خبر العملية في غزة: كيف يخرجون منها- هآرتس

الساعة 09:33 ص|16 نوفمبر 2012

 

بقلم: يوسي فيرتر

بعد 24 ساعة بالضبط من بدء عملية "عامود سحاب" في غزة وبعد ساعتين من اجراء اهود باراك حديثا مشجعا مرتجلا مع جنود بطارية القبة الحديدية عند ظاهر بئر السبع، بدا لمُحدثيه جديا لكنه غير معكر المزاج، وهو محصور الهم في هدفه لكنه ليس نافد الصبر. انها عملية عسكرية مفاجئة وناجحة وناجعة من النوع الذي كان تصاحبه حيلة خداع كلاسيكية وكأنها حيكت على حسب مقاس باراك. فالسرية والدهاء والرغبة الدائمة في التضليل وبث دخان حوله أو عامود سحاب أو عامود دخان كل ذلك يميز باراك، لا في سلوكه العسكري الامني فقط. ان الذي نجح في ترك فؤاد بن اليعيزر فاغر الفم صبيحة الانشقاق عن حزب العمل ليس شيئا عنده ان ينظم حيلا من النوع الذي يجعل احمد الجعبري يتجاهل قواعد الحذر التي هي شيء أساسي عند كل ارهابي؟.

كان باراك هو الذي اقترح في جلسة التسعة في يوم الثلاثاء ان يخرج الوزير بني بيغن لاذاعة صوت اسرائيل ويعلن انهاء جولة القتال. وقرن بيغن نفسه للمهمة بحماسة فتى صغير. ومن الغد، في بدء جلسة المجلس الوزاري المصغر في الكرياه في تل ابيب، لقي بيغن متحدث باراك، براك ساري. "من كان يصدق ان يكذب بني بيغن على الجمهور"، قال ساري وهو يخز بيغن، فأجاب الوزير بلا حقيبة وزارية: "لم أكذب. قلت ان جولة القتال انتهت اليوم. أما الغد فهو يوم جديد".

في هامش تلك الجلسة أطرى شخص ما على براك على الحيلة فتلقى الاطراء بتواضع وقال في شبه تواضع: "أنظر يوجد في هذه الغابة غير قليل من الناس الأشرار، ولا يمكن ان تحارب هؤلاء الناس بقواعد مدرسة رهبانية".

عشية نشوب حرب لبنان الثانية، كما نشر في الماضي، اتصل الوزير آنذاك شمعون بيرس بباراك الذي كان يعمل في الحياة المدنية، وسأله ماذا يفعلون مع تلك الازمة. فعرض عليه باراك ان يسأل رئيس الاركان دان حلوتس سؤالا واحدا وهو: هل نعلم كيف ننوي انهاء العملية/ الحرب أم ان ذلك غير موجود. فسأل بيرس ولم يتلق جوابا، أما ما عدا ذلك فمكتوب في صفحات تقرير لجنة فينوغراد.

        أمس (الخميس) كان من وجه الى باراك سؤالا مشابها وهو: كيف نخرج من هذا. فقدم باراك جوابا معوجا غير قصير. وانطبع في أذهان سامعيه انه ليست عنده صيغة دقيقة للخروج، وانه ايضا لا يشتاق الى معركة طويلة. "نحن لا نعرف التنبؤ بدقة ما هي نقطة النهاية"، قال باراك. "ليست هذه هندسة بناء. من الواضح أننا لن ننهي قبل ان نحرز الأهداف التي استقر رأي المجلس الوزاري المصغر عليها وهي: تقليل اطلاق صواريخ القسام، وزيادة الردع وتحسين الواقع الامني اليومي لسكان الجنوب. وهذه أهداف قابلة للاحراز. نحن نسعى الى اشياء معقولة كأن يمكن العمل قرب الجدار بلا خطر. ونحن نجتهد في احراز هذه الأهداف والغايات من غير ان نخطب خطبا تشرتشلية ومن غير ان نُبين في تأخر في مؤتمرات خاصة ان الأهداف التي أعلناها لم تكن قابلة للاحراز وأننا لم نقصد اليها في الحقيقة ايضا حينما رسمناها".

        قال باراك: "لا مكان للتوقف الآن. ان حماس تتلقى ضربات قاسية جدا بعد ان صُفي قائدها ودُمرت أكثر الصواريخ للمدى البعيد. اذا ركعت حماس في الغد وتوسلت لنتوقف فسيكون مكان لنزن التوقف فهذا متعلق ايضا بالطرف الثاني. وفي الاثناء فاننا مستمرون ما لم يحدث ذلك".

        يفهم كل ولد من الذي قصده باراك حينما أدخل تشرتشل في حديثه. ان شخصية اهود اولمرت المرشح المحتمل تقف بازاء ناظريه وناظري نتنياهو بصورة واعية أو غير واعية. ان باراك ونتنياهو معنيان بأن يبرهنا للعالم على ان حرب لبنان الثانية لن تعود – لا في صورة الخروج اليها ولا في تحديد الأهداف ولا في الادارة ولا في الاستعداد لعملية برية اذا احتيج اليها.

        قال باراك أمس في أحاديث مغلقة: "تعلمنا من المرة السابقة وأعلنا فورا في البداية حالة طواريء في الجبهة الداخلية، وجندنا الاحتياط فورا اذا استدعى الامر. وقد استخلصنا الدروس، نتنياهو وأنا، من أخطاء الآخرين، نحن نفكر عدة خطوات الى الأمام. في المرة السابقة لم يوجد تخطيط مسبق بل حدث كل شيء بصورة عرضية. ليس من المؤكد أننا سنحتاج الى عملية برية لكننا مستعدون اذا احتجنا".

        في تلك الأحاديث الداخلية التي أجراها باراك قارن بين صورة عمل رئيس الوزراء اولمرت في "الرصاص المصبوب" وصورة عمل نتنياهو فقال باراك ان اولمرت ما كان ليتحرك من غير رئيس هيئة الاركان ورئيس "أمان" ورئيس "الشباك" فقد كانوا في كل نقاش وكل مشاورة وكل جلسة، وقال: "لم يكن عندهم وقت للقيام بعملهم". وقال: "في هذه المرة نحن ندعهم يعملون. يوجد ثلاثة – رئيس الوزراء ووزير الخارجية وأنا – فوضهم المجلس الوزاري المصغر لاتخاذ القرارات، وأنا بطبيعة الامور أفتح عيني أكثر. لكن الامور التي كانت آنذاك وصعبت تصريف الامور غير موجودة اليوم".

        القفز على العجلة حينما لا يكون مناص

        لا يستطيع باراك ان يتجاهل الكلام السياسي حول عملية "عامود سحاب" التي دهمتنا قبل الانتخابات بـ 67 يوما. كان هناك من ذكّره بأنه قبل عملية "الرصاص المصبوب" التي كانت قُبيل انتخابات 2009، منحت استطلاعات الرأي حزب العمل برئاسته بين 6 نواب الى 8. وبعد العملية التي أدارها باراك فورا ارتفعت أسهمه وكذلك التنبؤ بالنواب لحزبه الى 15 – 16 نائبا، وانتهى ذلك آخر الامر الى 13 نائبا. فقال باراك: "بربك، إنني مستعد اليوم ايضا لأن أوقع على 13 نائبا لحزب الاستقلال".

        انه يرفض رفضا باتا الزعم الذي ينسب اليه والى نتنياهو مصلحة سياسية واضحة في بدء هذه الحرب قبل الانتخابات بشهرين وأكثر. وقد بيّن لمحادثيه الحساسية الكبيرة في عملية اغتيال من النوع الذي تم تنفيذه في يوم الاربعاء بعد الظهر على الجعبري.

        قال باراك: "توجد فترات تكون فيها في ظاهر الامر شرعية عالية للمس بقائد رفيع المستوى مثل الجعبري، مثل التصعيد الذي حدث مثلا. لكن في هذه الفترات ينزل الارهابي المتحدث عنه للعمل السري وحينها لا يمكن المس به، أما في فترات هادئة تماما فربما يتجول الهدف في حرية لكن لا شرعية للمس به لأن هذا المس يشعل المنطقة".

        أوضح باراك انه حدث في هذه المرة تلاقي فرص مثل درزة ثوب لطيفة جدا ونادرة جدا بين الفترة الشرعية بعد الجولة العنيفة والفترة غير الشرعية التي لا يشعر فيها الهدف بأنه مهدد.

        "يوجد توتر راسخ بين هاتين الفترتين"، قال باراك، "لا يعني ذلك انه في يوم الثلاثاء ولأول مرة قررت التساعية المس بالجعبري، فلا تنشأ قدرة كهذه على نحو عام ببساطة وقد نشأت هذه المرة. بُذل هنا تفكير كثير وبُذل هنا تخطيط كثير. وأُثير شخص الجعبري باعتباره هدفا للاصابة في النقاش في حلقات مختلفة أكثر من مرة واحدة في العقد الأخير".

        وقال باراك: "والى ذلك نقضت حماس القواعد، فقد أطلقت صاروخا على جيب عسكري في داخل ارضنا. وفجرت نفقا بنصف طن من المواد المتفجرة المضادة للدبابات كان جزء منه في داخل ارضنا، فمن الواضح ان هذا كان وقت العمل دونما صلة بالانتخابات. ان السياسة في هذا الشأن هي فقط في رؤوس اولئك الذين ينسبونها إلينا لا في رؤوسنا".

        ومع كل ذلك لا يمكن تجاهل المواد الأولية السياسية حتى ساعة كتابة هذه السطور، في مساء يوم الخميس، في حين يجري كل شيء تقريبا بحسب المخطط وتحصد القبة الحديدية نجاحا مدهشا: ان باراك ونتنياهو يسيطران تماما على برنامج العمل الاعلامي. والشعب ينتظر ما يصدر عنهما. وهما يوحيان بالتصميم وضبط النفس وتقدير الامور. ولم يعد باراك يرأس حزبا هامشيا سخيفا لا يكاد يبلغ نسبة الحسم، بل هو وزير دفاع خبير يُصرف بصورة غير سيئة على الاطلاق عملية معقدة تحظى بدعم كاسح من الجمهور. وكل ذلك صحيح الى الآن، مرة اخرى. قد توجد اختلالات وقد توجد أخطاء وقد توجد كوارث، وقد أُخذ كل ذلك بالحسبان.

        نحّى نتنياهو وباراك رؤساء الاحزاب الاخرى جانبا الى حد إخفائهم وهم شيلي يحيموفيتش من حزب العمل ويئير لبيد من "يش عتيد" وشاؤول موفاز من كديما. فقد وجد المتحدون الثلاثة المركزيون للزوجين نتنياهو وباراك، وجدوا أنفسهم في صفة فرقة تشجيع. وهم يضطرون الى الانتقال من قاعة تلفاز الى اخرى ومن برنامج الى آخر ومن حلقة حوار الى اخرى، ويُحكم عليهم في خضم هذه الثرثرة الحربية – السياسية التي لا تطاق ولا تنتهي بأن يباركوا ثم يعودون ليباركوا وكأنهم أبطال مأساويون خرجوا من الميثولوجيا اليونانية، يباركون رئيس الوزراء ووزير الدفاع.

        تُطبق يحيموفيتش ولبيد بسلوكهما المؤيد والمشجع الاستراتيجية السياسية المعروفة باسم "أنا ايضا". حينما يلاقي سياسي قضية عامة يلفها الاجماع لا يملك سلطة عليها وليس عنده ما يقوله فيها ولا يستطيع ان يثور عليها بيقين لأن ذلك سيكون انتحارا، فانه يستعمل الاستراتيجية المذكورة آنفا فيقفز على العجلة ويعبر عن تأييد متحمس وينشد نشيد هتكفاه بصوت صاف – وكل ذلك في الأساس كي يقلل الخسائر مؤملا اللحظة التي تزول فيها القضية من جدول العمل وتعود المعركةالانتخابية لتتناول أمورا قريبة من قلبه. وتكون كل الاختيارات على المائدة.