خبر العـدوان علـى غـزة: تسـخين علـى نـار هادئـة ,,حلمي موسى

الساعة 10:23 ص|13 نوفمبر 2012

بعد يوم واحد من بدء الجولة الأخيرة من الصدامات في قطاع غزة أبدى كثيرون حيرتهم من اتجاه الأمور. فمن الجلي أن إسرائيل ليست بحاجة إلى تسخين غير منضبط في قطاع غزة في الفترة القريبة، الأمر الذي لا تريده أيضاً حكومة حماس. ومن البديهي أن اعتبارات الطرفين متناقضة، فإسرائيل لا تريد التسخين الواسع خشية تفسيره محاولة لاستخدام التصعيد كدعاية انتخابية فضلاً عن تقديرات متضاربة بشأن أثر التصعيد على العلاقات مع مصر بقيادة «الإخوان المسلمين». أما حكومة حماس التي تعيش مرحلة إعادة البناء في القطاع، فليست في وارد التورط في حرب تعيد هدم ما بني حتى قبل أن يرتفع البناء، فضلاً عن أنها تعيش حالة انتظار لتحديد أفق المواجهة في ظل التطورات الإقليمية.

وبالرغم من ذلك، هناك من يعتقد أن كلا من إسرائيل وحماس بحاجة إلى تسخين على نارهادئة كل لاعتباراته. إسرائيل من جهتها تريد إظهار البعد الأمني، ولكن ليس بشكل مبالغ فيه، أيضاً لاعتبارات انتخابية. وحماس بحاجة إلى تسخين يحفظ شعار استمرارية المقاومة في ظل الحكم، ولكن بطريـقة تحـول دون التورط.

المشكلة ان إسرائيل وحماس ليستا اللاعبين الوحيدين في الميدان، كما أن قواعد اللعب بينهما ليست على الدوام مضبوطة بشكل حديدي. وهكذا كان للصاروخ، الذي أصاب الجيب العسكري الإسرائيلي أن أوقع إصابات خطرة بأفراد طاقمه، فجاء رد الفعل المباشر ليوقع خسائر بشرية بين المدنيين الفلسطينيين في حي الشجاعية، وليخرج اللعبة عن قواعدها. وجاء رد المقاومة في غزة على وقع أكثر من 30 شهيداً وجريحاً في الشجاعية عنيفاً. وأطلقت مئات الصواريخ وعلى مسافات مختلفة وصلت يبنا ورحفوت شمالاً ونتيفوت شرقاً.

وفي البداية وضمن ميزان الدم، بدا وكأن رد الفعل الإسرائيلي مكبوح إثر استشهاد وإصابة العشرات في حي الشجاعية. فقواعد اللعبة تقتضي انه حين يسيل الدم مدرارا في الجانب الفلسطيني يمكن للإسرائيلي أن يكبح نفسه عن المزيد من سفك الدماء. وبذلك يحتمل تساقط أعداد من الصواريخ شرط أن لا تقع إصابات في الأرواح تجبره على رد فعل أقسى. وعلى الدوام كان هناك من يتدخــل سواء مصر أم جهات دولية كالأمم المتحــدة أو الصليب الأحمر لترتيب تفاهمات لوقف النار.

والأمر تم هذه المرة أيضاً ولكن ليس بالنجاح الذي كان نصيب المرات السابقة. ففي الخلفية هناك أيضاً قوى فلسطينية أخرى تتخذ مواقف مختلفة عن مواقف حماس. وبعض هذه القوى، وبغض النظر عن قوتها العسكرية، تعلن جهاراً نهاراً رفضها لأي تهدئة أو هدنة. غير أن قوى ذات قدرات جوهرية، كحركة الجهاد الإسلامي مثلاً، ترفض أن تبرم اتفاقات أو تفاهمات من خلف ظهرها ومن دون التشاور معها. وهذا يعرقل تقريباً التوصل هذه المرة، كما في مرات سابقة، إلى اتفاقات أو تفاهمات.

ومن الجائز أيضاً أن خللاً في التواصل بين مصر وإسرائيل يقوم بدور في غموض الموقف. وقد أشارت وسائل الإعلام الإسرائيلية بشكل متضارب إلى «وجود وعدم وجود» اتصالات بهذا الشأن مع مصر، كما لفتت إلى «وجود وعدم وجود» موافقة إسرائيلية على ضبط النفس إلى أن تفلح حكومة حماس في ضبط الوضع في القطاع وفي منع إطلاق الصواريخ.

وفي هذه الأثناء، وكما سلف، تتساقط الصواريخ، بالعشرات ضمن مسافات مختلفة الأمر الذي شوش الحياة العامة ليس في منطقة غلاف غزة فقط وإنما في محيط أوسع. وبديهي أن ذلك ليس بالأمر الهين في ظل معركة انتخابية حتى قبل أن تبدأ رسمياً. لهذا السبب ارتفع هذه المرة لهيب التــهديدات الإسرائــيلية أكثر مما ارتفع لهيب النيران، وكثُر الحديث حول احتمالات تصعيد غير مسبوق يبدأ بضربات موجعة لمؤسسات حماس وحكمها، وقد يمــس بشكل مباشر قياداتها وينتهي بالتهديد بالاجتياح.

وهناك من يعتقد أن ما تسميه إسرائيل ضبطاً لنفسها يندرج في إطار «بناء القضية» أي توفير الذرائع والمبررات لهجوم أوسع في القطاع. ويوجد في إسرائيل من يفسر تصريحات السفير الأميركي في تل أبيب دان شابيرو حول «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها» بأنها ضوء أخضر أميركي. غير أن غالبية المعلقين، وبالرغم من السخونة في رؤوس بعضهم، لا يتخيلون أن بوسع ضربة عسكرية أن تحل المشكلة. بل هناك من يشدد على انها قد تخلق المبررات العالمية للضغط على إسرائيل للبحث عن تسوية سياسية. لذلك يكثر الحديث في إسرائيل عن «شرك» يسمى غزة.

ولكن هذا الشرك الذي بطبيعة الحال لا يغري أحداً بالوقوع فيه، قد يجبر إسرائيل على السقوط فيه إذا أفلحت المقاومة وصواريخها في تعديل ميزان الدم. وإذا حدث ذلك، فإن ما يسمى بـ«ترميم الردع» سيغدو مطلباً أكثر شعبية، وحينها يمكن للأمور في غزة أن تأخذ شكلاً آخر في ظل التغير الحادث في الواقع الإقليمي. وربما الغموض الذي يحيط بوجهة الأوضاع في الظروف الجديدة هو ما يمنع حكومة «بيبي - ليبرمان» (رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو – وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان) من التوجه نحو التصعيد الميداني الفعلي، فهناك من يحذر من أن النار في غزة قد تشعل اللهيب في حدود أخرى.

واستمر القصف الإسرائيلي أمس، على أهداف في مختلف مناطق قطاع غزة من دون سقوط إصابات، في أول خرق للهدنة المتفق عليها مع الفصــائل الفلسطينية، ما تطلب رداً من المقاومة التي أطلقت عشرات الصواريخ باتجاه الأراضي المحتلة.

واتهمت «سرايا القدس» الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، إسرائيل بخرق الاتفاق. وقال المتحدث باسمها أبو أحمد إنه تم التوصل إلى تهدئة وبدأ تنفيذها اعتبارا من الساعة التاسعة من مساء أمس الأول، لكن «الاحتلال لم يلتزم بها وقام بقصف خمسة أهداف ومن حقنا الرد على أي خرق إسرائيلي».

وكانت إسرائيل قد شنت سلسلة غارات على أهداف في القطاع، وردت فصائل المقاومة بوابل من الصواريخ، من بينها صاروخ «غراد» استهدف مستوطنة «نتيفوت» وأصاب مصنعاً، وألحق به أضراراً مادية.

وأفادت القناة السابعة الإسرائيلية أن صاروخاً استهدف منطقة روخوبوت في جنوب تل أبيب، ما أدى إلى إصابة شبكة التيار الكهربائي وقطع الكهرباء عن المدينة.

وقال المتحدث باسم جيش الاحتلال إن غاراته استهدفت نفقاً للتهريب، وبناء يستعمل لتخزين أسلحة في شمال القطاع، وموقعاً لإطلاق الصواريخ في الجنوب.

ولم يعترف الاحتلال سوى بسقوط ستة صواريخ في النقب وعسقلان و«نتيفوت»، بعدما كان قد أعلن في وقت سابق أن العدد هو 11 صاروخاً.

وتبنت كل من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين ولجان المقاومة الشعبية إطلاق الصواريخ.

وفي وقت لاحق، أعلنت الفصائل الفلسطينية ومن بينها حماس والجهاد الإسلامي بعد اجتماع طارئ أن «رد المقاومة يتوقف على مدى استمرار العدوان الإسرائيلي»، مؤكدة على «حق شعبنا في مقاومة الاحتلال والتصدي لكل أشكال العدوان». ودعت في بيانها «المجتمع الدولي ومنظــمات حقوق الإنسان إلى التدخل لوقف العدوان الصهيوني».

من جهته، أكد زير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك، في قاعدة جوية في جنوب تل ابيب حيث تجري قوات أميركية وإسرائيلية مناورات عسكرية، انه سيتم تكثيف الجهود للقضاء على إطلاق الصواريخ من غزة.