خبر بخوف لا بيأس- هآرتس

الساعة 09:15 ص|13 نوفمبر 2012

بخوف لا بيأس- هآرتس

بقلم: عكيفا الدار

(المضمون: محاولة الابقاء على خطوط 1967 في الوعي العام الاسرائيلي هي محاولة تكاد تكون مستحيلة – المصدر).

        استقبل مطر خفيف قافلة السيارات الطويلة التي زحفت في ظهيرة السبت في الأزقة الضيقة في القرية الفلسطينية جعيوس في وسط السامرة. وسافرت في مقدمة القافلة سيارة تندر رثة الحال جرت وراءها عجلة محملة بكراسي بلاستيك سوداء. وأحاط صغار بالضيوف وهم يظهرون في فخر معرفتهم باللغة العبرية. ونظر فضوليون من نوافذ البيوت الى الرجال والنساء الغرباء وأكثرهم بيض الشعر وفيهم بعض الشباب. وفي احدى النوافذ لوح بيديه رجل ذو شارب وهو محاط بفتيان، للقادمين. وقد استقبل الضيوف بابتسامة عريضة وكرّم السائق بعناق واسع. وقد قدم يوفال روت وهو أخ ثاكل واسرائيلي طيب النفس، قدّم للزوار صاحب البيت نعيم البيضة وهو فلسطيني أصابته النوائب كثيرا ورجل باع السلام نفسه.

        صعد الضيوف واحدا بعد آخر الى السقف وانتقلوا بين نقائع الماء الى الحاجز الشرقي. أشار البيضة الى الغور عند مدخل القرية. "هذا جدار الفصل"، قال وهو يشير الى صلعة صفراء في وسط كرم زيتون. "وهناك وراء الجدار اشجارنا. الاشجار التي غرسها أبي". ومن الجهة الثانية كان يمكن ان نشاهد من خلال الضباب أسقف حمراء. "هذه مستوطنة تسوفين التي تقع على اراضينا"، أوضح في جفاف مرشد سياحي. وكانت قطرات المطر على السطح هي التي نقضت السكون فقط. ما الذي يستطيع اسرائيليون نزيهون ان يقولوه لجار سلب أبناء شعبهم ارضه وصادروا ثمارها؟ وكيف يمكن الاستماع لكلام البيضة وقد أُعلن ان أكثر سكان جعيوس ومنهم البيضة نفسه قد أُعلن أنهم "ممنوعو شباك"، وهذه صفة تمنعهم من الحق في فلاحة اراضيهم وراء الجدار، وان يُسمع من غير ان تغض الطرف (انه يحق للدولة بحسب القانون العثماني الذي تبنته اسرائيل ان تنقل الى المستوطنين ارضا "أُهملت" مدة عشر سنوات).

        عجز أبناء وبنات مستنيرون من شعب محتل عن تخليص البيضة وجيرانه من شر الاحتلال. وبقي لهم فقط ان يجعلوه مريحا شيئا ما. ان اثنتين من الزوار هما من القديمات في "رقابة الحواجز" وهما جدتان ذواتا أحفاد وأولاد أحفاد تقفان منذ سنوات عند حواجز الطرق. أما سائر الضيوف فهم متطوعون "في الطريق الى الشفاء"، وهو واحد من مشروعات أخوة روت، وينقلون اولادا فلسطينيين من الضفة ومن غزة الى المستشفيات في اسرائيل. أراد روت ان يعرفوا البيضة من قريب الذي هو صديق كأخيه، وأبناء عائلته. وابنته داليا ايضا التي سُميت باسم نشيطة السلام داليا غولومب.

        بدأ البيضة منولوجا طويلا بلغة عبرية فصيحة أوقفه فقط كي يسعل وليذرف دمعة. انه يعمل في اسرائيل منذ 24 سنة (ما عدا توقفا بلغ ثماني سنوات لكونه "ممنوع شباك")، وهو يعرفنا من قريب. "دعوتكم الى هنا للتحدث في السلام. فلا يجوز التخلي عنه حتى حينما يتحارب شعبانا. ان أبناء العمومة ايضا يتخاصمون ويتصالحون. اذا كنت محتاجا لمساعدة فان جاري سيصلني أسرع من أخي الذي يعيش في الاردن، ما الذي أريده في الحاصل العام؟ أريد النوم بهدوء والتفكير في غد جميل. أي خطأ اخطأه الاولاد حيث يجب ان يُعانوا. وما الذي اخطأته زوجتي التي تقف قربكم، بحيث كان يجب ان تستيقظ في منتصف الليل لترى أمامها جنودا مسلحين؟.

        "سأقص عليكم واقعة عادية. في ذات يوم قبل ثلاث سنوات عُدت الى البيت بعد يوم عمل طويل فمضيت لأنام مبكرا لأنني كنت استيقظ في الثالثة صباحا كي أصل الى الحاجز. واستيقظ إبني على صوت ضجيج سيارة جيب عسكرية وقفت عند باب بيتنا ولم تطفيء المحرك. دخلنا جميعا الى غرفة من الغرف نرتجف خوفا. وفي كل مرة سمعنا فيها باب سيارة الجيب يُطرق وطرقات على أبواب الجيران، كفت قلوبنا عن الخفق. كنا نخشى ان يحين دورنا الآن. وهكذا جلسنا في الظلام حتى الخامسة صباحا. انكم لا تفهمون ماذا يفعل هذا بكم، لا بنا. ان هذه الليالي تزيد الكراهية في قلوب أبنائنا للاسرائيليين. فهم يكبرون وينقلون الكراهية الى الدول العربية كلها.

        "لم أدعكم في الحقيقة كي أقص عليكم مشكلاتي. لكنني أريد ان تنظروا الى هذا الفتى. انه إبني البكر. في سن الخامسة عشرة أوقفوه بعد ان تظاهر اعتراضا على الجدار في الوقت الذي اقتلعوا فيه اشجار زيتوننا وحياتنا. وبعد ثلاثة اشهر أعادوا الينا إبنا جديدا، إبنا لا يريد ان يسمع عن فلسطين وعن اسرائيل، إبنا لا يريد ان يعيش. انكم تنشئون جيلا كاملا على الكراهية والانتقام. ما الذي نريده نحن الفلسطينيين؟ نريد فقط ن يجلس أحد ما ويتحدث الينا وان تكفوا عن البناء في أرضنا. إنني أبني دولتكم منذ 24 سنة. فلماذا لا تدعونني أبني دولتي؟ قُتل رابين وعرفات رحمهما الله وهما رجلان أُقدرهما أكثر من أبي لأنهما أرادا ان ينقذا أبناءكم وأبناءنا. فالحروب تنتهي في نهاية الامر وليس من المناسب لنا ان نيأس. بقيت لنا بضع سنين نعيشها. إننا نستحق ان نحياها كالبشر".

        هذا آخر عمود صحفي لي في صحيفة "هآرتس". وقد اخترت ان أخصصه لنعيم ويوفال وداليا ومتطوعات "رقابة الحواجز" وناس "في الطريق الى الشفاء" والى درور اتاكس و"يوجد حكم"، و"نكسر الصمت" و"سلام الآن" و"غيشه"، والى "جمعية حقوق المواطن" والى "حاخامين لحقوق الانسان" و"بتسيلم" و"صندوق اسرائيل الجديد" وناس مبادرة جنيف وإبكري.

        بعد 35 سنة آسرة في صحيفة "هآرتس" حان وقت أن أُجرب تحديات جديدة. في رحب 1967 كنت طالبا جامعيا شابا في سنة الدراسة الاولى في القدس المقسمة وفي اسرائيل السليمة العقل. وقد خصصت أكثر حياتي المهنية لجهد الحفاظ على حدود 1967 في الوعي العام. وحاولت ان أواجه زعم أنه "لا شريك"، وأن أعرض ورم المستوطنات الخبيث وان أجعل مبادرة السلام في واجهة الخطاب السياسي وحينما أتممت السابعة والستين من عمري، وهي سن التقاعد، أصبحت يصاحبني خوف تقاعد خطوط 1967 – وهي الخطوط الهيكلية لسلام في متناول اليد، وهي حدود دولة ديمقراطية ويهودية واخلاقية. دولة يكون من اللذيذ ان نعيش فيها ما بقي من حياتنا، في خوف لا في يأس.