نتنياهو بل أتت لتُبين له ان امريكا تتوقع تعاونا مع اجراءاتها التالية في المنطقة. والمادة الاولى في القائمة هي أبو مازن، فالعملية أضعفته وحان وقت تقويته الآن.

خلص الامريكيون الى استنتاج ان من المتأخر جدا منع أبو مازن من طلب مكانة دولة غير عضو في الامم المتحدة. وليس هذا وقت معاقبته بل يجب بدل ذلك مضاءلة الضرر وضمان ألا يتواجه الفلسطينيون واسرائيل في المحكمة في لاهاي، وتجديد مسيرة السلام.

آخر حديدة

حصل الجيش الاسرائيلي في نهاية الامر على العملية العسكرية التي أرادها وهي عملية محدودة من غير عملية برية لم تسعَ منذ البدء الى حسم. وكانت المعلومات الاستخبارية دقيقة ونسبة النجاح عالية. وحينما يستوعب قادة حماس الاضرار التي وقعت بهم فلن يسارعوا الى العودة لاطلاق القذائف الصاروخية ولن يسمحوا لمنظمات اخرى بمواجهة الجيش الاسرائيلي والمستوطنات الى ان تقول مصالحهم شيئا مختلفا أو الى ان تضعف ذكرى العملية.

ان قدرة حماس على الاستمرار في اطلاق الصواريخ فاقت التقديرات السابقة. لكن العملية ضربت الأهداف التي تم تحديدها وتوقعات الجيش.

فلماذا اذا يوجد شعور بالحموضة، سألت مسؤولا عسكريا رفيع المستوى أمس، فأجاب: "السؤال هو ما الذي توقعه الناس. كان تحديد الأهداف واعيا فقد أردنا ان نقطع الواقع. وعلمنا أننا قد نضطر جدا في غضون وقت ما الى ان نقوم بعملية اخرى في غزة تختلف اختلافا مطلقا.

"لم نكن نقصد الى سلب حماس قدرتها على اطلاق الصواريخ. بل كنا نقصد الى جعلها تقرر عدم تجديد اطلاق النار وان نفرض تهدئة على المنظمات الاخرى. سيحتاجون الى بضعة اشهر وسيقومون بالحساب لأن حجم الضرر كبير جدا.

"ان حماس تبذل جهدها في السنتين الاخيرتين في تثبيت حكمها في غزة أكثر مما تبذله في الارهاب. وكان القادة محتاجين الى الارهاب في الأساس لضروروات داخلية من اجل تعزيز مكانتهم في المنظمة".

سألته: لماذا لم توقف اسرائيل اطلاق النار في نهاية الاسبوع. فالذي تم في اربعة ايام هذا الاسبوع لم يسهم ألبتة في انجازات العملية وكانت الكلفة على الاسرائيليين باهظة.

أجاب: "نحن طرف واحد فقط في هذا الامر. والى يوم الاربعاء لم ينشأ نظام نهاية يقبله الطرفان".

بالنسبة للجبهة الاسرائيلية الداخلية تُنسب هذه الحرب الى القبة الحديدية. اليها والى الغرف الآمنة. كانت قدرات هاتين الوسيلتين مدهشة لكن مع كل الاحترام كان يوجد شيء ما اشكالي ولا يلائم كثيرا التراث الاسرائيلي في إدمان وسائل الدفاع. نجحت حماس في جعل محاربتها باهظة الكلفة جدا من جهة مالية ربما أبهظ من ان تُطاق. فالميزانية محدودة. والقبة الحديدية مخصصة لتكون آخر وسيلة بعد ان لا ينجح الجيش الاسرائيلي في احباط الاطلاق. وقد أصبحت أول وسيلة في حالات كثيرة جدا.