خبر صانع سلام تقريبا- هآرتس

الساعة 10:37 ص|18 أكتوبر 2012

بقلم: جدعون ليفي

        (المضمون: لم يوجد ولا يوجد وقد لا يوجد من زعماء اسرائيل من طمح حقا الى احراز سلام مع العرب بعكس ما تُصرح به وسائل الاعلام الاسرائيلية - المصدر).

        مرة كل بضع سنين، قبل الانتخابات على نحو عام، تنشر قصة كالتالي: كان سياسي اسرائيلي على مبعدة لمسة عن احراز السلام. بعد شهرين فقط، لو أُعطي اسبوعين ايضا لكان السلام الكبير قد وقع الى الأبد.

        شمعون بيرس أحرز السلام تقريبا – تقريبا في "اتفاق لندن"؛ واهود باراك تقريبا – تقريبا في كامب ديفيد؛ وباراك تقريبا – تقريبا في شباردز تاون؛ واهود اولمرت تقريبا – تقريبا مع محمود عباس ومع بشار الاسد ايضا، وكانت تسيبي لفني ايضا قريبة مع احمد قريع (أبو العلاء)، وكانت اوسلو ايضا سلاما تقريبا – تقريبا ايضا. ان اليمين "غاضب" كعادته – فاحراز اتفاق، كل اتفاق، أمر معيب في اسرائيل – فشبه الساسة ومحللو بلاطهم يدحرجون النجاح تقريبا للسلام تقريبا الى ان يأتي الانكار على نحو عام وتموت قصة السلام تقريبا الآخر موت قُبلة.

        كانت الصيحة الاخيرة في هذا المجال ان بنيامين نتنياهو أحرز تقريبا – تقريبا سلاما مع سوريا. وعاد النص المكرر مرة اخرى: تسريب وعيب وغضب وإنكار. كتب زميلي آري شبيط هنا هذا الاسبوع ان بنيامين نتنياهو أدار "مسيرة سياسية مركبة بحكمة وشجاعة وإبداع" (فضائل نتنياهو، 15/10). وحدث ذلك بعد ان تبين ان "محمود عباس يُضلل نتنياهو". لكن بالون السلام هذا ايضا لفظ أنفاسه سريعا فقد أسرع نتنياهو الى إنكار ذلك. فليس شخص مثله يتنازل عن الجولان وهذا يعني بالعبرية: ليس شخص مثلي يحرز سلاما مع سوريا.

        ان المسيرة السياسية (المركبة) التي أُديرت بـ "شجاعة" و"إبداع" لم تلد شيئا، وكان ذلك هذه المرة ايضا بسبب العرب بالطبع، أعني الربيع العربي. لكن كل هذا يصبح قزما بالطبع بازاء الانجازات: "توصل نتنياهو الى انجازات لم يتوصل اليها أي رئيس وزراء سبقه"، كتب شبيط. الى هذا الحد.

        لندع الانجازات "المجهولة"، والابداع "الخفي"، والشجاعة "الكامنة" وعباس الذي ضلل نتنياهو (!)؛ فلن نبحث عمن يفوقنا روعة. لكن الذين لا يطلعون على أخفى أسرار المسيرة السياسية ايضا والذين لا يعرفون كيف يُقدرون تقديرا صحيحا حفيف أجنحة الآلهة صانعة السلام في الأعالي وفي ديوان رئيس الوزراء، يستطيعون هم ايضا ألا يتأثروا بالظاهرة المكررة مرة بعد اخرى. في القدس ساسة عظام ونتنياهو بالطبع هو أعظمهم وأشجعهم، وهم يريدون جدا صنع سلام لكن الظروف فقط أو الزمان أو الارهاب أو العرب أو الربيع – ما سبق منها – يمنعهم من ذلك في آخر لحظة حقا.

        لكن الحقيقة المرة هي أنه لم ينشأ الى الآن في القدس سياسي أراد حقا احراز سلام. وفي اليوم الذي ينشأ فيه سياسي اسرائيلي يريد وضع حد لجميع احتلالات اسرائيل، سيتبين له إن لم يكن ذلك متأخرا جدا، ان عمل احراز السلام أسهل مما كان يبدو من قبل. وستكفي الارادة الصادقة والشجاعة وكل ما سواهما سيأتي من تلقاء نفسه تقريبا. ان ما لا يُحصى من خطط السلام المفصلة وركام الأوراق يعلوها الغبار في الأدراج منذ كانت خطة روجرز الى مبادرة السلام العربية، وكلها ترمي الى الهدف نفسه وهو انهاء الاحتلال، وكلها تتحدث باللغة نفسها وتوجد حاجة فقط الى نية تحقيقها وهي مفقودة، انها مفقودة دائما.

        ينضم نتنياهو الآن ايضا الى البانتئون الوطني لصانعي السلام تقريبا على اختلاف أجيالهم، على صوت هتاف مؤيديه الحمقى. قد يكون هو أعظم الجميع، لكن هل يغير هذا شيئا، لأنه لم يُحرز شيء. وحينما كان صانعو السلام هؤلاء يوشكون ان يحرزوا السلام، شاركوا جميعا حتى آخر واحد فيهم في بناء المستوطنات وتثبيت الاحتلال وتقوية قبضته، وأنشبوا بين فينة واخرى حربا اخرى لا داعي اليها آثمة، ووجدوا دائما ذرائع تُبين لماذا نعم لكن ليس الآن.

        كان ذلك الارهاب مرة وبعد ذلك ياسر عرفات وبعد ذلك محمود عباس، وبعد ذلك حماس، وفي النهاية الربيع العربي وبشار الاسد. لم ينشأ شيء في منطقة عظماء الأمة هذه ولا يمكن ان ينشأ شيء ايضا. ان الدولة الأشد طلبا للسلام في العالم والتي يُحيي سكانها بعضهم بعضا بتحية السلام على أنها أمر عادي، تؤمن بأن صانع السلام هو في الأعلى فقط لا في القدس.