خبر المبادرة الجديدة والمسعى المتجدد.. علي عقلة عرسان

الساعة 02:38 م|02 نوفمبر 2012

لأن روسيا والصين لن تغيرا مواقفهما من الأزمة في سورية ولن تسمحا بتمرير قرار في مجلس الأمن الدولي على الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة يسمح باستخدام القوة في سورية ويفسره الغربيون على طريقتهم الخاصة كما فعلوا في ليبيا.

- ولأن الدولة في سورية مازالت تتصدى للمجموعات المسلحة بتماسك واضح داخل مؤسساتها، لا سيما المؤسسة العسكرية.

- ولأن المجموعات المسلحة التي تعمل ضد النظام على الأرض ليست موحدة الصفوف، وهناك حسب الأميركيين "قوى متشددة تسعى إلى "اختطاف الثورة" و "تقارير ترددت عن دخول متطرفين إسلاميين من بلدان أخرى إلى سوريا والقتال في صفوف المعارضة.".

- ولأن الولايات المتحدة، كما قالت باسمها الوزيرة كلنتون: " نريد معارضة تواجه بقوة محاولات المتطرفين لخطف الثورة السورية."و"تعتزم مساعدة المعارضة السورية في شأن توحيدها حول استراتيجية فعالية مشتركة تسمح لها بمواجهة عنف النظام وبدء الانتقال السياسي."، ولأن الإدارة الأميركية تريد – بصرف النظر عن إرادة شركائها - أن تُحكم قبضتها على معارضة سورية تقدم لها كل ما يمكِّنها من " استلام الحكم" لتكون موالية لها تماماً..

لهذا وسواه، مما ستكشف عنه الأيام القادمات.. أعلنت الوزيرة كلنتون يوم الأربعاء الماضي من زغرب: ".. أنه حان الوقت لتجاوز المجلس الوطني السوري.. "، وأنه "لا يمكن أن تكون هذه معارضة يمثلها أشخاص يتمتعون بخصال جيدة كثيرة لكنهم في كثير من الأمثلة لم يذهبوا إلى سوريا منذ 20 أو 30 أو 40 عامًا. يجب أن يكون هناك تمثيل لمن يقفون في خطوط المواجهة يقاتلون ويموتون اليوم في سبيل حريتهم". وقد اقترحت الوزيرة كلنتون، بعد اجتماع سري عقد في نيويورك وحضره ممثلون للمعارضة ومن بينهم ممثلون للمسلحين في الداخل.. اقترحت قائمةً تتضمن أسماءً ستضمها " الهيئة القيادية الجديدة التي سيطلق عليها اسم “مجلس المبادرة الوطنية”، تمثل أطيافاً أوسع، وتخاطب شرائح أوسع من المجتمع السوري، وتنطق باسمها، وتكون بمثابة نواة حكومة مؤقتة. وربما لا يزيد عدد أعضاء المجلس الجديد عن خمسين عضواً، بدلاً من المجلس الذي كان يضم أكثر من 300 عضواً.. وسيكون من بين من تقترحهم كلنتون لعضوية الهيئة الجديدة ممثلون لتجمعات وأقليات وجهات معارضة لم ينجح المجلس الذي شكل في استانبول في استيعابها أو التفاهم معها. والمجلس الجديد سيسفر عنه الاجتماعُ الذي ترعاه واشنطن ويعقد في الدوحة بين الثالث والسابع من شهر تشرين ثاني/ نوفمبر الجاري، ويحضره ممثلاً عنها سفيرُها في سورية روبرت فورد، الغائب عن دمشق طبعاً. وهذا يعني بطبيعة الحال انتهاء دور المجلس الذي سحبت واشنطن الاعتراف به في زغرب بوصفه "ممثلاً للشعب السوري" كما كانت قد اعترفت به في إطار اجتماع ما سمي أصدقاء سورية، وأن المجلس الجديد حل محله.؟!

وفيما يبدو أن هذا التغيير بات مرغوباً فيه أو مطلوباً بعد أن " يئس الغرب من المعارضة السورية" ولم يعد الابراهيمي يجد فيها طرفا للحوار.. وقد بدأت مناوشات أعضاء المجلس لواشنطن ولهذا التوجه، ولكنها مناوشات قد لا تعني شيئاً على الأرض لأن واشنطن صاحبة المبادرة هي قيادة الغرب وزعيمة الأطلسي ومحرك أطراف أخرى أوربية وعربية وإقليمية في هذه الأزمة وما يتصل بها.. ومهما كانت ردود الفعل فإنها لن تكون مؤثرة. ولذا يمكن النظر إلى قول أحد الأفراد المرشحين بوصفهم بدلاء، وهو يساري في بلاد العم سام: " إن المجلس قارب مثقوب يتسابق ركابه على البحث عن قوارب نجاة" على أنه قول يحتمل النظر في جديته.

إن هذه الدورة الجديدة من دورات تنظيم وإعادة تنظيم المعارضة، مسلحة وغير مسلحة، ستأخذ وقتاً يشغل الإدارة الأميركية الجديدة، سواء أكانت إدارة أوباما التي قد يجدد لها أم إدارة ميت رومني التي ستدخل البيت الأبيض برؤى نظرية وانفعالات انتخابية تنضجها التجربة شيئاً فشيئاً.. وهذا سيحتاج إلى وقت وخطط ورؤى ربما يكون بعضها جديداً، وسيلقي على الشركاء الغربيين وحلفائهم وأعوانهم أسئلة تستدعي أجوبة مسؤولة، وتجعل المجلس الجديد يدخل بدوره في خضم مناوشات بل صراعات بين تيارات لم تتفق سابقاً على ما هو مختلف عليه، ولكنه في الوقت ذاته  قد يجعل القيمين على تلك الأطراف يفرضون عليها خيارات وسلوكاً وأفعالاً ومناخاً مختلفاً عما كانت عليه، إذا ما اتفق أولئك على سياسة واستراتيجة وخطة وخيارات مغايرة كلياً أو جزئياً لما كان. وهنا أؤكد عدم ثقتي بالسياسية الأميركية التي قدمتها لنا إدارات متعاقبة.. ولا بد من الحذر والحذر الشديد.

إن الذي يلوح لي في الأفق، من خلال استقراء معطيات ومواقف للاعبين الخارجيين المؤثرين في الأزمة السورية والقرار الدولي، لا سيما الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، في ضوء لقاءات وتصريحات: لافروف – فابيوس، وميركل – أردوغان، والسيد الأخضر الإبراهيمي في جولته الأخيرة على روسيا والصين ومن ثم لقاءاته في القاهرة.. بعد فشل وقف إطلاق النار في الذي اقترحه " هدنة" في عيد الأضحىالمبارك.. الذي يلوح لي أن معظم الأطراف باتت أقرب إلى الاقتناع بأن الحل السياسي هو الأجدى، وأنه يمكن أن يوقف سفك الدم وتطور الصراع داخل سورية، ومن ثم يحول دون تفاقمه وامتداده إلى خارجها على صورة فتنة طائفية تشكل كارثة على أهل المنطقة وتؤثر على مصالح الغربيين وعلى أمن " العزيزة على قلوبهم إسرائيل".. وأن الحوار أحد المداخل الرئيسة لأي حل سياسي، فالحل السياسي هو الخيار الوحيد الصحيح السليم الذي يمكن أن يجنب سورية والمنطقة ويلات كثيرة ويجنب العالم خلافات وامتحانات جديدة، وأنه لا بد للحوار من أطراف تقبل به وتُقبل عليه ويكون لكل منها كلمة وموقف وقرار يمكن الوثوق به والركون إليه.. هذا من جهة، وأنه لا بد له من حاضنة قوية تهيئ للحل السياسي والحوار له مناخاً ملائماً وتجر الأطراف إليه وتلزمها به وبنتائجه من جهة أخرى.

وفي هذا الإطار أريد أن أفهم وأفسر انتقال الوزير لا فروف من الدفاع عن مواقف روسيا والصين من الأزمة السورية إلى الهجوم على مواقف الغربيين، وأصنف الكلام واللهجة اللذين خاطب بهما " شركاءه الغربيين"، بعد لقائه بالوزير فابيوس، على أنه من باب المقاربة المقبولة لحل سياسي مدخله الحوار.. حيث قال لافروف وللمرة الأولى، مؤكداً على ضرورة مراجعتهم للمواقف والسياسات والخيارات: "إذا أصرَّ شركاؤنا على موقفهم المطالب برحيل هذا الزعيم الذي لا يحبّونه فإن حمام الدم سيستمر.. إن البيان الختامي الذي اعتمد في جنيف «لا يتحدث عن ضرورة رحيل القادة السوريين، فإن الشعب السوري هو الذي يجب أن يقرر رحيل بشار الأسد».
وفي هذا الإطار أستشف إمكانية تحرك بعض الدول نحو مقاربة مختلفة عن المقاربات السابقة للأزمة السورية الدامية التي تزداد دموية وخطورة، مقاربة مختلفة عما ساد مواقفها السابقة من تشنج.. فقد أشار الوزير الفرنسي لوران فابيوس في مؤتمره الصحفي مع لافروف " إلى وجود نقاط اتفاق على الرغبة في وقف النزاع وتجنب انتشاره إلى دول أخرى، وأن تتمكن كل المجموعات من العيش معاً". وهذا لن يتم إلا على أرضية الحل السياسي الذي ما زال هو محور تحرك الإبراهيمي الذي لم يخرج بدوره عن النقاط الست التي قدمها كوفي عنان وأقرت في جنيف ولا عن البيان الذي صدر فيها بشأن معالجة الأزمة السورية. وقد أتت مواقف الصين واضحة في تأييد هذا التوجه حيث قال وزير خارجيتها جيتشي: « على الأطراف المعنية أن تعيّن في أسرع وقت ممكن ممثلين لهم سلطة لوضع خريطة طريق لعملية التحول السياسي بمساعدة من الإبراهيمي والمجتمع الدولي." في إشارة إلى ملامح توجه جديد، وتأكيد على حل الأزمة السورية عبر القنوات السياسية فقط. وأعتقد أن هذا هو التوجه الذي سيقدمه الإبراهيمي على شكل مقترح بناء على اتصالاته لوزراء الخارجية العرب في 12 الجاري ولمجلس الأمن والأطراف التي يعمل على الاتصال بها.. وهو توجه قد يكون نضَج واتفقت عليه روسيا مع الولايات المتحدة الأميركية التي ستجعل من مهام "مجلس المبادرة الوطنية" حسبما ورد في مجلة فورن بوليسي: " نواة حكومة انتقالية يمكن أن تتفاوض مع المجتمع الدولي، وفي مرحلة لاحقة قد تتفاوض مع النظام السوري أيضاً.".. وربما كان هذا في صلب التغيير الذي قد يستشرِف حلاً سياسياً بعد كل هذه الأشهر من إراقة الدماء ومعاناة الشعب السوري والدمار الذي لحق بالبلاد.

وعلى مداخل المعطيات التي تقدمها التحركات الأخيرة على الصعيد الدولي والإقليمي والسوري مما سبقت الإشارة إليه.. ينبغي مقاربة المواقف والوقائع التي تلخص مواقف القوى على الأرض، وهي قوى حاكمة في حسم المشهد والتوجه به نحو الحل الدموي أو الحل السياسي السلمي، حيث هناك مقولتان:

-        مقولة "لا حوار قبل إسقاط الأسد والنظام"، وهو أول وآخر كلام عند المعارضة. ويلاحظ أنه، من حيث المبدأ والمقدمات المنطقية، لا معنى للحوار "بعد سقوط الأسد والنظام"، إن تم ذلك؟! إذ لا يوجد طرف في هذه الحالة تتحاور معه على موضوع، ومن ثم فلا ضرورة للحوار.. إلا إذا كان حواراً بين أطراف المعارضة ذاتها للاتفاق على تفاصيل لم يتم الاتفاق عليها من قبل.. وقد يختفي الشيطان في تلك التفاصيل على رأي الإنكليز، فيغرَق الغارق والمغرَّق ومن أغرق البلد والشعب ويغرِقهما في العنف والدم من جديد.. ولا يعرف مدى ذلك ونتيجته إن حدث، لا سمح الله، إلا الله وحده..

وما يطفو الآن على سطح صفحة " المعارضين جميعاً"، من حملة السلاح ومصنعي السيارات المفخخة إلى دعاة التغيير من دون عنف.. هو اتفاق على إسقاط النظام بكل الوسائل، ومنها أو على رأسها القوة حسب البعض منهم، والتعاون مع الشيطان – والشيطان جاهز للعمل – في سبيل تحقيق ذلك.

-        ومقولة من الجانب الآخر مفادها التصميم المطلق من الدولة وأجهزة الحكم والجيش وقوى الأمن على دحر المؤامرة، والقضاء على العصابات المسلحة والمرتزقة والمتآمرين و.. و..إلخ.. مهما كلف ذلك من ثمن وتضحيات، ومهما كانت القوى التي ترسلهم إلى سورية بهدف تدميرها وتمدهم بالمال والسلاح والمقاتلين وتقف وراءهم.. وهناك في هذا الطرف أيضاً تأكيد على الحل السياسي الذي لا حل سواه، واستعداد للحوار بوصفه المدخل المشروع والطريق المؤدية إلى مخرج من الأزمة، حيث يتم التفاهم على كل ما هو موضوع اختلاف.

إن الموقف على الأرض مؤثر وحاسم وهو الأهم، لكنه محكوم بالموقف الدولي على نحو كبير ومؤثر إلى أبعد الحدود.. فحين يكون هناك قرار دولي يُفرَض إقليمياً بتوازن ونزاهة وإخلاص ومراعاة لكل المعطيات التي تهم سورية الدولة والجغرافية والشعب والسيادة والمكونات الاجتماعية والسياسية..إلخ، فإنه سيكون ذا تأثير وسيؤدي إلى وقف العنف واللجوء إلى الحل السياسي ومحاصرة كرة النار المتدحرجة.. وهذا ما نتمنى أن تكون قد وصلت إليه الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، والقوى الأخرى الدولية والإقليمية والعربية والسورية على كل مستوى وصعيد.. ليكون للمبادرة الجديدة دور إيجابي، وتصل المساعي السلمية التصالحية إلى غاية.

دمشق في 2/11/2012

                                                       علي عقلة عرسان