خبر تفاصيل الأيام الأخيرة للقذافي: أصيب باليأس وأكثر من الصلاة

الساعة 06:42 ص|19 أكتوبر 2012

وكالات

 

نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا وصفيا للحظات الاخيرة في مسيرة حياة الديكتاتور الليبي معمر القذافي وحاشيته. وجاء في التقرير الذي كان نتاج تحقيق مطول ودقيق قامت به منظمة "هيومن رايتس ووتش" ان القذافي كان مستاءً من نقص الماء والكهرباء وكان ومرافقوه يبحثون عن الطعام في المنازل الت يهجرها اصحابها. وهنا نص التقرير:

 

"في يوم 28 أغسطس (آب) 2011، فر الديكتاتور الليبي معمر القذافي واثنان من أبنائه من العاصمة طرابلس، التي خضعت، بعد ثلاثة أشهر من القتال العنيف، لسيطرة الثوار. قتل خميس، أحد أبنائه، خلال يوم، وهو ما يرجح أنه حدث جراء غارة جوية شنها حلف الناتو. وقد فر ابنه الآخر، سيف الإسلام، إلى مدينة بني وليد، غير أنه ما لبث أن وقع في قبضة الثوار في نوفمبر (تشرين الثاني). اتجه معمر القذافي، الذي حكم ليبيا لأكثر من أربعة عقود، شرقا نحو مدينة سرت، مسقط رأسه. ولم يكن متبقيا من عمره بعد ذلك سوى شهرين.

 

يستعرض تقرير جديد، صادر عن منظمة "هيومان رايتس ووتش"، الأيام الأخيرة من حياة القذافي، وهو التقرير الذي يسرد تفصيليا حركاته - وحركات قوات الثوار التي قامت باعتقاله واغتياله - على مدار أسابيعه الأخيرة. في مواضع عدة، ترتكز القصة على رواية مقاتلين موالين له كانوا بصحبته، وفي بعض الأحيان على استرجاع للأحداث من جانب مساعد واحد، يصعب أو يستحيل التحقق من صحة معلوماته، ولكن هذه حتى الآن هي أكثر الروايات المتوافرة لدينا اكتمالا عن الأيام الأخيرة في حياة العقيد.

 

وصل القذافي إلى مدينة سرت، التي يبلغ تعداد سكانها نحو 75 ألف نسمة، الواقعة على ساحل البحر المتوسط، يرافقه سائقه الشخصي ومجموعة صغيرة من حراسه ومسؤول بأمن الدولة يدعى منصور ضو. انتقل إلى المجمعات السكنية الواقعة في منطقة وسط المدينة الصغيرة. وهناك، التقى اثنين من أكثر المسؤولين سيئي السمعة في نظامه، لمناقشة الحرب الأهلية الدائرة التي كان يتجرع فيها هزيمة ساحقة.

 

سافر الأول، وهو رئيس الاستخبارات عبد الله السنوسي، في البداية مع القذافي، لكنه غادر لاحقا ليعلم زوجته أن ابنهما قد قتل في الحرب الدائرة، الأمر الذي ربما يكون قد أنقذ حياته. أما الثاني، وهو المعتصم، ابن القذافي، الذي يشتهر بقسوته الوحشية، فكان يقود اسميا قوات الدفاع في سرت واعتاد زيارة والده بشكل دوري.

 

ومع تزايد قصف الثوار لمدينة سرت وتحول القتال باتجاه مركز المدينة، قرر القذافي الانتقال إلى حي آخر أقل في كثافته السكانية بالطرف الغربي من المدينة. وبدافع الخوف من افتضاح أمرهم، تنقل القذافي وحراسه بين المنازل المهجورة، يكافحون من أجل العثور على مصدر غذاء يعتمد عليه. وأخذ الديكتاتور، الذي حكم بلاده بقبضة حديدية لمدة طويلة، والذي اختلس مليارات الدولارات من الثروة النفطية لمنفعته الشخصية، وحراسه، يبحثون في الخزانات بالمنازل الخاوية عن معكرونة وأرز. وقد تعرضت كثير من خزانات المياه للتلف أثناء القتال، مما جعل من الصعب الحصول على مياه شرب نظيفة.

 

على مدار أسابيع، "قضى القذافي معظم وقته في قراءة القرآن الكريم والصلاة"، هذا ما ذكره ضو لاحقا لمنظمة "هيومان رايتس ووتش". وأضاف: "لم تكن هناك اتصالات أو جهاز تلفزيون أو أي شيء". كان لديهم هاتف فضائي يستخدمونه في الاتصال بالأفراد الذين لديهم جهاز تلفزيون ويمكنهم أن يرووا الأخبار لهم. يسترجع ضو قائلا: "لم تكن لدينا التزامات. كنا فقط ننام ونصحو". ويضيف: "لم يكن لدينا ما نقوم به". كانوا ينتقلون من أماكنهم كل أربعة أو خمسة أيام، خشية أن يتم اقتفاء أثرهم. كان ذلك إما لتجنب إثارة الشك أو لأن هذا كان هو كل ما لديهم، استخدموا سيارتين فقط في الانتقال، اللتين أقلتا القذافي ومعاونيه في رحلات كثيرة.

 

ومع صعوبة اختبائهم، بحسب ضو، "تغير" القذافي، "إذ زادت عصبيته بدرجة شديدة. وفي الأغلب، كان عصبيا بسبب انقطاع الكهرباء وعدم وجود اتصالات أو جهاز تلفزيون، فضلا عن عدم قدرته على الاتصال بالعالم الخارجي. كنا نذهب لرؤيته والجلوس بصحبته لمدة نحو ساعة وتبادل الحديث معه، وكان لسان حاله يقول: (لماذا لا توجد كهرباء؟ لماذا لا توجد مياه؟)".

 

تحول الحي إلى معسكر للموالين للقذافي، المقيمين تحت حراسة ميلشيات استولت بدورها على مستشفى محلي وأحالته إلى عيادة ميدانية للمقاتلين الجرحى من المنطقة. وقد استولى المقاتلون الموالون المتمركزون، على أسلحة من الثوار، الذين أرسلوا قذائف مدفعية وقذائف غراد إلى الحي.

 

وفي 19 تشرين الأول (أكتوبر)، عرض المعتصم ابن القذافي، الذي أصبح أكثر قلقا، خطة على والده، ألا وهي أن يغادروا سرت، مخترقين صف الثوار الذين يفرضون حصارا على المدينة. وافق القذافي على تلك الخطة. وفي وقت متأخر من تلك الليلة، بدأ ضباط الحرس الشخصي للقذافي حمل العدد القليل من السكان المتبقين بالحي والمصابين بالعيادة في موكب يضم نحو 50 سيارة، معظمها شاحنات بأربع عجلات. وكانت الشاحنات محملة بأسلحة، بعضها محمل بمدافع رشاشة أو مدافع مضادة للطائرات محمولة على الظهر.

 

خطط المعتصم للتحرك في الساعة الثالثة والنصف أو الرابعة صباحا. غير أن تنظيم الموكب استغرق فترة أطول مما توقع. لم يأخذوا أهبة الاستعداد حتى الساعة الثامنة صباحا، وهو الوقت الذي كانت فيه الكثير من ميليشيات الثوار قد عادت إلى مواقعها، وكانت تنبعث من المنطقة الصحراوية المنبسطة أضواء لامعة. ليس من الواضح السبب وراء مضي المعتصم وأبيه قدما في خطتهما، مع أن الظروف كانت غاية في السوء، ربما ظنوا أنهم لن يستطيعوا الانتظار حتى العشية المقبلة، ربما لم يرغبوا في فقدان زخمهم، أو ربما كانوا فقط يائسين. اتجهوا إلى الغرب، عبر الأحياء المهجورة على طول الساحل.

 

هاجم الثوار الموكب على الفور، حيث دفعوا بهم إلى الشوارع الضيقة بالحي. اتجهت الشاحنات إلى طريق مفتوح، ثم تحولت إلى الجنوب؛ ليس من الواضح ما إذا كانت هذه دائما هي الخطة، أو ما إذا كانوا قد غيروا اتجاههم لتفادي الثوار. على الفور، حطت قذيفة بجوار سيارة القذافي. كان الانفجار قويا جدا إلى حد أن الوسائد الهوائية قد تضخمت، بحسب ضو الذي أصابته شظية جراء التفجير.

 

اتجه الموكب، الذي كان يبدو عليه الذعر، نحو الغرب مجددا، عائدا إلى شوارع الأحياء. قبل فترة طويلة، جروا مباشرة صوب قاعدة خاصة بميلشيات الثوار. كان الثوار من مصراتة، المدينة التي قد فرضت عليها قوات القذافي حصارا لعدة أسابيع، يقذفون القنابل العنقودية على الأحياء ذات الكثافة السكانية العالية، بحيث تتحول إلى ما وصفه أكثر من واحد من السكان بـ"جحيم". هاجم الموكب الثوار بشكل مباشر، وهو خطأ تقني آخر وقعوا فيه، إذ سرعان ما تم تحديد مواقعهم. أسقطت طائرات "الناتو" المقاتلة قذيفتين موجهتين بالليزر، وزن كل واحدة منهما 500 رطل، حيث أمطرت الموكب بوابل من شظايا القذيفتين المتناثرتين، وبدأت سلسلة من التفجيرات مع اشتعال الشاحنات المحملة بالذخيرة الحربية.

 

اتجه القذافي وابنه المعتصم ووزير دفاعه وحارس شخصي مصاحب إلى منزل مهجور، حيث تبعهم الثوار. يسترجع ابن وزير الدفاع الذي هرع لتأمين القائد قائلا: "وجدنا معمر هناك، مرتديا خوذة وقميصا واقيا من الرصاص. كان لديه مسدس في جيبه ويحمل سلاحا آليا".

 

قاد المعتصم فريقا مؤلفا من قرابة 10 مقاتلين من أجل محاولة إعادة فتح الطريق، محادثا أبيه بقوله: "سأحاول أن أجد مخرجا من هنا". سرعان ما تم اعتقاله، وفي غضون ساعات، تم قتله.

 

يتذكر ابن وزير الدفاع قائلا: "بعدها، بدأ قصف الفيللا، ومن ثم، فررنا من هناك". جرى القذافي ونحو عشرة من معاونيه بأقصى سرعة عبر ساحة مفتوحة متجهين نحو أنبوب تصريف تحت الطريق. اندفعوا وزحفوا خلاله، غير أن الثوار اقتفوا أثرهم "مباشرة"، عند ظهورهم، بحسب ما أدلى به شهود عيان لمنظمة "هيومان رايتس ووتش".

 

وفي المعركة التالية، حاول أحد حراس القذافي إطلاق عدة قذائف على الثوار، اصطدمت إحداها بجدار إسمنتي وحطت بالقرب من القذافي. انحنى الحارس لاستعادة القذيفة عندما انفجرت، مما أدى إلى بتر ذراعه وإصابة كل من القذافي ووزير دفاعه. قال ابن الوزير: "جريت نحو والدي، لكنه لم يجبني عندما سألته عما إذا كان على ما يرام". وأضاف: "أبصرت القذافي ينزف"، على ما يبدو من جرح في رأسه. انهار فريق الحرس.

 

وسرعان ما هبط الثوار من الطريق، حيث ذكر كثير منهم لاحقا أنهم صدموا لرؤية القذافي على هذه الحال. تحول مجموعة الثوار سريعا إلى حشد غفير يحيط بالديكتاتور السابق، ويوجه له الضربات، ويجذبه من شعره. طعن شخص من بين الجموع القذافي في مؤخرته بحربة. تحدث قائد للثوار إلى منظمة "هيومان رايتس ووتش" قائلا: "كان مشهدا عنيفا، وضع على واجهة شاحنة حاولت أن تقله بعيدا، ولكنه انزلق منها". يضيف: "فهمنا أنه كان يجب أن تجرى محاكمة، ولكننا لم نستطع السيطرة على الجميع، فبعضهم تصرف على نحو يخرج عن نطاق سيطرتنا".

 

ليس من الواضح، على وجه التحديد، ماذا حدث بعد ذلك. بيد أن مقطع فيديو مسجلا على الهاتف للمشهد يعرض، بحسب "هيومان رايتس ووتش": "جثمان القذافي شبه عار محمولا في عربة إسعاف، مما يشير إلى أنه ربما كان قد لقي مصرعه في الوقت الذي غادر فيه منطقة احتجازه". وبعد ساعتين، وصلت سيارة إسعاف إلى مصراتة، وبدأت صور جثة القذافي تنتشر في وسائل الإعلام بمختلف أنحاء العالم.

 

ربما لا يعرف العالم مطلقا من قتل معمر القذافي. ربما تكون إحدى الإصابات التي تعرض لها، من بينها الإصابة التي لقيها جراء تفجير قنبلة، قد أودت بحياته، أو ربما لقي مصرعه جراء الضرب الذي لقيه من الجموع الغاضبة. ربما تم إعدامه قبل أن يحمل على متن سيارة إسعاف، أو في وقت ما بعد أو قبيل وصوله مصراتة. جاء في تقرير "هيومان رايتس ووتش": "بعض مقاتلي الميليشيات من بنغازي يزعمون أنهم أردوا القذافي قتيلا أثناء نزاع مع مقاتلي مصراتة حول المكان الذي يمكنهم اصطحابه إليه، لكن مزاعمهم ما زالت غير مؤكدة". قامت الحكومة الانتقالية، التي لم تكن ترغب في جذب الانتباه، بدرجة كبيرة، إلى المكان المدفون فيه القذافي، بدفنه في مكان سري في الصحراء الليبية. لا يحمل القبر الذي يتشارك فيه القذافي مع وزير دفاعه وابنه المعتصم أي علامة مميزة.