خبر حول خروج لعملية برية في غزة- هآرتس

الساعة 10:37 ص|19 نوفمبر 2012

 

بقلم: عاموس هرئيل

في حين ما تزال تُستعمل في القاهرة ضغوط على حماس للموافقة على هدنة سريعة، وفي حين يهبط في اسرائيل قطار جوي من دبلوماسيين يريدون وقف عملية برية في غزة، تستمر الاستعدادات المكثفة للجيش الاسرائيلي للمرحلة البرية من عملية "عمود السحاب". ان جمع القوات حول القطاع يتم مع نار مُضايقة لقذائف رجم وصواريخ قسام لكن الاستعدادات في ذروتها. ويبدو أنه بقي زمن قصير نسبيا قبل ان تتحقق العملية.

يجب ان يؤخذ في الحسبان امكان ان يكون بناء القدرة الضرورية لحال اذا استقر الرأي على عملية برية، يرمي الى حث حماس على قبول الهدنة من غير ان تكون حاجة الى استعمال القوات في نهاية الامر. ويحسن ان نتذكر ايضا ان ليس الحديث هنا عن وضع "كل شيء أو لا شيء": لأنه يوجد مجال واسع من الامكانات لاستعمال الوحدات على الارض وتوجد درجات قوة كثيرة تحت احتلال كامل للقطاع – وهذا احتمال يبدو ان لا أحد في الجانب الاسرائيلي معني به.

ومع كل ذلك فان جولة على طول حدود القطاع أمس وسلسلة أحاديث مع قادة في الميدان وضباط كبار متقاعدين خبراء بالوضع هناك، تثير اسئلة مُضايقة تتعلق بالمنطق في عملية برية كبيرة في الوقت الحالي. ان التهديد بعملية قصدا الى فرض تسوية على حماس بشروط جيدة لاسرائيل، منطقي وضروري. لكن الخطر كامن في الانسياق وراء الخطابة التي تصدر عن بعض الساسة و"الرؤوس المتكلمة" في قاعات التلفاز بصورة قد تنتهي الى خلل استراتيجي شديد.

تُظهر صورة الوضع على الحدود التشخيصات التالية:

فقدان التفوق النسبي. حظيت المرحلة الاولى من العملية بنجاح لأن اسرائيل استغلت فيها مزاياها في مكافحة الارهاب وهي التكنولوجيا المتطورة والتفوق الجوي المطلق والسيطرة الاستخبارية. والآن أصبحت المرحلة الجوية قريبة من الاستنفاد. وقد هوجم جزء كبير من الأهداف المهمة ويُبذل الآن جهد في "صيد" خلايا اطلاق من الجو.

الى جانب نجاحات نقطية، فان هذه عملية تجري في منطقة شديدة الاكتظاظ وفي ضغط زمني كبير، وكلما طالت هذه المرحلة أصبحت اختلالات مؤسفة وقتل مدنيين في هجوم على غزة أمس غير ممتنعة تقريبا – وتضائل بدورها الشرعية الدولية لاستمرار العملية. ان الاحتكاك على الارض سيجعل دخول القوات البرية شديد السوء. والحاجة الى حمايتها من الأخطار الكثيرة في القطاع ستقتضي استعمالا عنيفا جدا للنيران يزيد بصورة مطّردة عدد القتلى المدنيين في الجانب الفلسطيني والضغط على اسرائيل لانهاء العملية.

سياسة النيران. تُستعمل بتوجيه رئيس هيئة الاركان بني غانتس في العملية الحالية سياسة نيران محافظة بغرض خفض المس بالأبرياء قدر المستطاع. فلأول مرة أصبح 100 في المائة من الذخيرة التي يستعملها سلاح الجو في العملية ذخيرة دقيقة. قال مراسلون اجانب خرجوا أمس من غزة ان النيران الجوية التي تستعملها اسرائيل أدق كثيرا وأقل تدميرا من التي تم استعمالها في "الرصاص المصبوب" (وساعدت على توريط اسرائيل بتقرير غولدستون المضخم المبالغ فيه في حد ذاته).

لكن يُشتق من هذا الانجاز نتيجة اخرى قد تكون اشكالية وهي ان قوة اصابة حماس ونشطائها المسلحين أقل كثيرا. كان يبدو حتى موجة الهجمات الشديدة أمس على الأقل أنه لم يُصنع ما يكفي حتى الآن لاصابة نظام حماس الدفاعي في القطاع، فاذا كان كثيرون من نشطائها ما يزالون في مواقعهم فان المقاومة التي ستلقاها قوات الجيش الاسرائيلي عند دخولها ستكون أشد – وقد يزيد عدد المصابين من الجنود بحسب ذلك. ان حماس الآن على الأقل توحي بثقة بالنفس نسبية برغم ان انجازاتها بالفعل (التي تتضاءل الى حد تخويف سكان غوش دان) ضعيفة جدا.

هدف العملية. يبدو الآن ان هذه القضية عليها علامة سؤال كبيرة حتى في نظر القوات الميدانية. ان عمل الجيش الاسرائيلي الأول وهو اغتيال الجعبري والقضاء على أكثر صواريخ فجر فاجأ حماس وأضر بقدرتها. لكن يصعب ان نفهم بماذا ستخدم الآن عملية برية محدودة وكيف ستتم اعادة بناء الردع الاسرائيلي حتى لو زاد عدد قتلى حماس عشرات أو مئات اخرى (اذا وُجدت في المقابل خسائر في جانبنا ايضا).

فرق في الخطط العملياتية. كانت قيادة المنطقة الجنوبية تستعد حتى الفترة الأخيرة لعملية في نطاق ما. وجاء التجنيد الجماعي لقوات الاحتياط الذي أجازته الحكومة مساء السبت وأملى في ظاهر الامر نظام قوات مختلفا تماما. يجب ان نفترض ان يوجب هذا القرار خطة مختلفة. يُشك في ان تكون جميع الوحدات المرشحة للمشاركة في العملية ولا سيما جزء من وحدات الاحتياط قادرة على التكيف مع القوات التي هي أكثر خبرة وان تكون مستعدة للمتوقع منها. الحديث هنا ايضا عن ظروف تختلف عما كان في "الرصاص المصبوب" التي تمت أكثر مراحلها بحسب خطة أُقرت قبل ذلك بزمن طويل.

مشكلات لوجستية. ان عملية كبيرة تتطور الامور نحوها مع انذار قصير بصورة مميزة يصاحبها بطبيعتها عنصر ما من الفوضى في ايام الاستعداد الاولى. ومع كل ذلك، أُثيرت في لقاءات كثيرة مع جنود وضباط في الميدان مزاعم شديدة ومفاجئة تتعلق بنوع الاستعداد اللوجستي للعملية. بُذل في فرع التقنية واللوجستكا جهد عظيم في التحسين بعد الاخفاق في حرب لبنان الثانية. وتثير مزاعم الايام الاخيرة ذكريات غير لذيذة من تلك الحرب وقد أصبحوا يقولون في الميدان "إننا حتى لو لم ندخل القطاع في نهاية الامر فسيكون لنا ما يكفي للتحقيق فيه مدة سنتين". يتحدث جنود في جملة ما يتحدثون مثلا عن عدم نظام وعن نقص من الطعام الساخن والمعدات بل عن عدم وجود طعام ألبتة احيانا.

لا شك في أنه اذا استقر الرأي في نهاية الامر على دخول بري الى القطاع، فان الفصائل الفلسطينية ستدفع ثمنا أبهظ مما ستدفعه اسرائيل. فحماس والمنظمات التي هي أصغر ليست عدوا مكافئا للجيش الاسرائيلي. لكن السؤال الذي يجب ان يُسأل هو هل في الظروف الحالية استمرار المواجهة ضروري (مع أمل انه يمكن صوغ مخرج سياسي سريع)، وهل ستُحسن ضربات اخرى لحماس توازن الردع على حدود القطاع. من الممكن جدا ان يكون الجواب انه يحسن الانهاء الآن وتفعيل المكاسب التي حشدناها من قبل بدل مضاعفة الرهان. وينبغي ألا نتجاهل ايضا مسألة طول نفس الجبهة الداخلية، فالى الآن ما تزال منظومة القبة الحديدية تعمل بصورة ممتازة والجمهور يُطيع في الحاصل توجيهات قيادة الجبهة الداخلية الدفاعية. وهذه معادلة لطيفة سيكون من الصعب الحفاظ عليها زمنا طويلا مع رشقات صواريخ الكاتيوشا على الجنوب.

كما قد ذُكر آنفا لا يوجد عند المستوى السياسي وهيئة القيادة العامة حماسة حقيقية لعملية برية. فهي تُعد امكانا أقل حُسنا ستختاره اسرائيل فقط مُرغمة. ان النظر في القدس وبئر السبع (حيث يوجد مقر قيادة الجنوب) واعٍ. ويمكن بالسفر في شوارع الجنوب بين قذائف الرجم ان نرى لافتات مخصصة للانتخابات التمهيدية للاحزاب المختلفة تخفق في الريح. ان بعض الوجوه على اللافتات تُرى الآن كل يوم في مواقع البث تحث رئيس الوزراء على ان يدع الجيش الاسرائيلي ينتصر. يبدو ان الجيش خاصة أكثر حذرا ووعيا لما يمكن في الحقيقة احرازه من المعركة.

نكتب هذا الكلام في قلق وحذر مع الأخذ في الحسبان اعتبارات أمن قواتنا. ليست هذه مسألة يمين ويسار، ووطنيين ومن هم أقل وطنية. ان أمامنا في الحاصل كما في قضية التهديد الايراني خطة مُحكمة اخرى لـ "إزهار الكرز" ترمي الى حث العدو على ان يعمل كما تريد اسرائيل منه – وربما تنتظرنا نهاية جيدة لهذه القصة. لكن يبدو أنه يحسن ان نصغي الآن ايضا لتحذيرات قادة مُجربين كالعميد احتياط تشيكو تمير الذي حذر في الايام الاخيرة من دخول عملية برية غير محسوبة بصورة كافية. ويقول تمير كآخرين ان العمل يجب ان يسبقه التفكير – ويخشى أنه برغم التحسينات في السنوات الاخيرة في الجيش الاسرائيلي فان قرارات متسرعة ستجعل الجيش الاسرائيلي يواجه نسخة مكررة في الجنوب من حرب لبنان الثانية.