خبر وطن يهزمه أبناؤه..فهمي هويدي

الساعة 03:24 م|18 أكتوبر 2012

لا تخلو متابعة المشهد المصري من الخارج من ميزة، ذلك أن البعد الجغرافي يبعد المرء عن التفاصيل، ويتيح له ألا يغرق فيها. وقد تورطت مرة واحدة في مشاهدة برنامج حواري مصري على إحدى الفضائيات نقل إليّ مشاعر التوتر والتحريض التي اشترك فيها مقدم البرنامج مع ضيوفه، فقررت ألا أعود إلى ذلك، وأن أكتفي بالقراءة دون المشاهدة، التي كان الكمبيوتر مصدرا أساسيا لها.

كنت في تركيا خلال أيام ذروة الأزمة أشارك في مؤتمر دولي كبير رتبه «منتدى أسطنبول» الذي أراد له الأتراك أن يكون منافسا لمنتدى دافوس الذي مقره سويسرا، وتلتقي فيه النخب لمناقشة مختلف أمور المستقبل في العالم، خصوصا ما كان اقتصاديا منها. ولأن ما جرى في مصر أخيرا ترددت أصداؤه في قاعات المؤتمر وأروقته، فسأكتفي بذكر تعليقين مما سمعته، أحدهما من خبير تركي يقال إن ما تعيشه مصر ليس بعيدا تماما عما مرت به تركيا منذ ستينيات القرن الماضى، حيث بدا أن تركيا وقعت فى قبضة مثلث ظلت تعانى منه طيلة أربعين عاما، ولا تزال له ذيول نشطة حتى الآن.

رأس المثلث هو الجيش الذى أمسك بخيوط الحياة السياسية، أما ضلعاه فتمثلا فى القضاء والنيابة من ناحية، ومعسكر التطرف العلمانى من ناحية ثانية. فالقضاء وفر الغطاء القانونى للعسكر، وكان عصاته التى قمعت معارضيهم، أما المتطرفون من العلمانيين فقد ظلوا الحليف الجماهيرى للعسكر طول الوقت، التعليق الثانى سمعته من أحد الباحثين العرب الذى قال لى إن الصراعات الحاصلة فى مصر بين السلطة وبين القوى السياسية المناوئة ليس فيها منتصر ومهزوم لأن المهزوم الحقيقى فيها هو الثورة المصرية التى يتآكل رصيدها فى الخارج حينا بعد حين بما يرفع من معنويات المتربصين والشامتين فى خارج مصر.

من متابعتى للصورة من الخارج، ومن قراءاتى للصحف المصرية خرجت ببعض الملاحظات التى أوجزها فيما يلى:
● إن الأزمة من بدايتها إلى نهايتها تعد معركة قاهرية بين بعض شرائح النخب والقوى السياسية، وكان الإعلام ساحتها الأساسية، ولم يكن الشعب المصرى طرفا فيها، ولا همومه وأولوياته كانت ضمن عناوينها أو مقرراتها.
● إن الكيد والاصطياد كانا واضحين فى مواقف بعض الأطراف التى عبرت عن غيرتها على حرمة القانون واستقلال القضاء وكرامته. وهى غيرة لم نرَ أثرا لها حين تم تزوير الانتخابات تحت أعين القضاة، وحين تقرر تسفير الأمريكيين المتهمين فى قضية التمويل الأجنبى، فى حين أنهم كانوا محبوسين بأمر النيابة، ومن الأصوات التى علت إبان الأزمة، وفى سياق المزايدة على الجميع من وصف شباب الثورة بـ«الرعاع»، واستنكر انضمام بعض القضاة إليهم.
● إن قيادات نادى القضاة التى تضامنت مع النائب العام استخدمت فى التراشق والتجاذب لغة كان ينبغى أن يترفعوا عنها، الأمر الذى أساء إلى صورتهم المقررة والموقرة فى الذهن العام. حتى كان العنف اللفظى الذى صدر عنهم ليس مختلفا كثيرا عن العنف المادى والجسدى الذى يمارسه البلطجية «والشبيحة».
● إن قرار نقل النائب العام وإبعاده عن منصبه سفيرا لدى الفاتيكان لم يدرس جيدا، سواء من زاوية مآلاته أو بدائله، الأمر الذى أوصل الأمور إلى ما وصلت إليه.
● إننا لم نفهم موقف النائب العام الذى تعددت الروايات بشأن ما جرى معه، فقد ذكر وزير العدل المستشار أحمد مكى أنه حين عرض عليه الأمر فإنه طلب أن يعين سفيرا فى دولة أى دولة عربية لأنه لا يجيد اللغات الأجنبية، إلا أن المكان الشاغر الوحيد كان لدى الفاتيكان. وقد قبل بالعرض الذى نقل إلى الرئيس فأصدر قراره. إلا أن الدكتور عبدالمجيد محمود النائب العام وقع على طلب مقدم إلى الرئيس ذكر فيه أن موافقته على النقل كانت «ملتبسة»، لكنه بعد ذلك قال فى لقاء صحفى إنه رفض النقل. لم أفهم مصطلح الموافقة الملتبسة. لكننى أيضا لم أفهم كيف أنه ذكر المصطلح فى طلب مكتوب ثم أعلن نقيضه فى اللقاء الصحفى، وما أثار الحيرة أيضا أن كلام النائب العام جاء مناقضا لرواية وزير العدل، الأمر الذى يعنى أن شهادة، أحدهما لم تكن صادقة على نحو يجرح عدالته ويجعله غير جدير بالثقة.
● إن موقف الإخوان الذين خرجوا إلى ميدان التحرير، واشتبكوا مع معارضى الرئيس مرسى، كان مسيئا إلى حد كبير، ولأننى سمعت أكثر من رواية لما جرى، فإننى لا أستطيع أن أحمل أحد الطرفين مسئولية الاشتباك الذى أوقع الجرحى والمصابين، ورغم ذلك فإن مبدأ الدفع بحشد للإخوان لمواجهة الآخرين لم يكن صائبا بالأساس.
● أكرر أخيرا ما ذكرته من أن المواجهة لم تكن جماهير الشعب المصرى طرفا فيها، ولا مصالحة مدرجة ضمن عناوينها، الأمر الذى يثير السؤال التالى: هل خلت الساحة من مثقفين ونخب مشغولة بالهموم الحقيقية للشعب؟