خبر المنطقة: حركة مبتكرة في كيمياء السياسة الامريكية ..أيمن خالد

الساعة 06:09 م|20 أكتوبر 2012

لأمريكان في خطوة مختصرة وسريعة يطلقون رسالة مهمة للغاية، تختصر عنوان الأزمة المفترضة، وهي إن إيران ستمتلك القنبلة النووية خلال ثلاثة أشهر، وإسرائيل في الطرف الآخر للمعادلة تدعو لانتخابات برلمانية وتشكيل جديد للحكومة خلال الثلاثة أشهر ذاتها، والتحليل الأقرب لكلا الحدثين، أن لدى الامريكان ما يريدون القيام به قبل انتهاء الاشهر الثلاثة القادمة، وأن ليس لدى حكومة اسرائيل خلال هذه الفترة الرغبة بالمشاركة، لأن اسرائيل ليست مقتنعة بما ستقدم عليه امريكا، لذلك هي حكومة تصريف الاعمال التي لا تريد اتخاذ مواقف يحاسبها عليه الشارع لاحقاً.
الأسباب بتقديري تعود الى تركيب جديد للسياسة الامريكية ومعادلة ليست ضمن حراكها المعهود، وبطريقة اخرى ما يجري هو تعبير عن رغبة امريكية جامحة باتخاذ قرارات سياسية غير مسبوقة تجاه دول المنطقة برمتها ولكن هذه القرارات او هذه الرؤية هي ليست الرؤية التي تريدها اسرائيل، او تتخيل انها ضرورية، لكن الامريكان المعنيون بالمغامرة هم ذاتهم اصحاب الحلقة الانتخابية القادمة، التي هي الاخيرة في المنطقة، والذين ادركوا او اكتشفوا ان نجاح الانتخابات بالإدارة الحالية يستلزم رصيدا جديدا، ينهي مجموعة من الملفات العالقة، فلا امل للإدارة الحالية بالبقاء في البيت الابيض بملفات معلقة، وواضح تماما ان المرحلة تستدعي تغييراً في كيمياء السياسة الامريكية، ومطلوب تجاهها معادلات جديدة تحمل بلا شك قدراً من المغامرة.
النووي الايراني هو عنوان افتراضي لمنطقة تتحرك كالرمل ولا اظن ان الايرانيين تزيدهم هذه التقنية ان امتلكوها الا عبئاً، فالقيمة الحقيقية للتكنولوجيا الحربية هي القدرة على الاستثمار السياسي لها وليس الاستخدام الفعلي، والنووي في تلك البقعة من الارض لا يؤثر كثيراً، شأنه شأن النووي في كوريا الشمالية، التي بالرغم من قربها من امريكا الا انها تعيش حالة اعتلال في ذيل الكرة الارضية، والامريكان نجحوا في نقل الامراض والعلل الكورية المزمنة الى ايران، وزادوا عليها قدرتهم على تحريك طيف من الشارع من الممكن ان يتحرك في توقيت امريكي بحت.
قبل محاولة استنتاج الخطوات الامريكية القادمة في المنطقة يتوجب علينا تفسير السياسة الامريكية في الاشهر الاخيرة، فقد اوقفت امريكا قسراً نظرتها للمنطقة العربية منذ ثورة تونس، وما تلاها من ثورات عربية، فاصبح الأمريكان يتعاملون مع الوان السياسة العربية وفق منظور معقد غير مسبوق في سياستهم، فهناك ذكاء وتعامل دقيق استوجب صناعة ما يمكن ان نسميه السياسة اليومية المؤقتة، وهي مسألة معقدة جداً تتطلب من السياسيين الامريكيين حساب كلماتهم وتصريحاتهم بدقة، واستخدام تمرير الوقت، وعدم ممارسة سياسة فعلية وخطوات عملية لترجمة هذه السياسات، بمعنى أن السياسة الامريكية تحولت من رؤية استراتيجية شاملة الى علاقة محدودة ومواقف غير مترجمة على الارض، فهم لا يعرفون الاطراف على الارض، ولا يملكون اصلا حلولا تناسب المستقبل، فالسياسة الامريكية هي مجرد صوت بلا فعل وهمس بلا أي خطوة ميدانية.
التركيب الكيميائي الجديد يستدعي عملا للمنطقة، والحديث عن النووي الايراني وتحديد الفترة بثلاثة أشهر لا يعني انتظار هذه الاشهر الثلاثة، وهو يعني بالضبط أن هناك قرارات أمريكية صعبة لا تناسب اسرائيل ولا ترضيها اصلا، لكن الامريكان مقدمون عليها لأنهم (واثقون) من نجاح خطواتهم، التي ربما تبدأ باتفاق مفاجئ مع طالبان وهو عمليا اتفاق قائم لكن التنفيذ مؤجل، وربما لدى الامريكان لعبة أمنية ضد المالكي تساهم في تعقيد الوضع العراقي قبالة إيران، ودور اردني وتركي في المسألة السورية، وهذه المعادلة تستوجب أن يكون الدور الاسرائيلي متفرجاً.
علينا ان نعي أننا أمام معادلة معقدة في المنطقة خلال الأشهر الثلاثة فقط، وهي معادلة أخشى أن تكون الأخطر والأكبر في تاريخ المنطقة، وما يهمنا نحن كفلسطينيين من المعادلة أن ندرك أن القضية الفلسطينية معطلة طوال هذه المدة، وأن الاصطفاف الفلسطيني للصمت أفضل من زج الفلسطينيين في جغرافيا استكشافية.
الحركة المبتكرة لدى الأمريكان في سياستهم تستوجب مزيداً من التحليل والقراءة المبتكرة، ومزيدا من الدراسة ولا يصح أبداً أن نبقى نشاهد التغيرات القائمة في الكون كله من خلال نظرة بدائية، كنا ولا نزال نعيش عليها.

' كاتب فلسطيني