خبر تهديدات الربيع- هآرتس

الساعة 12:32 م|20 نوفمبر 2012

 

بقلم: تسفي بارئيل

يوم الاربعاء الماضي كان يخيل انه وجد للاردن ايضا "ضحية الثورة" التي ستشعل المملكة، مثل محمد بوعزيزي في تونس أو خالد سعيد في مصر. قيس العمري، شاب شارك في المظاهرة في مدينة اربد شمالي الاردن، اطلقت قوات الامن النار عليه فقتل في الوقت الذي حاول فيه المتظاهرون اقتحام محطة الشرطة.

غير أن موت العمري ضاع في موجة المظاهرات الهائلة التي اجتاحت الاردن في نهاية الاسبوع وهددت بضم الدولة الى "الربيع العربي" الذي بصعوبة نجحت في التملص منه في السنتين الماضيتين. ويوم الجمعة لم تكن مدينة كبرى في الاردن لم تقع فيها مظاهرات دعا فيها المتظاهرون ليس فقط الى اقالة الحكومة بل وايضا الى اسقاط الملك. وفي كل أرجاء الدولة، من الكرك ومعان وحتى اربد، السلط وجرش، وبالطبع العاصمة عمان، تصدت قوات الامن لالاف المتظاهرين الذين وجهوا اساس غضبهم ضد القرار برفع اسعار الوقود والغاز للتغلب على العجز في الميزانية والذي يبلغ 3.5 مليار دولار.

ليست هذه هي المظاهرات الاولى في الاردن. فقد اندلعت منذ كانون الثاني من هذا العام، عندما تبينت بضع قضايا فساد كبرى. ونشر عضو البرلمان السابق خليل عطية (الذي أحرق في العام 2008 علم اسرائيل في مبنى البرلمان الاردني) في حينه رسالة علنية الى الملك عبدالله يقضي فيها بان هذه ليست مجرد أزمة اخرى، إذ قال: "نحو في الطريق الى مأزق من ناحية ايجاد الحلول". وفي نفس الشهر خرجت من مسجد الحسيني في وسط عمان مظاهرة ضمت نحو 1.500 شخص، قادهم الاخوان المسلمون الاردنيون مطالبين بـ "فتح ملفات الفساد والتحقيق فيها". وهتف المتظاهرون: "عندنا مليون سؤال، أين ذهبت كل الاموال؟".

ومثلما في حينه الان ايضا يشارك مئات المدونين واصحاب الحسابات على الفيسبوك في الاحتجاج الاقتصادي، حيث يضاف هذه المرة أيضا مطلب الاصلاح الحيقي لنظام الحكم، بحيث يتضمن التحول الديمقراطي، ازالة الرقابة المتشددة عن وسائل الاعلام وخطة اقتصادية تنقذ الاردن من الازمة. ورواد هذا الاحتجاج هم بالاساس الاخوان المسلمون، المتحدون في "جبهة العمل الاسلامي" وتنضم اليهم أحزاب وحركات علمانية ليبرالية ملت حكم النخب القديمة التي تعتبر بؤرة الفساد في الدولة.

الازمة الاقتصادية في الاردن، والتي ولدت التهديد السياسي، دفعت بقيادة الجيش والمخابرات الى ان تقترح على الملك الغاء القرار برفع اسعار الوقود، ولكنه حاليا يرفض الاقتراح. فالاردن لا يمكنه أن يسمح لنفسه بزيادة الدين الوطني، حيث أنه مدان منذ الان بمبالغ طائلة للبنوك الاردنية، وعليه أن يجد مصادر للتوفير من الانفاق الوطني. ولكن يبدو أن الملك يتعين عليه أن يختار بين تنازلات اقتصادية وتنازلات سياسية. فليست الازمة الاقتصادية وحدها تهدد المملكة بل مطلب تغيير نظام الحكم ايضا، والذي يبدأ بمطلب تغيير قانون الانتخابات. وهنا أيضا فان الاخوان المسلمين هم رأس الحربة في المعركة السياسية. وبعد أن تكبدوا هزيمة نكراء في انتخابات 2007، حين لم ينالوا غير ستة مقاعد في البرلمان من اصل 110 (مقارنة مع الانتصار الكبير الذي حققوه في 1993، حين نالوا 17 مقعدا من اصل 80)، فانهم يريدون أن يضمنوا لانفسهم هذه المرة انجازا مثيرا للانطباع.

في حزيران من هذا العام أقر البرلمان قانون انتخابات جديد، بموجبه 17 مرشحا من أصل 140 عضوا في البرلمان يفترض ان ينتخبوا في قوائم الاحزاب في انتخابات قطرية، وكل باقي المرشحين – في انتخابات شخصية. لكل ناخب يوجد صوتان، الاول للقائمة القطرية والثاني للقوائم الشخصية، ولكن كون نصيب القوائم القطرية التي يتنافس فيها معظم ممثلي الاخوان المسلمين هو فقط 12 في المائة من  عموم المقاعد، فقد أعلنت جبهة العمل الاسلامي، بانها ستقاطع الانتخابات التي من المقرر أن تنعقد في 23 كانون الثاني. وفي ضوء هذا التهديد، الذي من شأنه أن يمس بشرعية الانتخابات، قرر الملك "اعادة النظر" في القانون، ورفع نسبة المنتخبين في الانتخابات القطرية الى 27 مقعدا، ولكن هذا ايضا تعارضه المعارضة الاسلامية التي تطالب بما لا يقل عن 30 في المائة من المقاعد، اي 42 مقعدا تنتخب في الانتخابات القطرية.

مثل هذه الطريقة من شأنها أن تدمر اساس الدعم البرلماني التقليدي الذي يعتمد عليه ممثلو العشائر، وتنقل الى المعارضة القدرة على اقامة كتلة مانعة ضد كل تشريع يرغب الملك في سنه. ما يغضب المعارضة بقدر لا يقل هو حقيقة أن القانون الجديد يمنح قوات الامن الاذن بالمشاركة في الانتخابات. وهكذا فانه كفيل بان يوفر للموالين للملك نحو 10 في المائة أخرى من اصوات الناخبين، واذا لم يكن هذا بكافٍ – فالقانون يمنح البدو ثلاثة مقاعد اضافية في اطار حصة النساء.

حيال هذه الاختراعات السياسية يوجد للمعارضة طريقتان للعمل: المظاهرات الجماهيرية ومقاطعة الانتخابات. وكلتاهما خطيرتان بقدر متساوٍ وحيالهما يعتزم الملك العمل بتصميم كما ثبت في نهاية الاسبوع. وفي نفس الوقت يبدو أنه لا يمكنه أن يتجاهل مطلب تخفيض أسعار الوقود. في السنة الماضية تراجع عن قرار مشابه، حين خشي من انتقال الربيع العربي الى المملكة. يحتمل أن الان ايضا سيضطر الى تخفيف حدة الضربة وبدلا من رفع 50 في المائة من سعر الغاز المنزلي سيعلن عن رفع تدريجي، وان كان من أجل اجتياز الانتخابات بسلام.

وبينما يجتهد الملك لتوجيه خطواته في مواجهة المعارضة السياسية وكبح جماح الاحتجاج الاقتصادي، فتحت من الغرب جبهة جديدة لا قدرة لديه على التحكم بها. فالمعركة في غزة تحدث منذ الان انفجارات لمظاهرات واسعة في عدة دول عربية، والاردن، الذي 70 في المائة من سكانه فلسطينيون – لا يمكنه أن يتفاداها. ويخشى الملك من امكانية أن تكون المعركة الاسرائيلية مع حماس في غزة هي بالذات ما سيعرض كرسيه للخطر. وهو يدير محادثات مكثفة مع محمد مرسي، في محاولة لتحقيق وقف سريع للنار قبل أن ينتشر الاشتعال الى شوارع القاهرة وعمان. غير أنه مقابل مرسي، ليس لعبدالله تأثير على حماس. قدرته على فرض الاستقرار في دولته منوطة بمدى استعداد الرئيس المصري لاحلال وقف للنار وبمدى التطلع الاسرائيلي لسحق حماس.