خبر أثر نتائج الانتخابات الأميركية على العلاقات الاستراتيجية مع إسرائيل ..حلمي موسى

الساعة 10:45 ص|12 نوفمبر 2012

انتهت الانتخابات الأميركية وفاز باراك أوباما. وهنا بدأت المعركة الانتخابية في إسرائيل من حيث انتهت في الولايات المتحدة. فالكثير من الإسرائيليين كان يؤمن بأن الانتخابات هناك، خلف البحار، يمكن أن تحسم الانتخابات هنا. وربما أن هذا الإيمان يستند إلى شيء من المنطق. فالعلاقات الإسرائيلية الأميركية تشكل واحدة من أعمدة الأمن القومي الإسرائيلية الرئيسية. ولكن الأمر يحتاج بداهة إلى إعادة قراءة الواقع ومعرفة هل فعلا هذه العلاقات تدهورت في عهد بنيامين نتنياهو وهل التوتر الواضح القائم في العلاقات بينه وبين أوباما كفيلة بدفع هذه العلاقات إلى الدرك الأسفل أو حتى إلى التدهور الفعلي؟

الآراء تتضارب في إسرائيل. البعض يجزم أن العلاقات بين نتنياهو وأوباما يمكن أن تضر بالتحالف الاستراتيجي بين الدولتين. آخرون يجزمون بأن لا شأن لهذا بذاك وأن المصالح القائمة بين الدولتين تحول دون أن تتأثر جوهرياً بأهواء المسؤولين في الدولتين. ومع ذلك هناك من يعتقد أن توتر العلاقات بين نتنياهو وأوباما يترك أثرا سلبيا محدودا على العلاقات بين الدولتين لكنه لا يقود إلى تدهور شامل في هذه العلاقات.

وهكذا تبدو المسألة أقرب إلى وجهة نظر سياسية منها إلى تحليل بارد للأمور. يضاف إلى ذلك واقع تتداخل فيه المعطيات وتبدو أشد غموضاً، خصوصاً لجهة من هو الطرف الأقوى في المعادلة: هل هي الولايات المتحدة الأقوى في العالم مقارنة بإسرائيل الصغيرة والبعيدة أم الرئيس الأميركي الضعيف أمام الكونغرس في مواجهة بنيامين نتنياهو ممثل إسرائيل المحبوبة هناك؟

من يقرأ مقالة ماتي توخفيلد في صحيفة «إسرائيل اليوم» المؤيدة لنتنياهو والتي أنشأها الملياردير اليهودي الأميركي شلدون أدلسون، العدو اللدود لأوباما، يفهم أن أوراق نتنياهو في أميركا أقوى من أوراق أوباما في إسرائيل. وهنا لا يهم واقع أن أميركا تشكل الداعم المادي العسكري والاقتصادي لإسرائيل فضلا عن توفيرها المظلة السياسية الدولية التي تمنع الأسرة الدولية من التشدد معها، خصوصاً في المسألتين النووية واحتلال الأراضي الفلسطينية. فما يهم الإسرائيلي اليميني هنا هو أن اليمين الأميركي، القوي والفاعل، يقف، وخصوصا في الكونغرس، إلى جانب إسرائيل ومستعد أيضا للوقوف في وجه أوباما إذا حاول الضغط عليها.

ليس مؤكداً تماماً أن هذه الصورة هي الحقيقة المجردة حتى وإن لم يبد في السلوك الأميركي خلاف ذلك. ففي ذروة التوتر بين أوباما ونتنياهو حرص الأول على إظهار أنه لم يسبق لإسرائيل أن نالت دعماً أميركياً بحجم الدعم الذي يوفره لها. وقد قدّم أوباما لإسرائيل في عهده ما كان يرفض الرؤساء السابقون تقديمه في مجالات التقنية العسكرية حيناً وفي ميادين التعاون الاستخباري أحياناً. كما أنه وفّر دعماً سخياً استجاب لمطالب إسرائيل التطويرية في مجال الدفاع ضد الصواريخ. وقد ضبط أوباما نفسه عندما تمرّد عليه نتنياهو ورفض تجميد الاستيطان أو تحريك العملية السياسية أو هدّد طوال الوقت بالانفراد بالقرار العسكري ضد إيران. وهذا يبرز السؤال: هل يمكن لأوباما أن يتصرف مع إسرائيل نتنياهو بشكل يختلف عن الطريقة التي تصرف بها في ولايته الأولى؟

أيضاً الجواب على ذلك لا يستند إلا إلى تكهنات تقوم على دوافع سياسية. فالمعارضون لنتنياهو يؤمنون أن أوباما سيجبي ثمناً من إسرائيل ومن نتنياهو ليس فقط جراء مواقفه السابقة وإنما كذلك جراء وقوفه علناً إلى جانب رومني. ولكن المؤيدين لنتنياهو يؤمنون بأن العجز الذي أبداه أوباما في ولايته الأولى سيستمر وربما يتفاقم لأنه كان عجزاً ليس في مواجهة نتنياهو وإنما في مواجهة إيران والتطرف العربي. باختصار قراءات متناقضة لواقع واحد.

غير أن هذه القراءات ستظهر في تجليات سياسية مختلفة في المعركة الانتخابية الإسرائيلية. وأحد أبرز هذه التجليات هو اعتبار العلاقة مع الولايات المتحدة عنواناً للتجاذب الداخلي، ربما للمرة الأولى في تاريخ إسرائيل. فالمعركة الانتخابية التي ستحتدم في الأسابيع القليلة المقبلة لن تقتصر هذه المرة على وجود أو فقدان الزعامة ولا على الشأن الاجتماعي الاقتصادي أو الأمني وإنما ستركز على العلاقات مع أميركا. وربما أن خصوم نتنياهو سيحاولون أن يجعلوا من العلاقات مع أميركا عنواناً لكل المشاكل الأخرى، حيث أن لهذه العلاقات أثراً واضحاً على التسوية وعلى الشأن النووي الإيراني وحتى على الوضع الاقتصادي الاجتماعي في إسرائيل.

ورغم أن الكثير سيعتمد على السجال الداخلي في إسرائيل فإن أكثر من ذلك سيعتمد على المواقف التي ستبديها إدارة أوباما مباشرة أو بشكل غير مباشر. والبعض يعتقد أن أول هذه المسائل ستتعلق بالتسوية التي يمكن أن تتطلع إليها إدارة أوباما مع إيران والتي بالتأكيد لن تكون مرضية لإسرائيل. كما أن آخرين يتصورون أن التحرك الفلسطيني في الأمم المتحدة من أجل نيل الاعتراف بوضعية «دولة غير عضو» يمكن أن يفاقم الخلاف الإسرائيلي الأميركي. ولكن هناك من يجزم بأن الإدارة الأميركية مستعدة للتدخل في الانتخابات الإسرائيلية كرد فعل على التدخل الإسرائيلي في الانتخابات الأميركية. وكل هذا يقود إلى واقع قد يكون غريباً في ظل كل ما هو معروف عن العلاقات الأميركية الإسرائيلية.

عموماً ومهما كان الحال، من المؤكد أن العناد اليميني والغطرسة الإسرائيلية، يصطدمان بواقع يتغير ليس فقط في الولايات المتحدة وإنما في المنطقة العربية أيضاً. ورغم كل التصورات وأنماط السلوك السابقة يمكن الافتراض أنه في عالم يتغير بسرعة هناك فرصة لأن يتغير شيء ما على هذا الصعيد أيضاً.