خبر « هدنة » الأضحى المبارك ..علي عقلة عرسان

الساعة 09:53 ص|19 أكتوبر 2012

 

يتحدثون عن وقف لإطلاق النار في سورية خلال عيد الأضحى المبارك، عشرة أيام يتوقف فيها القتل والاقتتال والخوف وينام الأطفال في أمان، ويحلم المهجرون بالعودة إلى بيوتهم ويهجرون مخيمات البؤس ومواقع الياس وكل ما فيه عري وعار نتحمل مسؤوليته جميعاً.. عشرة أيام تكون فرصة لأولنا وآخرنا، ليستجمع كلٌ منا شتات نفسه ومقومات ذاته ويراجع بعض حساباته وما يمكن أن يراجعه من مواقف وأفكار وتوجهات وخيارات وسياسات وأحلام وتطلعات؟! إن هذا ممكن الحدوث حسب مصادره وعلى رأس تلك المصادر الأخضر الإبراهيمي، وهو وقف لإطلاق النار يمكِّن من تمهيد الطريق " لهدنة أوسع مدى"، تساعد على بداية تحرك نحو حل سياسي للأزمة السورية التي لن تبقى في حدودها الحالية إذا ما امتدت زمنياً، لأنها سوف تتمدد جغرافياً وديموغرافياً في محيطها وخارج محيطها، وتخرج عن حدودها لتأخذ أبعاداً أخرى في بلدان ومجتمعات عربية وإسلامية إضافة إلى المجتمع في سورية المنكوب بها.

هذا مفتاح لباب موصد، يؤيد فتحه ظاهرياً كلُّ من له علاقة بالأزمة ومجرياتها من قريب أو بعيد، ولا يريد أحدٌ ممن يعنيهم أمر الأزمة أن يظهر بمظهر المعطِّل أو المعرقل لتح هذا الباب.. ولكن كالعادة، منذ لجنة الدابي إلى اتفاق جنيف وما بعدهما، هناك من يلعب لعبة الوجه والقناع، كلام معلن وتحرك خفي، يؤيدُ في الظاهر ويعرقل في الباطن على أرض الواقع الدامي، لأنه يريد لأحلامه وخططه وأهدافه التي لا يدفع دماً لتحقيقها أن تتحقق بدماء غيره وأموالهم ومستقبل شعوبهم وأوطانهم. وهناك قوى دولية على رأسها الولايات المتحدة الأميركية ومن تحت ابطها الحركة الصهيونية وإسرائيل، تريد أن يستمر الفتك والموت والاقتتال والدمار والإضعاف المتبادل لكل السوريين، لأن في ذلك تدمير لسورية أياً كان من يحكمها أو سيحكمها، في حرب بالوكالة مدفوعة التكاليف، ولأن فيه تحقيقاً لهدف قريب وضعته تلك القوى نصب أعبنها وهو أن تشد إلى المنطقة الساخنة أكثر من تستطيع أن تشدهم إليها من العناصر التي تريد أن تتخلص منها " القاعدة وغيرها" وتزجهم باقتتال يخلصها أيضاً من سورية قوية وذات مواقف مبدئية وثوابت وطنية وقومية، وهدف آخر أبعد يقود نحو مزيد من التفتيت لبلدان عربية وإسلامية ونشر الكراهية والعداء والفتن الطائفية والمذهبية والعرقية فيما بينها. وقد تحدثت في أكثر من مقال في أشهر سابقة من هذا المنبر عن " بلاك ووتر" في سورية، وعن جذب عناصر القاعدة وعناصر أخرى عربية وإسلامية متطرفة إلى ساحة الموت المفتوحة منذ تسعة عشر شهراً في سورية، ليقتل أولئك ومن معهم من السوريين المتوافقين معهم.. ليقتلوا مع سوريين آخرين ويدمروا سورية ويعيدوها إلى الوراء عقوداً من الزمن، ويضعفوا جيشها ويضعوه في غير المكان الطبيعي الذي ينبغي له أن يكون فيه، على الحدود مع العدو الصهيوني.. أما تغيير النظام والوصول إلى الحكم وإجراء الإصلاح ومعالجة كل الملفات السورية الأخرى فيراه مخططون تحصيل حاصل لمن يريد أن يصل إلى ذلك باسم الديمقراطية، حين يفتح طرق ويغلق طريق.

" الهدنة المؤقتة" أو وقف الاقتتال لأيام معدودات بمناسبة عيد الأضحى المبارك، لن تنجح/ ينجح حسب تقديري، حتى لو أعلنت الأطراف المعنيَّة والقوى التي تقف معها أو خلفها الموافقة على ذلك.. ووافقت عليه الأطراف المعنية مباشرة.. لأسباب كثيرة أذكر منها:

-          المواقف الظاهرة والخفية التي أسميها مواقف "الوجه والقناع"، وهي تتقاطع مع إزدواجية المعايير ولكنها تختلف عنها وتتخطاها في أمور عملانية وتقنية واستراتيجية.. وهذا يعني تحركات خفيّة عسكرية وعمليات عسكرة تحت السطح الراكد ظاهرياً، وتعرف كل الأطراف المعنية أن تلك التحركات لن تتوقف.. حيث يدرك من تتبع الحدث منذ نشأته أنه لا توجد نوايا حسنة في المناخ العام المحيط بالأزمة السورية، على الرغم من اقتناع أطراف دولية مؤخراً بأن الحل الناجع هو حل سياسي.

-           انعدام الثقة بين الأطراف المعنية بالاقتتال المباشر على الأرض، ورغبة كل طرف في تعزيز مواقعه وقدراته ومساحات سيطرته، مستفيداً من الوقت. يضاف إلى هذا عدم توافق أطراف العناصر المسلحة على موقف ورأي لغياب القيادة والإرادة الموحديتين من جهة، ولتعدد المشارب والخلفيات والاجتهادات من جهة أخرى.

-          رؤية الدولة السورية للأمر على أن تلك فرصة للمسلحين ومن هم وراءهم ومنحة من الوقت لالتقاط الأنفاس وتعزيز المواقع، وحشد القوة، وجلب المزيد من المقاتلين والمعدات والتجهيزات والأسلحة والذخائر..إلخ، وفي هذا تجاوز على حقها وواجبها في بسط الأمن على الأرض السورية كافة، ومقاومة القوى التي تزعزع النظام والأمن. وكذلك رؤية العناصر المسلحة بفصائلها لوقف إطلاق النار على أنه فرصة للنظام ليشدد قبضته عليها ويعزز وجوده وسيطرته في المناطق المختلفة من البلاد.

-          استحالة صمود وقف إطلاق النار، حتى لو تم الاتفاق على إنفاذه علناً، للأسباب السابقة التي ذكرتها من جهة، ولوجود حالة انفعالية تجسدها فوضى التصرف تساعد على اختراقه، الأمر الذي سينعكس على الساحة المتوترة، ويجعل أقل شرارة تشعل النار فيها، لا سيما مع عدم وجود مراقبين " للهدنة المؤقتة"، ومرجعية تضبط الاختراقات والانتهاكات وتردعها من جهة أخرى.

مما لا شك فيه أنني، مثل معظم السوريين والسوريات، العرب والمسلمين، الشرفاء والإنسانيين والأخلاقيين في العالم.. نريد أن يتوقف القتل والاقتتال والرعب والإرهاب وزحف الدمار والموت على سورية الحبيبة ولو ليوم واحد، لكي نتنفس الصعداء، ونرى بعين العقل، وتتفتح مسامات الضمائر وتنمو المشاعر الطيبة، ونقف على حجم الكارثة وأبعاد المأساة وحدودها!!.. نعم نريد، ونقدِّر من يسعى نحو تحقيق ما نتطلع إليه ونريده، ولكننا ندرك أن مفتاح ذلك ليس بأيدينا وليس بيد كل من يسعى مخلصاً إليه، فليس كل ما يتمنى المرء يدركه.. ذلك لأننا نعيش عملياً واقعاً سياسياً، دولياً وعربياً وإقليمياً.. إلخ، مجرداً من الأبعاد والمرجعيات الإخلاقية والمقاربات الإنسانية بمعناها الوقائي، أي تلك التي تمنع وقوع المأساة ومن ثم لا تحتاج إلى التعاطف مع ضحاياها ومساعدتهم إنسانياً، لأنها جنبتهم وتجنبت المشكلة بالحكمة والسند الخلُقي أساساً.  ومن أسف أنه لا توجد أخلاق في السياسة كما يقول كثير من الساسة أو معظم من يتعاطون السياسة ويدخلون معتركها.. بل توجد مصالح.. وتلك بتقديري الكارثة التي تحيق بالإنسانية والقيم والبشر والشعوب والدول لأن ما يحكمها سياسة بلا معيار أخلاقي – قيمي – إنساني، يعلي المادي ويحتقر الروحي ويأخذ بالغاية ويبرر الوسيلة!!.. المصالح ترتبط بالمادي المتحقق أو المتَطَلَّع إلى تحقيقه، وذلك يتماهى مع الهيْمني والسلطوي – التسلطي ومع القوة المنتفخة والعظمة التي تنغرس جذورها في الدم فتورق بؤساً وتثمر حرباً ومعاناة بشرية وموتاً عبثياً.. أما الأخلاق والأبعاد الإنسانية للتصرف والتدبير ورؤية المصلحة المشتركة وإعلاء شأن الاعتماد المتبادل على أرضية من الثقة والغيريَّة.. فما فيها من معطيات العظمة تنغرس جذوره في التربة الروحية والإيمانية والإنسانية والقيم السامية، فيورق خيراً وراحة أنفس ويثمر سلاماً وأمناً وازدهاراً وسعادة لبني البشر.!!  ومن أسف أن تلك الأبعاد الروحية – الإخلاقية الرفيعة مزدراة في مناهج كثير من الساسة، حاكمين ومتطلعين إلى الحكم، ولدى من هم في ركابهم وحاشيتهم من طبالين وزمارين ومزيِّنين، انتهازيين ومستفيدين وعارفين من أين تُؤكل الكتف؟!.. وأولئك يزدهون بأسيادهم ما داموا أسياداً يتربعون فوق بسط قرمزية اللون تحتها الجثث والجماجم ومناقع الدم البشري اللزج.. وحين يحول الأسياد يتحولون.!؟ الشعوب لا تريد أن تتقاتل وأن تموت وأن تعاني وتدفع ثمن الانتفاخ والتورّم السرطاني الخبيث لهذا السياسي أو ذاك هذا الفاسد أو ذاك، ومن باب أولى القول إنها لا تريد أن تنتفخ وتتورم وتعاني من الأمراض أيضاً.. إنها تريد أن تكدح وتفرح وألا تُسرَق أو تهان.. تريد أن تعيش وتأمَن وتتفاهم وتتعاون.. ولكن من يضعون أنفسهم فوق الشعوب وأمانيها وإرادتها، باسم الشعوب وأمانيها وإرادتها.. هم الذين يفرضون عليها ما تكره، ويسوقونها إلى ساحات الحرب بأشكالها وأنواعها ودرجاتها ويكبدونها ألوان الخسران.. وهم.. هم الداء ومصدر كل بؤس وشقاء. ومن أسف  أنه كلما كبُرت الرأس السياسية وحميت وازداد انتفاخ حاملها ازداد صلفاً وعنجهيةً وتطاولاً على الشعب والعقل والعدل وعلى الآخرين.. وحين ينتصر بظلم يُرفع إلى درجة بطل ويدخل التاريخ مضرجاً بدم ضحاياه؟!.. وفي الحركة العنصرية الصهيونية، منذ يهودية ما بعد موسى إلى اليوم، يتحول المجرم المضرج بدم الغوييم " الآخرون من غير اليهود" على الخصوص، وحتى بدم من بعض قومه.. يتحول إلى نبي.. وما أكثر الأنبياء الكذبة في التاريخ.؟!.

نتمنى أن تتحقق معجزةٌ في عالم مشوق لتحقّق معجزة.. وأن يتم وقف إطلاق نار مؤقت " هدنة الأضحى المبارك" خلال أيامه المباركات، في سورية الحبيبة، ونتمنى أن تكون تلك مناسبة لإعمال العقل ويقظة الضمير وانتصار الحكمة والتوجه نحو حقن الدماء وحل سياسي لأزمة طالت وهي تهدد بالاتساع والانتشار إذا ما استمرت.. نتمنى أن يتم ذلك، ونشجِّع كلَّ مخلص يعمل من أجل هذا ونحثه على متابعة بذل الجهد، ولو من باب طرق كل باب.. ولكن ماذا نفعل إذا كان علقم السياسة لا يفارق حلوقنا، والشطارة التي فيها ـ أي الخبث والدهاء والمكر والـ.. إلخ"- هي أهم وأعلى مرتبة عند بعض الناس من التطامن للحكمة والأخذ بما ينفع الناس ويحييهم، وبما يؤكد قيمة الصدق والعدل والعقل في حياة البلدان والشعوب والأفراد.؟!

 

دمشق في 19/10/2012

                                                                                علي عقلة عرسان