خبر صبراً أهل غزة .. فلكم الله والمجد والنصر ..علي عقلة عرسان

الساعة 10:06 ص|16 نوفمبر 2012

 

غزة تحت نيران الاحتلال الصهيوني من جديد، وقافلة من شهدائها يتقدمهم أحمد الجعبري تمضي إلى النور، والمقاومة الفلسطينية في تلك الصحراء المكتظة بالبشر وإرادة الصمود تستخدِم ما بحوزتها من قوة للدفاع عن النفس والشعب والحقوق والأرض.. ومئات الطلعات طيران العدو تدمر وتقتل وترهب بحنون عنصري معهود في اليهود مذ كانوا وكان الغدر والشر وقتل الرسل والحقد يلازمهم.. وعلى تل أبيب تسقط بعض صواريخ المقاومة الباسلة محدثة ذعراً، وملقية في ذلك الفضاء الفلسطيني الذي يحتله الصهاينة منذ عام 1948 أسئلة جديدة لم يعتد المحتلون طرحها على أنفسهم: كيف وصلت صواريخ القسام والجهاد الإسلامي من غزة إلى تل أبيب على الرغم من القبة الحديدية؟! وكيف وصلت الصواريخ أصلاً إلى غزة على الرغم من من حصارنا الخانق لها منذ سنوات؟! وما الذي ينتظرنا منذ اليوم وصاعداً على أيدي المقاومة الفلسطينية التي تملك الإرادة والسلاح وتأخذ بشعار النصر أو الشهادة؟! وما الذي يمكن أن نفعله أكثر مما فعلناه في مرات سابقة، لا سيما في عامي 2008 – 2009 مع غزة التي كان قادتنا وما زالوا يتمنون " أن يبتلعها البحر"؟!

لم يشل الخوف من صواريخ المقاومة إرادة العدوان لدى الصهاينة ويوقف القصف المستمر، بل ذهبوا إلى المرحلة التالية من مخططهم العدواني المبيَّت، فاستدعوا ثلاثين ألف من الاحتياط في تدبير لدخول غزة من البر والسيطرة عليها.

إن دخول غزة مكلف، والغزَّاويون لن يتركوا الإسرائيليين يقومون بنزهة في الشوارع المكتظة بالناس، والتجربة القريبة السابقة تعطي للجميع دروساً حية بالغة الدلالة.. ولكن العدو الصهيوني المجرم يستطيع أن يدمر ويقتل بجنون، فالذاكرة الفلسطينية والعربية ما زالتا عامرتين بما ارتكبه من مجازر في حربه العدوانية الوحشية عليها قبل أربع سنوات.. نعم سيمارس العدو الصهيوني همجيته الفظيعة، وقد يخسر في مواقع ولا يتمكن من تحقيق أهدافه جميعاً.. ولكن في الحسابات العسكرية والاستراتيجية لا تملك غزة مقومات توازن من أي نوع مع قلعة العدوان الصهيونية المدعومة من الغرب بلا حدود بكل أنواع السلاح التقليدي وغير التقليدي.. وغزة لا يأتي إليها من أبناء أمتيها العربية والإسلامية سلاح ومقاتلون يساندونها، بينما يأتي اليهود والأميركيون والغربيون المدربون إلى فلسطين المحتلة ليقاتلوا مع الصهاينة، ويتدفق على " إسرائيل" المال والسلاح والدعم المادي والمعنوي من كل مكان.. وقد يساهم عرب في إنجاح العدوان الصهيوني على غزة وعلى سواها إذا ما نشب القتال، إما بالصمت وإما بتقديم المال والتأييد من تحت الطاولة وحتى بالمطالبة بالمضي بالعدوان إلى أبعد الحدود، كما شهدنا في حروب " إسرائيلية " سابقة على المقاومة في لبنان وغزة وقبلهما في جنين وفي المقاطعة برام الله حيث حوصر المرحوم ياسر عرفات لأشهر في غرفة ومطبخ هناك، ولم يقدم له " زملاؤه " من الحكام العرب ما يخرجه أو ينقذه.!!. وعرب اليوم قد لا يختلفون عن عرب الأمس كثيراً على الرغم من الثورات والتغيير و"الربيع" المبرقع بالدم.. فالتعثر والتعثير ما زالا يسودان ساحات عربية كثيرة ويضغطان على أنفس وطيبقات في هذا البلد العربي أو ذاك.. والكيان الصهيوني يملك، بصورة مباشرة أو خلال حلفائه الغربيين وأصدقائه من العرب، يملك نفوذاً وهيمنة على سياسة هذا البلد العربي أو ذاك، هذا الحاكم العربي أو ذاك.. ويساهم في رسم سياسات وتوجيه " ثورات" وتحركات ومشاهد اقتتال دامية.. أصبح معها كثير من العرب في وضع سياسي واقتصادي واجتماعي يتسم بالهشاشة والرخاوة من حيث القدرة على مواجهات عسكرية حاسمة، أو من حيث التدخل المجدي والمخلص لحماية مساحة عربية ما يفترسها أعداء الأمة التاريخيين من خلال أدواتهم، وبأساليبهم المعروفة للداني ولقاصي. 

في هذا المناخ تموج في غزة النار، وفيه تموج ساحات جماهيرية عربية بالغضب والاحتجاج، منادية بموقف وتدخل ومناصرة وحتى بوقف للعدوان على غزة!! وفي هذا المناخ أيضاً يستمر تأييد الغرب الإمبريالي للعدوان الصهيوني على غزة ويتنامى، مرسخاً توجهات وسياسات وشروراً وفجوراً تبديه قيادات أميركية وفرنسية وبريطانية على الخصوص، حيث تصف عدوان الصهاينة العنصريين دائماً، وعلى غزة حالياً، المحاصرة منذ سنوات عدة بأنه " دفاع عن النفس".!؟

تلك مهزلة غربية قديمة يقف منها العالم متفرجاً أو مشلول الإرادة.. فماذا نأمل اليوم في ظل المتغيرات والمغيرين والشعارات والمتظاهرين، والقتال والمتقاتلين في هذا الزاروب العربي أو ذاك؟! هل نأمل في موقف موحد شجاع عادل وجريئ يضع العرب والمسلمين في موضع يجبر تلك الدول المناصرة تاريخياً للاحتلال والعدوان الصهيونيين على إعادة النظر بمواقفها من خلال حرصها على مصالحها التي تربتبط بنا نحن العرب والمسلمين، لترى بعين الحقيقة والعدل والموضوعية القانونية والأحكام الخُلُقية السليمة، فلا تنحاز هذا الانحياز المخل بكل شيء، ولا تضع الجلاد في موضع الضحية والمعتدي في موضع المعتدَى عليه.؟! إنني أستبعد أن يحصل ذلك، فالعرب مخترَقون بأشكال مختلفة أو متهالكون بصور متنوعة، تبدأ بوسائل تسيبورا ليفني وأخواتها وتنتهي بعمالة كيدية وأخرى تاريخية وثالثة من نوع تعملق الأقزام في ساحاتهم عن طريق رضاهم في أن يكونوا في حاشية هذا الصهيوني أو ذاك، هذا الغربي المستعمر المتغطرس أو ذاك!!. وما زالت العلاقات العربية – العربية محكومة بجاهلية مقيمة وجهل وكيدية مقيت، حيث يرى هذا العملاق أو ذاك خصمه أو نظيره أو..  يغرق في الجب ويلتقطه السيارة فيتخذونه تجارة.. ولا يحب أن يرى الواحد منهم رؤية سليمة قويمة حيث الجزء محمياً وعزيزاً من خلال الكل، والضعيف قوياً بأمته التي تملك مقومات القوة وأسبابها ولكنها لا تملك أن تمنع من يعبث بذلك ويبعثره، بل يوظفه توظيفاً سلبياً في تقاتل داخلي وتضاد وتناقضات عربي – عربية، تجعل محصلة قوى الأمة صفراً أو دون الصفر بسبب وضع مقومات القوة بعضها في مواجهة بعض ليفني بعضها بعضاً.!؟

غزة سوف تصمد وتنزف وتعاني مر المعاناة.. ولكن جراحها الجديدة ستضاف إلى جراحات سابقة تضني وتسقِم، ولن يصلها في أفضل الحالات من معظم أشقائها إلا تصريحات وبرقيات تأييد و" نخوات" وبعض الأغذية والأدوية والملابس والبطانيات والخيم التي ستبنى على أنقاض البيوت التي ستدمرها آلة الحرب الصهيونية المجرم أربابها.. لن يصلها سلاح ولا مقاتلون، ولن تُستنفَر الجيوش من أجلها ويهدد أمن العدو الصهيوني بسبب تهديده لأمنها.. غزة ستقاوم بلحمها ودمها وبما تملك من أسباب القوة، لن تنهزم روحُها وإرادتها وأهداف مقاومتها الشريفة.. ولكنها لا تملك ما يحقق لها نصراً على عدو مجهز بأكبر ترسانة عسكرية في المنطقة، ومدعوم من الغرب الذي يعبث بقرارات وإرادات وثروات شرق عربي أو عرب في الشرق موجوعين من الجراح ومشغولين بأكل لحوم بعضهم بعضاً.!!. نعم ستكون تلك المواجهة مشرفة، ومرحلة من مراحل تقدم المقاومة وتعزيز خبراتها، وستكون ملحمة من ملاحمها وصفحة ناصعة البياض في تاريخها.. ولكن النصر على الكيان الصهيوني بهزيمة تردع وتعيد بعض الأرض وتلجم وحشيته وعنصريته، وتجعله لا يصل إلى بعض أهدافه.. شيء آخر يستدعي قوة الفلسطينيين موحدين أولاً، وقوة أمتهم العربية أو قوة أقطار ريئسة من أقطارها تؤمن بالمقاومة طريقاً للتحرير، تقف معهم في خندق واحد انطلاقاً من حقيقة أن قضية فلسطينية قضية عربية رأس حربتها وأهل الحق فيها هم الفلسطينيون، وأن مسؤولية تحريره فلسطين مسؤولية عربية يتحمل الفلسطينيون جزءاً من ضريبتها ولا يقع عليهم وحدهم كل ذلك العبء الذي ناءت به الأمة، فكيف يحمله شعب يناضل في ظل احتلال عنصري لا يعرف له التاريخ مثيلاً، ويحاصَر من عدوه وحلفاء عدوه ومن بعض أمته بأشكال من الحصار يندى لها الجبين؟! غزة ستقاوم وتصمد إلى مدى مشرف ولن تُكسر إرادتها، وستكسب المقاومة الفلسطينية تجارب وخبرات وتلحق بالعدو خسائر.. وسيدفع الشعب الفلسطيني دماً ومعاناة من جراء وحشية العدوان ويكسب بعض الأصدقاء من شرفاء العالم.. لكنه قد لا يتحقق له أن يُفكَّ الحصار الظالم على غزة بالصورة المتحدية التي طالب بها المناضل إسماعيل هنية هذا مع إمكانية أن تحدث في جدران الحصار خروقات عريضة.. ولكن بوابات رفح قد لا تُفتح على المدى الأوسع والأشمل وهو المرتجى.. فهناك ما يجبر مصر على الالتزام بحدود ويقيدها بقيود على الرغم من التغير في الرؤى والآراء.. ولنا من وسائل أوباما وأدواته وأشكال ضغطه التي جعلت من المجرم شمعون بيريس " صديقاً عظيماً للرئيس المصري في وقت قريب مضى خير دليل وشهيد على ما نقول.. ولن تمكن هذه المعركة الشعب الفلسطيني من الوصول إلى الوحدة المنشودة، وربما وضعته على مشارف تقارب ظاهر، ولكن من أسف أقول ربما تبقى بعض النار تحت الرماد..

فقد ينبت المرعى على دَمِنِ الثرى      وتبقى حزازاتُ النفوس كما هي

ذلك لأن هدف المقاومة والتحرير لا يلتقي مع هدف التفاوض المجاني الذي لم يؤد إلى نتائج تذكر، ومع ذلك ما زال هو السبيل الذي يسلكه بعض السالكين إلى بعض فلسطين وبعض حق العودة، وهم  الذين تتطاير خلال سلكوهم إياه حقوقُهم حقاً حقاً، وبعض ملابسهم قطة قطعة، كلما ساروا فيه شبراً شبراً ومتراً متراً.. والشواهد منذ أوسلو وحتى الآن على الأقل تشير بوضوح تام إلى هذا وإلى ما هو أكثر قتامة منه في ظل استيطان مستشرٍ وعدوان مستمر.

نريد لشعب الجبارين الوحدة التي يتوقف عليها الكثير الكثير من شروط امتلاك القوة إلى شروط تحقيق الأهداف التي تتكلل بالنصر والتحرير.. لكن على أي الأهداف نتحد، ومن أجل أيها نقاتل، وإلى أية فلسطين نتجه، وبأية وسائل وأدوات وسياسات وعلاقات ..إلخ تلك هي الأسئلة التي تجمع الأجوبة عليها أو تفرق.؟!

قلبي على غزة، وقلبي مع أهلها وأطفالها ومناضليها ومناضلاتها، مع صياديها وباعتها المتجولين وفقرائها، مع مقاوميها الذين يتخذون من الرمل بيوتاً ومن أشجار الزيتون مواقع وحمايات.. قلبي مع غزة..  ومنذ ذلك اليوم الشتائي القاسي الذي لا أنساه، في مرج الزهور على سفوح جرداء من سفوح لبنان، وتحت خيام يجللها الثلج تنتشر على منحدرات وصعدات.. منذ ذلك اليوم الذي كان لي فيه شرف اللقاء مع مناضلين أبعدوا عن وطنهم إلى هناك، كانوا من فلسطين كلها، منهم المرحوم عبد العزيز الرنتيسي وسواه وسواه وسواه.. وأنا أجدني أعيش مع أخوتي نضالهم لحظة بلحظة كما عشت معهم خروهم من فلسطين عام 1948 يوماً بيوم في المعاناة وضرائب المقاومة والصمود بكل ما له وما عليه.. وأجدني اليوم حيال غزة أفرح بها كما لم أفرح من قبل وأحزن عليها كما لم أحزن من قبل.. فالفرح في تجدد قيامِها من رمادها بعد كل حريق، وامتشاقها سلاحَها بعد كل نكسة، وبعثها المتجدد لروح الصمود والأمل في الشعب الفلسطيني والمناضلين العرب والمنتمين للأمتين العربية وافسلامية انتماء عضوياً يتصل بالمقاومة طريقاً للحرية والتحرير وتقرير المصير، وإقامة دولة فلسطين على كل أرض فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر.. وأحزن لفقد أبنائها بطلاً بعد بطل، ولرحيل قياداتها نسقاً بعد نسق، ولذبح " زغاليل الحمام" أطفالها بيد عنصرية صهيونية همجية مجرمة لا ترحم ولا تعرف خلقاً رفيعاً أو قيمة إنسانية عليا، شأنها في الشر أدهى وأبعد وأعمق من شأن وحوش الغاب التي تقتل لتأكل بينما يقتلون بدافع الحقد على الآخرين والعنصرية البغيضة والادعاءات المريضة!؟.. ويرافق حزني الألمُ لمعاناة أهل غزة في هجرٍ أو شبه هجرٍ لهم من أمتهم.. وأضيق أعظم الضيق حين أسمع فلسطينياً أو عربياً لا هو في العير ولا في النفير يحمِّلهم مسؤولية معاناتهم لأنهم تعلقوا بالمقاومة والشرف والكرامة والحرية والتحرية والأهداف العليا للشعب الفلسطيني، شعب الجبارين الذي سيكون له النصر بأمته وسيكون لأمته النصر به.. فصبراً أهل غزة صبراً، فلشهدائكم الرحمة والجنة بإذن الله، ولكم المجد، ولشعبكم وأمتكم على أيديكم النصر والحرية بعونه تعالى..

ولينصرن الله من ينصره، وليس نصركم، نصر الحق والعدل والقيم الرفيعة، على الله بعزيز.