خبر إسرائيل تفشل في استرداد الردع: صواريخ المقاومة ووحدتها تصدمها ..حلمي موسى

الساعة 11:02 ص|17 نوفمبر 2012

أقنعت إسرائيل نفسها في اليوم الأول لحربها التي بدأتها باغتيال الشهيد أحمد الجعبري أنها نجحت في استرداد قدرة الردع التي افتقدتها في الشهور الأخيرة عند المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.

وبدأت معالم البهجة حتى على كبار المعلقين الإسرائيليين الذين كثيراً ما أبدوا حذراً في الماضي، فقطاع غزة ظل على الدوام في نظر الكثير من القادة الإسرائيليين «مكسر عصا»، بل إن أحد مبررات شدة الحرب التي شنت على القطاع قبل أربعة أعوام تقريباً كان استرداد الردع الذي فقدته إسرائيل في الجبهة اللبنانية أمام «حزب الله».

وعلى النمط نفسه، ومثلما ادعت أنها دمرت في ضربتها الجوية مخازن الصواريخ البعيدة المدى اللبنانية، قالت إنها دمّرت في ضربتها المفاجئة التي أعقبت اغتيال الجعبري القدرة الصاروخية البعيدة المدى لدى حركتي حماس والجهاد الإسلامي على وجه الخصوص. وتباهى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه إيهود باراك بتدمير 80 في المئة من هذه الصواريخ، وبالتالي شل القدرة الفلسطينية على الرد في تل أبيب. وقصدا بذلك أنهما يعرفان ليس فقط مخازن السلاح في غزة وإنما أيضاً أعداد الصواريخ فيها. وربما هذا ما دفع مراسلاً عسكرياً لنشر تقرير مطول عن المفاجأة الإسرائيلية للمقاومة بإظهار المعرفة ليس فقط بأعداد الصواريخ وأماكن تخزينها، وإنما أيضاً بطرق وصولها من منطلقها في إيران إلى مستقرها في غزة، مروراً بالتفكيك والتركيب والأنفاق والشاحنات وحتى الرافعات التي تنصبها.

ولكن الادعاء شيء والواقع شيء آخر. والصحيح أن لا أحد ينكر على الإسرائيلي قدراته على جمع المعلومات الإستخبارية ومحاولة تكوين أوضح صورة منها، خصوصاً في قطاع غزة المنكشف تماماً أمام هذه القدرات. غير أن هذا الانكشاف أثبت أيضاً أن في غزة جهات أفلحت ليس فقط في إخفاء قدراتها عن إسرائيل وإنما أيضاً في مفاجأته وتضليله. ولا ريب في أن المنطق يفيد بأن الخطأ الإسرائيلي الأساسي يكمن في سوء تقدير ردة الفعل عند حماس وباقي القوى الفلسطينية.

لقد راهنت إسرائيل مراراً على ما يمكن أن يكون آثاراً ارتدادية لأفعالها. كان هذا واضحاً في مناهج الحصار التي استخدمتها ضد القطاع بما تضمنه من سياسة التجويع وصولاً إلى تحديد السعرات الحرارية لكل غزاوي. وكان واضحاً أيضاً في عمليات القضم الدموي التي انتهجتها طوال سنوات لخلق النفور لدى عامة الناس من المقاومة، من خلال تكبيد المدنيين خسائر باهظة كعقاب على أفعال المقاومة. وبالرغم من هذا الوضوح تكرر إسرائيل السياسة ذاتها بمحاولتها استخدام الدعاية المسلحة لتحقيق الأغراض القديمة.

ويمكن لكل من يحتك بأناس الشارع، المنقسمين أصلاً على أنفسهم، أن يعرف أن لا شيء يوحدهم أكثر من مجابهة إسرائيل. صحيح أن الانقسام الفلسطيني - الفلسطيني كان مدمّراً وبالغ الضرر، وصحيح أن عداوات نشأت ودماء سالت، وكراهية خلقت، لكن في مواجهة الإسرائيلي لا يبقى من ذلك إلا القليل. قد ينظر شخص إلى ما قاله متحدث مريض بلسان حركة فتح عن مؤامرة إسرائيلية مع حماس، ولكن آلاف الأشخاص تنظر إلى ما قاله عشرات المتحدثين الأصحاء باسم فتح من أن هذه معركة الفلسطينيين جميعهم، وأنهم في خندق واحد مع حماس وباقي فصائل المقاومة. بل إن أبرز قياديي فتح في قطاع غزة تحدثوا عن أنهم في مقدمة الصفوف لمواجهة العدوان، وأن هذا مكانهم الطبيعي.

الواضح حتى هذه اللحظة أن المواجهة مع إسرائيل تفتح الباب لتنقية النفوس داخل القطاع، لكنها قد تكسر حدة الانقسام على الصعيد الفلسطيني برمّته. فالموقف المصري المتضامن مع القطاع وحكومة حماس يفتح الباب أمام دور مختلف للقاهرة لن يكون له معنى من دون المساعدة الجدية في إنهاء الانقسام. ومما لا ريب فيه، أنه وبالرغم من الجهد الرسمي لمنظمة التحرير الفلسطينية المُركز على الأمم المتحدة راهناً، فإن قسماً مهماً من الجهد الرسمي سينصبّ نحو مواجهة العدوان. ومن المؤكد أن جانباً من الجهد الدولي والمصري سيتجه نحو السلطة في رام الله بوصفها عنواناً عربياً ودولياً للفلسطينيين. وثمة تقدير أن السلطة في رام الله، وباسم منظمة التحرير، ستتصرف بشكل مغاير لما حدث في عدوان «الرصاص المسكوب» على قطاع غزة (2008 2009).

عموماً، هناك جهد مصري على أوسع نطاق الآن يقوم على أساس مرحلتين: الأولى حصر القتال في نطاق ضيق والثانية إعلان وقف لإطلاق النار. وكانت حماس قد تلقت عرضاً بالامتناع عن إطلاق الصواريخ على تل أبيب مقابل تجنب إسرائيل تنفيذ هجوم بري. وكان الرد الأولي أنه لا وقت الآن للتفاهمات، خصوصاً أن الدماء لم تجف بعد. وقد حاولت حماس جس نبض الأطراف الفلسطينية الأخرى، خصوصاً حركة الجهاد الإسلامي حول التهدئة، وفي الغالب كان رد الجهاد هو استعدادهم لقبول ما تقبله حماس.

كانت حماس في وضع محيّر: التصعيد الكبير قد لا يكون في نهايته مفرحاً، لكن التراجع الآن غير ممكن. حماس تعلن عن استهداف تل أبيب بصاروخين. إسرائيل تنكر ذلك، فالأمر لا يتناسب مع «الضربة الوقائية» لصواريخ «الفجر». بعد قليل تعلن إسرائيل عن سقوط صاروخ على ريشون لتسيون في جنوب تل أبيب، ومن ثم ضرب غوش دان بصواريخ محلية الصنع. التوتر يزداد. الجهاد الإسلامي يعلن للمرة الأولى استهداف تل أبيب. إسرائيل تقر بسقوط صاروخين، أحدهما بجوار بات يام الضاحية الجنوبية لتل أبيب والثاني قبالة يافا.

للمرة الأولى منذ العام 1991 ينزل الإسرائيليون في تل أبيب إلى الملاجئ والغرف الآمنة وينبطحون أرضاً في الشوارع. حتى أن بنيامين نتنياهو اضطر بنفسه للجوء إلى الغرف الآمنة في مقر وزارة الدفاع في هكرياه في تل أبيب إثر انطلاق صافرات الإنذار. وبالرغم من شدة الضربات الإسرائيلية للقطاع ابتداء من مساء أمس الأول حتى مساء وفجر الأمس، إلا أن الأوضاع لم تهدأ.

وقد اشتدت حدة التهديدات باجتياح قطاع غزة. ولكن ذلك لم يمنع حركة حماس من إعلان استهداف القدس المحتلة بصاروخ بعيد المدى من تطويرها. كما أعلنت عن إسقاط طائرة حربية وأنها تبحث عن حطامها. وكل ذلك أدخل الوضع في مسار تصعيدي جديد. وهذا يقود إلى خلاصات أولية، أهمها أن حسابات حقل نتنياهو لم تطابق حسابات بيدره. كان يعتقد أن بوسعه تنفيذ هجوم يقضي فيه على «بن لادن إسرائيل» ويتلقى رد فعل مدروساً يحسب حساب الردع الإسرائيلي ويغذيه. والانتخابات قريبة.

هناك من يعتقد أن نتنياهو معني بالتراجع، لكن هذا لا يمنع هروبه إلى الأمام.