خبر ما الذي تنتظره يا بنيامين نتنياهو؟.. هآرتس

الساعة 12:54 م|06 نوفمبر 2012

بقلم: دافيد غروسمان

(المضمون: رسالة مفتوحة الى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تحثه على الاستجابة لاشارة محمود عباس الذي بيّن تخليه عن حق العودة - المصدر).

ما الذي تنتظره يا بنيامين نتنياهو؟ فقد قال رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في مقابلة صحفية مع التلفاز الاسرائيلي انه مستعد للعودة الى صفد مسقط رأسه، سائحا. وسُمع في كلامه التخلي الأكثر صراحة عن "حق العودة" الذي يستطيع زعيم عربي التعبير عنه في هذا الزمان قبل بدء تفاوض. فما الذي تنتظره؟.

صحيح ان عباس لم يقل بصراحة عبارة "التخلي عن حق العودة". وقد أسرع ايضا الى التحفظ من كلامه بعد ذلك وقال في مقابلة صحفية باللغة العربية ان هذا رأيه الشخصي فقط وانه لا يحق لأحد ان يتخلى عن "حق العودة". نحن نعرف هذا السجل الفلسطيني الذي هو خطوة الى الأمام بالانجليزية وخطوتان الى الخلف بالعربية.

ومع كل ذلك يوجد هنا تجديد وتوجد هنا اشارة. توجد نغمة ما جديدة في اللحن المعروف للصراخ والقاء الاتهامات الذي يصدر عن الطرفين يُلقيهما بعضهما في الآذان الصماء لبعض. وتوجد هنا نغمة تقتضي انتباها مختلفا وصورة رد أكثر تركيبا وإبداعا، لكنك لا ترد.

هذا محرج شيئا ما، لكنني سأُذكرك يا سيد نتنياهو مع كل ذلك بأنك انتُخبت لتقود اسرائيل، ولكي تتعرف بالضبط على اشارات الفرص النادرة هذه من اجل ان تحولها الى أداة ضغط ممكنة لتخليص بلدك من الطريق المسدود الذي علق فيه منذ عقود.

من المؤكد أنك تفهم يا سيدي رئيس الوزراء ما معنى هذا بالنسبة لزعيم الشعب الفلسطيني ان يقول علنا حتى هذه الكلمات المترددة. ومن المؤكد أنك تستطيع ان تُخمن – حتى من خلال أستار العداوة والشك بينك وبينه – ما معنى هذا الشيء بالنسبة للانسان محمود عباس الذي ولد في صفد وكان يتوق طول حياته الى العودة اليها والعيش فيها كما يعيش في بيته، ان يعلن انه يتخلى عن هذا الحلم. تستطيع بالطبع ان ترفض كلامه باعتباره تلاعبا، لكنك تستطيع بصفتك زعيما يخضع لضغوط المتطرفين والغُلاة، ان تُقدر في سويداء قلبك الشجاعة التي كانت مطلوبة منه ليقول بصوت جهير ما قاله عالما جيدا بالذي قد يدفعه ثمنا عن ذلك.

لكنك لم تكد ترد على كلام عباس. ودخل في الفضاء الفارغ من ردك فورا وزير خارجيتك الذي انقض بلطفه الذي يميزه على عباس ومزقه ومزق كلامه إربا إربا.

المعذرة: أنت رددت ردا قصيرا يكاد يكون عرضيا في مطلع جلسة الحكومة، فقد قلت اذا كان الفلسطينيون يريدون التحادث فان الطريق الى التفاوض مفتوحة لكن من غير شروط مسبقة.

ان هذا الرد الآلي ونغمته في فمك يُذكرانني بقول ديان بعد حرب الايام الستة "ننتظر هاتفا من حسين وناصر". وانتظرنا حتى حصلنا على حرب يوم الغفران.

اذا استمرينا في الانتظار يا سيد نتنياهو فسنحصل على كارثة. صحيح ان الفلسطينيين ينزفون الآن. فان 45 سنة احتلال سحقتهم ونقضت عُراهم وأشلتهم. ولما كانوا مهزومين مسحوقين الى هذا الحد فقد أخذ يكبر عندنا في اسرائيل وهْم الركون والشعور بأن الامور ستستمر على هذا النحو الى الأبد.

لكن لا يوجد جمود في الحقيقة في مكان فيه ناس. ولا يوجد "وضع راهن" في الحقيقة في مكان فيه ملايين البشر المضطهدين. فللشعور بالهزيمة ولليأس حراك وقوة خاصتان بهما. وسيكبران ويتكاثفان في الظلمات الى ان ينفجرا فجأة بقوة عظيمة.

وحينما تقع المواجهة التالية مع الفلسطينيين، هل تستطيع ان تقول لنا بصدق إنك فعلت كل شيء لمنعها أو إنك قلبت كل حجر، أو إنك استجبت لكل نداء ولو كان الأضعف والأكثر ترددا؟.

من المؤكد أنك تعتقد انه توجد الآن فترة انتخابات، وليس هذا هو وقت زعزعة السفينة، وان كل خطوة نحو الفلسطينيين قد تضر بالأكثرية الصلبة لليمين. وتعلم باعتبارك سياسيا ذا خبرة انه توجد ايضا دعاوى عملية ونفعية قوية تؤيد دخولك في تفاوض مع الفلسطينيين، الآن خاصة.

لكنني لا أريد ألبتة الدخول في نقاش في هذه الدعاوى لأن هذا النقاش يجب ان يتم في مستوى آخر وفي صعيد مختلف؛ في مكان يُطلب فيه إليك ان تكون زعيما لا سياسيا ومكان يجب عليك فيه ان تعترف بأن محمود عباس قد يكون آخر زعيم فلسطيني مدة زمن طويل يعلن بأنه لن يُمكّن من انتفاضة ثالثة وارهاب؛ وأن كلامه في تلك المقابلة الصحفية – حتى لو "ليّنه" وتحفظ منه بعد ذلك فورا (فهو ايضا يتعوج بين كونه سياسيا وزعيما) – ربما يكون آخر فرصة لبدء مسيرة قد تُخلص اسرائيل من الغرق والخطأ اللذين علقت فيهما منذ سنين طويلة.

يُحتاج في هذا المقام الى حركة كبيرة جريئة لا الى تثاؤب انتخابات. ان السياسة كما تعلم هي فن الممكن. لكن السياسة احيانا تكون فنا حقا فهي إبداع لموجود من العدم. تمتد بيننا وبين الفلسطينيين الآن صحراء عدم وعجز. ان رئيسا فلسطينيا يقول لك انه يعلم انه يستطيع ان يعود الى صفد سائحا فقط يشير إليك من أعماق هذا العجز. وقد يكون اشارة باطلة وقد تنطفيء بعد لحظة، وقد يكون تلاعبا أصلا (وإن يكن كثيرون من أبناء شعبه بحسب الردود الغاضبة في الشارع العربي يتناولون كلامه بجدية كبيرة). كل ذلك ممكن. لكنه في الوضع الذي توجد فيه اسرائيل يجب عليك يا سيدي رئيس الوزراء ان تستجيب الى هذه الاشارة. لأنك اذا لم تفعل ذلك واذا لم تنوي حقا الرد بجدية على كسر الاحتمال هذا، فانه يصعب عليّ شيئا ما ان أفهم لماذا تريد ان تُنتخب رئيسا للوزراء.