خبر إسرائيل تصعّد في غزة: صراع واسع أو عودة إلى قواعد اللعبة

الساعة 01:55 م|25 أكتوبر 2012

غزة

كتب حلمي موسى

منذ أسابيع وإسرائيل تبدي استغرابها لما يحدث في قطاع غزة. فعمليات إطلاق الصواريخ على مستوطنات غلاف غزة لم تعد محصورة بقواعد اللعب المعهودة التي ترسّخت على مدى السنوات التي أعقبت عملية الرصاص المسكوب مطلع العام 2009. وقد ارتكزت هذه القواعد إلى محدودية الفعل وردّ الفعل من الجانبين وإلى حصر نطاق الفعل من الجانب الفلسطيني، غالباً، بالقوى الأقل قدرة وإبعاد حركة حماس والجهاد الإسلامي عن المواجهة قدر الإمكان. وكان بوسع إسرائيل أن تستهدف نشطاء من فصائل أخرى، في الغالب من السلفية الجهادية، من دون أن تستعدي القوى المسلحة الرئيسية ومن دون إلحاق أذى بليغ بالمدنيين. وعندما «تضطر» إسرائيل لاستهداف نشطاء حماس والجهاد الإسلامي، كانت تحسب لجولة صراع أطول مدى وتفهم أن لذلك ثمناً.

والواقع أن أول خروج عن القاعدة هذه كان من جانب حركة الجهاد الإسلامي التي أصرت قبل شهور على رفض معادلة إسرائيل تضرب ونحن نرد بمحدودية. وقالت إن أي استهداف لعناصرها يلزمها بالرد من دون حدود. وحينها اضطرت إسرائيل، عبر وساطة مصرية، لقبول هدنة متفق عليها ضمن قواعد وتفاهمات جديدة. وكان يبدو طوال السنوات الماضية أن حماس، ومن أجل الحفاظ على سلطتها، معنية بالتهدئة وعدم التصعيد. لذلك كان جلياً ابتعاد حماس عن المشاركة في عمليات

الرد الصاروخي إلا إذا وقع لها ضحايا أو كانت الضربات الإسرائيلية مؤذية للمدنيين الفلسطينيين.

ومن الواضح أن هذه الصورة تغيرت في الأسابيع القليلة الماضية عندما لجأت حماس والجهاد الإسلامي (كل منهما ممثل بذراعه العسكري كتائب عز الدين القسام وسرايا القدس) إلى الرد المشترك والمعلن على إقدام إسرائيل على استهداف نشطاء لمنظمات جهادية. وبينّ ذلك أن حماس معنية بتغيير قواعد اللعبة وأنها بعد اليوم لن تسكت إزاء الاعتداءات الإسرائيلية. وهذا ما تجلى أيضاً في الجولة الأخيرة التي بدأت قبل أيام.

والواقع أن الحكومة الإسرائيلية التي تقترب من انتخابات مبكرة قررتها معنية من الوجهة السياسية بتسخين أمني يحجب عن الجمهور الإسرائيلي انشغاله بالهم الاقتصادي. وينبع هذا الاهتمام من واقع أن إسرائيل شرعت، ولو في وقت متأخر، بالتأثر بالأزمة الاقتصادية العالمية وصارت معنية بتقليص الميزانية في وقت يزداد فيه بشكل كبير العجز في ميزان التبادل التجاري. وعلى سبيل المثال أعلن أمس الأول أن العجز في هذا الميزان للشهور التسعة الأولى من هذا العام بلغ 14 مليار دولار. ومن البديهي أن يزداد الرقم حتى انتهاء العام الحالي.

ونظراً لتراجع فرص التسخين الأمني عبر التهديدات لإيران والتكلفة الباهظة نسبياً لتسخين الجبهة مع لبنان أو سوريا، فإن المجال في غزة أقل تكلفة من ناحية وأقدر على الضبط من ناحية أخرى. ولذلك فإن التصعيد الإسرائيلي مدروس ومقنن، ولكنه هذه المرة بات يصطدم بموقف فلسطيني مختلف. وهنا يكمن المأزق الإسرائيلي، فالتصعيد في غزة هو بأشكال مختلفة ضرب في اللحم الحي نظراً للكثافة السكانية الهائلة في القطاع ومحدودية المساحة. ولكن أيضاً هذه هي ساحة الصراع الأقل كلفة.

وقد جاءت عملية التفجير الحدودي التي تبنتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أمس الأول، والتي أدت إلى إصابة قائد سرية برتبة نقيب بجروح خطيرة يوم زيارة أمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني إلى القطاع، لتصب الزيت على نار الحماس الإسرائيلي للتصعيد. فالاغتيالات المتكررة للنشطاء واستهداف مواقعهم قاد إلى عمليات إطلاق واسعة لقذائف الهاون وصواريخ القسام و«غراد». وبالرغم من إعلان إسرائيل إسقاط عدد من هذه الصواريخ إلا أن بعضها أصاب عدداً من المستوطنات وأوقع إصابات في صفوف المستوطنين.

ويبدو أن التصعيد الإسرائيلي هذه المرة لن يكتفي بالتهديدات التي يطلقها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه ايهود باراك وقادة الجيش الإسرائيلي. وعلمت «السفير» أن السلطات الإسرائيلية اتصلت بعدد من نشطاء حقوق الإنسان الأجانب العاملين في قطاع غزة وطلبت منهم الخروج فوراً من القطاع. ويعني ذلك من الوجهة العملية تهديد صريح وعملي بالتصعيد حيث جرت العادة على إخلاء القطاع من الأجانب قبل العمليات الواسعة. ولكن ليس مستبعداً أن يكون طلب إخلاء هؤلاء مجرد رسالة لسلطات حماس بأن إسرائيل جدية هذه المرة في تهديدها وأن عليها بالتالي وقف تدهور الأوضاع والعودة إلى قواعد اللعب السابقة. وليس مستبعداً أن سياسة إسرائيل تجاه حماس والقائمة على تهديدها بخسارة ما لديها لدفعها لضبط الأوضاع في القطاع، تتزايد الآن بعد المشاريع القطرية.

ومن المهم ملاحظة أن إسرائيل صارت تأخذ مصر بقيادة الرئيس محمد مرسي في الحسبان في كل ما يتصل بالتصعيد في قطاع غزة. وليس مستبعداً أن تكون مصر حالياً تقوم بدور في تهدئة الأوضاع لمنع التصعيد.

وفي كل حال يبدو أن «التصعيد المصغّر» الذي بدأته إسرائيل يقف اليوم أمام مفترق التحول إلى تصعيد كبير أو العودة إلى الهدوء السابق وقواعد اللعب القديمة. عموماً ما تطمح حماس لتحقيقه بمحاولتها رفض شروط اللعب القديمة هو أن تكفّ إسرائيل عن استهداف النشطاء في غزة لمنع التصعيد لاحقاً. وليس مؤكداً أن تحقق حماس ما تريد ولا أن تحقق إسرائيل ما تريد، ولكن من المؤكد أن الطرفين غير معنيين بتصعيد كبير في هذا الوقت بالذات.