خبر يا أبناء سورية ..اتقوا الله في أنفسكم ووطنكم ..علي عقلة عرسان

الساعة 01:59 م|13 نوفمبر 2012

 

نجح السفير روبرت فورد في مهمته التي كُلف بها، فمؤتمر الدوحة شكل بديلاً للمجلس الذي وجهت له كلنتون انتقادات حادة وسحبت الاعتراف به، والبديل هو "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية"، وأنتهى عملياً تفويض مجلس استانبول، وتحول من معترض ومختلف إلى موافق ومؤتلف، وضم الائتلاف المجلس وتنظيمات وفئات وشخصيات أخرى وبقيت تنظيمات وفئات وشخصيات خارجه.. وأكد على اثني عشر منطلقاً حاكمة لعمله وتوجهاته نذكر منها الثاني والثالث لصلتهما الجوهرية بقرارات عربية وإقليمية ودولية تتصل بالأزمة السورية والبحث عن حل سياسي لها، ونصهما الآتي:

2 - اتفق الأطراف على إسقاط النظام بكل رموزه وأركانه، وتفكيك أجهزته الأمنية بمحاسبة من تورط في جرائم ضد السوريين.
3 - يلتزم الائتلاف بعدم الدخول بأي حوار أو مفاوضات مع النظام.

وأعلنت جهات أخرى بقيت خارج الائتلاف أنها: " ترفض فكرة التدخل الخارجي في الأزمة السورية عسكريا أو سياسيا، وتدعوا إلى الحوار السياسي بين المعارضة والنظام على أساس مقررات مؤتمر جينيف.".

وكانت "المبادرة الوطنية" التي تكلمت عنها الوزيرة هيلاري كلنتون في زغرب، وكشفت بعض تفاصيلها وأسباب تتعلق بها للصحفيين الذين رافقوها في الطائرة إلى زغرب، وتحدثنا عنها في حينه من هذا المنبر بوصفها بديلاً للمجلس، قد حُمِّلت لرياض سيف الذي تولى النائب الأول لرئيس الائتلاف أحمد معاذ الخطيب، وقال سيف في أول مؤتمر صحفي يعقده الائتلاف ما مفاده: "هناك وعد بتسليح الجيش الحر بأسلحة متطورة بينها صواريخ متقدمة من نوع ستينغر لمواجهة الطائرات، ومضادات للدروع، وشبكة دفاع خاصة ضد الدبابات، ولا نحتاج لحظر جوي لأننا بذلك سنحمي المناطق المسيطر عليها في الشمال"، وبناء عليه أكد رئيس الإئتلاف بثقة أنه" : لدينا ضمانات دولية بتسليح المعارضة السورية.".

ولم يتكلم رياض سيف إلا بتخويل من روبرت فورد سفير الولايات المتحدة الأميركية، وكان مضمون الوعد قد أشيع بين الحاضرين في أروقة فندق شيراتون الدوحة، حيث عقد المؤتمر، ليتوجه الجمع إلى الموافقة.. وكان ما كان على خلفيات متعددة، مع وعود مكثفة بتقديم الدعم بكل أنواعه، والاعتراف الواسع السريع على الصعيدين العربي والدولي، وأطلق بعض المشاركين المعنيين بالأمر قنبلة مشعة في حديث لوكالة رويترز حيث قال".. سيشكلون حكومة مؤقتة يمكنها السيطرة على السفارات في أنحاء العالم وشغل مقعد سوريا في الأمم المتحدة لأن النظام سيكون قد فقد شرعيته»، الأمر الذي بعض المشاركين يذهبوبن في الحلم أو الوهم بعيداً ويتحدثون عن حل مشكلة كثير من " المعارضين في الخارج" باستيعابهم في السفارات السورية التي ستوضع بتصرفهم.؟!

لقد اعترف مجلس التعاون الخليجي بالإئتلاف بوصفه «الممثل الشرعي للشعب السوري»، وجاء في بيان اجتماع وزراء الخارجية العرب بتاريخ 12نوفمبر 2012 : "حث المنظمات الإقليمية والدولية على الاعتراف به - أي الائتلاف - ممثلا شرعياً لتطلعات الشعب السوري، وتوثيق التواصل مع هذا الائتلاف السوري للمعارضة باعتباره الممثل الشرعي والمحاور الأساسي مع جامعة الدول العربية». ولم يفت المجلس أن يؤكد على " دعمه الكامل لمهمة الإبراهيمي ودعوة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية إلى الدخول في حــوار مكثف معه لإيجاد حل سلمي لنقل السلطة وفقا لقرارات مجلس الجامعة وبيان جنيف في 30 حزيران الماضي وذلــك وفــقا لجدول زمني يعتمده مجلس الأمن لنقــل السلطة".. وسيتوجه أمين عام الجامعة ورئيس اللجنة الوزارة إلى مجلس الأمن الدولي من جديد، بتكليف من مجلس الجامعة، لحثه على الاعتراف بالائتلاف، واستصدار قرار على الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة بشأن وقف فوري إطلاق النار "يكون ملزماً لجميع الأطراف السورية" !؟

ونتوقف بعد الإشارة إلى هذه الوقائع والمعطيات لنقارب بعض الآراء والمواقف ونسجل بعض الملاحظات والاستنتاجات:

1 – يفيد البند الثالث الذي وضعه الائتلاف، كأحد المحددات لتوجهه، أنه " يلتزم بعدم الدخول بأي حوار أو مفاوضات مع النظام." الذي يسعى لإسقاطه.. وأنه سيعزز التسلح، في توجه نحو استمرار العمل العسكري والاستعداد له، وهذا يتعارض مع التوجه الذي تعلنه جامعة الدول العربية الملتزمة بدعم الإبراهيمي وسعيه المستند إلى بيان جنيف والنقاط الست التي وضعها سلفُه كوفي عنان وأقرتها الدول المشاركة في ذلك الاجتماع، وهو سعي لحل سياسي مفتاحه الحوار الذي يوصل الأطراف السورية المعنية بالأزمة جميعها إلى حل مقبول يُخرج البلاد من الأزمة. فكيف يمكن أن نفسر أو نفهم المساعي التي تعمل على أهداف متناقضة؟ وكيف يمكن الوصول إلى ما ينير أمام الشعب السوري شمعة في الظلام الذي يراه يزداد كثافة، والقتل المستحر في البلاد، والمعاناة اليومية المرة، وإضعاف البلد والتهيؤ لمزيد من إضعافها باللجوء إلى الاقتتال بنوعيات متفوقة من وسائل الدمار والقتل، والدعم المادي والمعنوي الذي يوفر ذلك وتقدمه جهات عدة، عربية ودولية؟ نريد أن نفهم فقط.

وإذا كان الائتلاف متشدداً في موقفه الرافض للحل السياسي ومن ثم للحوار بوصفه مدخلاً وسبيلاً للحل، ويريد الحسم بالقوة ويُستجاب له أو يوعد بذلك.. والسلطة في سورية، التي تقول بالحل السياسي، تتابع الحسم بالقوة.. فكيف نفهم موقف الجامعة العربية التي التزمت بحل سياسي وبدعم الإبراهيمي وبيان جنيف، ومجلس الأمن الدولي الذي يقول بذلك أيضاً.. والموقف الداعم لهذا الطرف وذاك في ذهابه إلى الحسم بالقوة، إلا على أن من يفعلون ذلك لا يريدون حلاً سياسياً في سورية بل يريدون دماراً لها ولشعبها..؟! إنهم يتخذون قرارات فريدة في تضادها ويركبون رؤوسهم بشكل ما.. والشعب السوري يدفع الثمن؟! أليس هذا أكثر وأكبر وأفدح وأوضح من نفاق سياسي.. أو أعظم من جرم الضلوع في تدمير سورية وشعبها.؟! ولقد أصاب من قال في اجتماع وزراء الخارجية العرب الأخير في القاهرة :" لا يجوز أن ندعم الحل السلمي والسياسي وجهود الأمم المتحدة والمبعوث الأممي لسوريا، ونقوم بنسف هذه الجهود من جهة أخرى.".

2 – تستعد جامعة الدول العربية لجولة جديدة في مجلس الأمن الدولي من أجل " إصدار قرار على الفصل السابع من الميثاق يلزم الطراف بوقف النار فوراً.." وهي تعلم جيداً المعطيات الآتية:

أن مثل هذا القرار هو مدخل لتدخل عسكري خارجي في الشأن السوري، سواء أتم التدخل من خلال الناتو أم من خلال تجمع دولي آخر، أم بالوكالة والاستئجار عن طريق توظيف شركات القتل بالأجرة وتزويدها بالسلاح.. وأنموذج ذلك يتمثل في " بلاك ووتر" وأخواتها.. وهي تقول في الوقت ذاته إنها لا تريد التدخل الخارجي في الشأن السوري، وإن السوريين يجب أن يحلوا الأزمة من دون تدخل في شؤونهم.. وتريد أن تحقن الدماء وتوقف القتل في سورية.؟! ولا يفوتن أحد أن هذا الفعل ينطوي على تدخل عسكري في الشأن السوري بطريقة واضحة.. وقد تنبه لهذا بعض وزراء الخارجية العرب في الاجتماع فقال فتحفظ على القرار ولسان حالهم يقول عن الأسباب: ".. لأن الدعوة لأحكام الفصل السابع تشرّع التدخل العسكري في وقت نحتاج لأي جهد لحل سلمي للأزمة ودعم مهمة الإبراهيمي».

-        تعرف أن مثل هذا القرار على الفصل السابع لن يمر، لأن روسيا والصين لم تغيرا موقفهما من قرارات تصدر على الفصل السابع ثم تفسر بطريقة ما، حيث يستعاد السيناريو الليبي الذي ترفضان تكراره.. ومن ثم فهما ستستخدمان حق النقض ضده.

-        تعرف أن وقف إطلاق النار لن يُحترم كما في التجربة السابقة في عيد الأضحى المبارك، وأنه في حالة صدور قرار ملزم على الفصل السابع من مجلس الأمن الدولي فإنه سوف يلزم الدولة ولن يلزم الفصائل المسلحة الأخرى التي اختارت الحسم بالسلاح وأعلنت رفضها التفاوض والحل السياسي.. ووقف إطلاق النار يكون عادة تمهيداً لتفاوض وحل سياسي. فلماذا تفعل ذلك.. إلا إذا كانت تمضي في طريق إحراج أطراف ودول وإخراجها بالمعنى السلبي.. وإلى إيجاد ذرائع لتشكيل تكتلات خارج الشرعية الدولية للقيام بعمل عسكري بطريقة ما في سورية.. وهذا ليس في مصلحة سورية وشعبها والأمة العربية كلها.. فإذا كان الدور أمس على ذاك، واليوم على هذا.. فغداَ سيكون على الباقين واحداً بعد الآخر..

فاتقوا الله في الأمة والوطن والدين والحضارة والإنسان.

لقد وعد رئيس الائتلاف بأنه لن يتلقى أوامر من الخارج وأعلن عن: " "رفض أية وصاية من أي جهة خارجية، إذا شعرنا بوجود وصاية سنعلن ذلك على الملأ ولن نبيع وطننا بأي ثمن"، وهذا شيء جيد، وشدد على أنه "لا حوار مع روسيا وعليها وقف تسليح النظام السوري".. وفي ظني أنه سيكون في موقف وموضع صعبين للغاية.. فهو لن يتمكن من رفض الوصاية والتدخل اللذين يلبدان سماء الحدث وسماء البلد، ولن يستطيع أن يسبَح خارج الحوض الذي أدخل للسباحة فيه، ولن يكون منسجماً في الوقت ذاته لا مع نفسه ولا مع الواقع.. إذا ما رفض لقاء القوى الكبرى التي بيدها خيوط اللعبة.. ومنها الروس والصينيين والأميركيين والفرنسيين والبريطانيين.. إلخ وحتى وكلائهم إن صح التعبير، لأن تلك قوى حاكمة للأدوات والخيارات والماديات، سواء أتَّجه السوريون إلى الحسم بالقوة أو إلى التفاهم على حل سياسي.. فتلك قوى تقف وراء الائتلاف والاختلاف، بصرف النظر عن رغباتنا وتمنياتنا، وعن تفاصيل وأفعال وأقوال توكل لدول وأجهزة وجهات وأشخاص وتنظيمات.

نحن مع هذه المعطيات والتطورات أمام مرحلة جديدة من مراحل الأزمة في سورية، مرحلة ربما تكون حاسمة ولكنها بالتأكيد دامية بصورة أكثر مما مضى ومظلمة بما لا يسمح لزرقاء اليمامة بالرؤية السليمة.. مرحلة فيها من الخطر والمعاناة ما ينذر بشرور قد تلقي بنا في جحيم الفتنة التي نحذرها ونحذر منها ومن مخاطر الوقوع فيها.. ويبدو للأسف الشديد أن هناك في الجانب السوري " الداخل والخارج، الرسمي وغير الرسمي - باستثناء الأبرياء من أبناء الشعب الرافضين لمسارات العنف والدم والظلم والقهر ولكل شكل من أشكال التدخل في شؤونهم وشؤون بلدهم، وهم العديد الأكبر والضحايا الأكثر والصابرون على مالا يُطاق ولا يُحتمل- إن هناك من لم يعد يرى إلا من فوهة البندقية ونافذة التحدي وموقع اللامسؤولية عن قيم وشعب ووطن ومستقبل وموقع تاريخي وحضاري للبلد، ويحكمه الحقد والعنف والقتل والدم وتصفية الحسابات مع الآخر الذي هو الذات بعرف المواطنة العضوية والانتماء السليم لأرض وشعب وتاريخ.. والبعض من أولئك أصبح مسوقاً إما بنزوات ونزعات وشهوات لا تستحق استباحة الدم والاستهانة بالحياة البشرية، ولا الخوف والتشرد والقتل والموت وتوريث حمولات كريهة من ذلك للأجيال الآتية.. أو محكوماً بإرادات تسيره في طرق تؤدي إلى ما هو أوخم عواقب مما يجره مسلك من سبقت الإشارة إليهم.. وهناك للأسف الشديد من يحملون هوية الوطن ولا يحملون همومه وشؤونه وطعم غذائه وهوائه ومائه وترابه.. إلا إذا كان في ذلك تجارة من نوع ما، أو كان سلّّماً إلى مطامح ومطامع من نوع ما.. وعند الضرورات يعيش الفرد من ذلك الصنف وأهلُه بأمان تام وراء كتلة المعاناة والألم والدم التي أصبحت الوطن.. سورية باسمها الكبير وتاريخها المجيد.

فيا أبناء سورية أنَّى كنتم، وكيفما كنتم.. أنقذوا وطنكم وقيمكم وتاريخكم وأجيالكم.. وإلا فأنتم الأخسرون وغيركم الرابح من تجارته بدمائكم وأعراضكم وآلامكم وقضاياكم ومستقبلكم..

فاتقوا الله في أنفسكم ووطنكم..

اتقوا الله.. اتقوا الله.. اتقوا الله.

دمشق في 13/11/2012

                                                       علي عقلة عرسان