بعد فقدانها جميع عائلتها

خبر الطفلة جمانة..« لا عيدية في عيد ولا فرحة بتفوق » !!

الساعة 09:05 ص|25 أكتوبر 2012

غزة (خـاص)

 كثيرة هي الحالات التي يندى لها جبين الإنسانية التي يمر بها الفلسطينيون عامة وأهالي القطاع بصفة خاصة, والتي يومياً يكتوي أصحابها بنار الحرقة والمعاناة, ولكن من بين هذه الحالات معاناة استثنائية ليس كغيرها من البشرية, أُحيكت فصولها بمرارة الألم وقسوة الأيام

فقدت جميع عائلتها ..

طفلة لا يتجاوز عمرها عدد أناملها الناعمة, والتي ملت مسح دموع ليس لها ذنب فيها, الأب تم اعتقاله ولم تبصره عيناها, الأم توفيت وتركتها قبل أن ترتوي من حليبها وحنانها, أما عمها الذي كان لها بعد الله –"هو بابا وماما وأخي"- فتم اغتياله يوم تخرجه, وجدها كان للأسف قد توفي لتطرق بمعاناتها وآلامها أجبنة وقلوب الإنسانية قاطبةً لتقول بصرخاتها المرة الحارقة "يا سادة إنها ليست قصة هوليودية.. وإنما معاناة لطفلة من غزة, اسمها جمانة علاء أبو جزر" ..

مراسل "وكالة فلسطين اليوم الإخبارية" التقى بجدة جمانة, ولم يتسنَ له لقاء عدد أكبر من عائلة الطفلة لأنها للأسف إما تشرذمت بفعل المعاناة، وإما باتت من أرشيف الدهر, فتحدثت أم الأسير علاء بألم عن الحالة التي تمر بها جمانة, فقالت "لم يتبقَ لنا من العائلة إلا القليل والحمد لله .. فالاحتلال شتت شمل عائلتنا, إما بالاغتيال أو الاعتقال، فحرمنا فرحة الدهر.. جُمانة ليس لها إلا الله ثم أنا في هذه الدنيا وقلبي يَتَفطر على حالتها، حيث أنها لم ترَ لا أبوها ولا أمها وعمها الذي كان بمقام الوالد قد تم اغتياله.

تنهدت الحاجة نفسَ المتألم لتُخرج زفيراً حامياً كبركان حبس حممه ولكن بالنهاية لم يستطع عليها تحمل هذه الآلام, ولكن أخرجتها بكلمات صابرة مؤمنة لتقول "حسبنا الله ونعم الوكيل" .

الحاجة المكلومة تقول:"إن جمانة فَتَحت عيناها وأبوها بالأسر, ولم تعرف تلك الطفلة منذ نشأتها وجه أبيها, وإنما فقط تخاطب أبيها عبر صور اهترأت من شدة الدموع تارة ومن شدة القبلات تارة أخرى ..

تظن أن جدتها هي أمها .. ولكن

أما الطفلة،  فكانت تظن إن جدتها هي أمها الحقيقة, حتى دارت في خلدها وفي ذكاء طفولتها تساؤل جلى الحقيقة المرة لها في مكانها وأبكى من جاوب على أسئلتها لتقول الحاجة أم علاء "حتى لا نزيد المعانة على جمانة كنت أقول لها أنني أمها, لكن في ذات يوم وهي عائدة من الروضة دخلت البيت تبكي وسألتني كيف أنتي ياأمي أمي وأم بابا في نفس الوقت؟؟؟!!!"

لتوضح الحاجة لها بعد ذلك الحقيقة المرة والتي أجابتها إياها بدموع العيون, لتقول لها أن أمها "كانت قد توفيت .

وتضيف الحاجة أم علاء أنه لم يكن لها بعد أبوها وأمها إلا عمها الشهيد أيمن والذي كانت تناديه بـ" بابا " ولكن تم اغتياله في الحرب الأخيرة عام (2008على قطاع غزة يوم تخرجه فكانت الصدمة الحقيقة للطفلة.

وتقول الحاجة المكلومة :"عندما أنظر إلى جمانة قلبي يتفطر عليها من شدة الألم الذي تَشَعر به الطفلة, وشدة شوقها لوالدها الذي تبقَ لها من هذه الدنيا, والذي حُكم عليه (18 عاماً) قضى منها (10 أعوام).

مرفوضة أمنياً.. تُبكي الجندية "الإسرائيلية"

وتوضح الحاجة أن جمانة وهي بعمر (6 أعوام) كنا أعددنا لها زيارة لرؤية والدها ليكحلَ عينه برؤيته ولترى أبوها الذي لم تعرفه سوى بصورٍ قديمةٍ, ولكن جاءت المفاجأة عند معبر بيت حانون عند الزيارة بأن الجنود أبلغونا بأن جمانة مرفوضة أمنياً من الزيارة, لتبكي ساعتها بكاء لاذعاً حاراً أبكي جميع من في المكان, وتقول أم علاء" والله حتى إحدى المجندات "الإسرائيليات" بكوا من شدة الموقف. "

إلى جانب جمانة لم ترى أيضاً والدة الأسير علاء ابنها منذ ثمانية سنوات, فقالت وعيونها أُغرورقت بالدموع "لم أرَ ولم أزر علاء منذ ثمانية أعوام.. نفسي أراه ولو للحظة واحدة قبل أن ألقى الله .. اشتقت له كثيراً ولحديثه وكلامه والجلوس معه".

وعندما أضرب الأسرى عن الطعام وتضامنوا معهم المتضامنون في غزة، فجمانة المكلومة لم يمنعها صِغر سنها من الإقدام على الامتناع عن الطعامِ والشراب حتى إشعار آخر، وخوض معركة الأمعاء الخاوية، تضامنًا مع أبيها المُعتقل والمعزول داخل أحد السجون "الإسرائيلية" .

على "اللاب توب" ماذا تفعل ؟!

بعد بكاء كثير وصمت ساد أروقة المكان مع اقبالة عيد الأضحى المبارك –الذي كانت إقبالته على جمانة والجدة للأسف حزين- قطعنا الصمت لنطلب مقابلة جمانة لتأخذنا جدتها إلى غرفتها المتواضعة, لنجد كارثة ستبقى لعنة تطارد الإنسانية, حيث كانت جمانة تجلس على سريرها وتحمل بين يديها جهاز الكمبيوتر "لاب توب" وتشاهد صور أبيها وتبكي في أيام الفرح والسرور, الجدة على الفور لم تتمالك أعصابها فأخذت تشهق بالبكاء وغادرت الغرفة ..

تحدثنا إلى جمانة عن أوضاعها وعن طفولتها فقالت, كما كتبت على صفحتها على الفيس بوك المعروفة بجمانة فلسطين "أنا ليس لي لا أخ ولا أخت ولا جد ولا عم ولا أب ولا أم .!! ليس لي بعد الله .. سوى جدتي المسنة التي أناديها بماما ".

وقالت الطفلة بعينيها السوداتان التي لم تُكحلها برؤية والدها, وإنما تكحلت بمرارة المعاناة "اشتقت إلى أبي كثيراً أريد أن أعيش كباقي أطفال العالم, أريد أن أجلسَ في رمضان بجانب أبي على السفرة واحدة, وأريد أن أخرج للملاهي بصحبة أهلي" .

لا عيد ولا عيدية !!

أما عن بهجة العيد وقضاء أيامه الجميلة، فأوضحت جمانة أن العيد عندها عند خروج أبيها من السجن, وقالت "إلى أين سأخرج بالعيد ومن سيعطيني العيدية, ومن سيمسك بيدي بهذا اليوم كباقي الأطفال؟؟؟" .

وبعد لحظات من الحديث معها انفجرت منها أسئلة بالنسبة لها مصيرية, فقالت "ماذا لو حدث لجدتي المريضة أي مكروه.. ماذا سيكون مصيري ؟! أين ألوذ .. وين بدي أروح ؟؟!".

وعن كلمتها التي تُرسلها لأبيها بهذا اليوم بمناسبة العيد تحدثت بكلمات بريئة عن مدى شوقها لوالدها وهي تنظر إلى صورته وتتحدث عن طموحاتها المستقبلية, وعن تفوقها بمدرستها على أقرانها، فقالت "أقول لبابا كل عام وأنت بخير, وإن شاء الله العام الجاري بتكون بينا, وبتعطيني العيدية, وبتكون طلتك علينا أحلى عيدية, وما تقلق يا بابا أنا متفوقة بالدارسة وأنا بأحسن حال أنا وجدتي, ولا ينقصنا إلا أنت وحريتك" .

وبنهاية حديثنا معها أرسلت للعالم الحر كلمات تطالب فيها جميع البشرية بالعمل على تحرير أبيها من المعتل "أتمنى من كل العالم يقف معي وبجانبي. ويطلعوا بابا من السجن وكل الأسرى"  

الفاجعة الإنسانية..

بعد لحظات خرجت جمانة من المنزل لنستأذن من جدتها إيذاناً بانتهاء اللقاء الصحفي, فتركناها على باب المنزل تدعو لابنها بالفرج القريب "يارب ياعلاء تطلع سالم غانم والله معك يا تاج الرأس والله ع اليهود الظالمين".

خرجنا من المنزل فكانت الفاجعة الكبرى حيث كانت جمانة تجلس حزينة على باب منزلها بجانب اسم والدها الأسير وعمها الشهيد, غير مرتدية الفرح كباقي أطفال العالم, تحمل بيدها بدلاً من عيدية العيد صورة تذكارية لأبيها بحجم كفتها الصغيرة الناعمة, لينتهي بذلك يوم من أيام جمانة ولكن فصول معاناتها لم تنته بعد ..