خبر الحـرب الديموغرافيـة في فلسـطيـن: لا غالبيـة يهوديـة .. باعتـراف إسـرائيـل

الساعة 04:06 م|17 أكتوبر 2012

كتب: حلمي موسى

منذ سنوات طويلة تدور على الأرض المقدسة رحى معركة ليست الذخائر فيها سوى البشر تدعى «الحرب الديموغرافية»، التي كثيراً ما أثارت اتهامات وبلورت نظريات حول العنصرية والترحيل والفصل. وقد استندت هذه المعركة إلى حقيقة واحدة، وهي أن قيام وبقاء الدولة اليهودية مرتبطان أصلاً بمدى النجاح في توفير غالبية يهودية في هذه الدولة، التي كان اليمين فيها يصرّ على أنها تمتد على كل أرض فلسطين التاريخية ثم دخل مرحلة التراجع ليؤكد على غالبية هذه الأرض. وأدرك بعض القيادات الفلسطينية عناصر هذه المعركة فبات يتحدث عن «الرحم الفلسطيني» وكأنه «السلاح النووي» الحاسم والرادع.

وعلى مر السنين، دارت حتى بين خبراء الإحصاء وعلماء السياسة معركة موازية حول العدد الحقيقي للفلسطينيين والإسرائيليين. واستخدم البعض الأرقام الصحيحة أو المختلقة بطرق شتى لتبرير موقف سياسي أو تهديدي حول خطر الدولة الواحدة، كبعض الفلسطينيين والإسرائيليين، وإما تصالحي بهدف إنشاء دولتين. وعلى الدوام، كان العنصر الديموغرافي

حاضراً، وبقوة، لأن الأرض كانت «الاسم الحركي» للصراع، ولم تكن تعني الكثير للإسرائيلي إن بقي العربي عليها.

وفي الأيام الأخيرة، أعلنت دائرة الإحصاء المركزي الإسرائيلي، الخاضعة لإمرة رئاسة الحكومة، أن تعداد السكان في الأرض الواقعة بين نهر الأردن والبحر المتوسط بلغ 12 مليوناً. والمثير أنه وللمرة الأولى تعترف هذه الدائرة بأن عدد اليهود ضمن هذا الإحصاء هو 5,9 مليون نسمة، أما غير اليهود فعددهم 6,1 مليون نسمة.

وكتب المعلق في صحيفة «هآرتس» عكيفا ألدار أنه «بين ثنايا سطور هذا الإعلان يستتر إقرار رسمي بالغ الأهمية، أن حكومة إسرائيل تقرّ، أنه بين البحر والنهر لا توجد غالبية يهودية. بكلمات أخرى في الأراضي الخاضعة لسيطرة إسرائيل يوجد نظام تفرقة عنصرية، أقلية يهودية تسيطر على غالبية عربية».

والواقع أن خطاب اليمين الإسرائيلي شهد تغييرات تجاه المسألة الديموغرافية في السنوات الأخيرة. ومن هنا يأتي إعلان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في جامعة بار إيلان، عن تأييده لحلّ «دولتين لشعبين» ولكن بشروطه. وبالرغم من أن الإعلان جاء إلى حد ما تلبية لضغوط أميركية إلا أنه عبّر في الواقع عن إدراك زعيم اليمين لتعقيدات الواقع الديموغرافي. وهذا ما تجلى بشكل صارخ في حديثه أمام حكومته قبل أكثر من عام عن فضائل الانفصال عن الفلسطينيين في الضفة الغربية. وتضمن كلامه حينها ولأول مرة استعداداً «للتنازل» الصريح عن أجزاء في الضفة الغربية، حين أشار إلى أن عدد الفلسطينيين بين النهر والبحر «غير ذي شأن»، وأن الأهم هو «الحفاظ على غالبية يهودية صلبة داخل دولة إسرائيل».

وقال نتنياهو في ذلك النقاش إن «السجال حول عدد اليهود وعدد الفلسطينيين بين البحر والنهر ليس ذا شأن. ولا يهمني إن كان الفلسطينيون نصف مليون أكثر أو أقل، لأن لا رغبة عندي أبداً في ضمهم إلى إسرائيل. أنا أريد الانفصال عنهم، حتى لا يصيروا مواطني دولة إسرائيل. ما يعنيني هو تواجد غالبية يهودية صلبة داخل دولة إسرائيل، داخل حدودها، التي سوف يتم ترسيمها».

وجاء هذا الكلام عندما ناقشت حكومة نتنياهو تقرير معهد «سياسات الشعب اليهودي» حول التغييرات الديموغرافية المتوقعة في إسرائيل والضفة الغربية. وألمح هذا التقرير إلى خلاصات عالم الإحصاء سيرجو ديلافرغولا التي بيّنت أن الميول الديموغرافية ستقود خلال بضع سنوات إلى نشوء غالبية عربية بين النهر والبحر. وبديهي أن كلام نتنياهو حول الغالبية الصلبة داخل أراضي دولة إسرائيل لم يرق حتى لوزرائه من اليمين المتطرف.

وينقل ألدار عن مصادر أجنبية تأكيدها أن اليهود غدوا أقلية في أراضي فلسطين الانتدابية منذ بضع سنوات، ولكن هذه المرة جاء التأكيد من جهة رسمية إسرائيلية. وأوضح أن الألاعيب التي بدأ بعض قادة اليمين في ترويجها عبر محاولة حسم عدد سكان قطاع غزة من المعادلة بادعاء أن إسرائيل انفصلت عنه ليست مقنعة.

ويبين ألدار أن تعبير «الأبرتهايد» (الفصل العنصري) استخدم في مقالة في مجلة «فورين بوليسي» على موقعها الإلكتروني نقلاً عن «تقرير سري جديد» صاغته ما لا تقل عن 16 وكالة استخبارية أميركية. ويقارن التقرير بين نظام التفرقة الإسرائيلي ونظام «الأبرتهايد» في جنوب أفريقيا. وقد كتب هذه المقالة فرانكلين لامب الذي أوضح أن «التقرير السري» يحذر من أن «الربيع العربي» و«اليقظة الإسلامية» سيشجعان 1,2 مليار مسلم على مصارعة ما يعتبرونه «الاحتلال الأوروبي غير الأخلاقي لفلسطين». ويشير إلى أن التقرير يتهم إسرائيل بالتدخل في الشؤون الداخلية الأميركية، عبر 60 تنظيماً و7500 موظف. ويوصي الولايات المتحدة بأن تتخلى عن إسرائيل التي يعرض وجودها المصلحة الأميركية للخطر في التقارب مع العالم العربي والشعب الإيراني.

ولكن التقرير السري الجديد لا يقلق نتنياهو والإسرائيليين لأنهم يعرفون أنه لا تتوفر حتى الآن، وقد لا تتوفر في المستقبل المنظور، إدارة أميركية يمكنها أن تبني سياستها الخارجية على أساس التخلي عن إسرائيل.