خبر وفاء الأحرار " وما عليها من مآخذ- عبد الناصر فروانة

الساعة 10:06 ص|17 أكتوبر 2012
 
  
كنت قد تطرقت في مقالة سابقة نشرتها بالأمس عن الانتصارات الثلاثة لصفقة " وفاء الأحرار " ، وفي مقالتي هذه سأتطرق إلى ما عليها من مآخذ وثغرات واكبت الصفقة وهي ثلاثة أيضاً ، حتى تكتمل الصورة ويكتمل تقييمنا المتواضع للصفقة .
ولكن من الأهمية بمكان التأكيد على أن تسليطنا الضوء عليها ( لا ) ينتقص من قيمة ومكانة الصفقة ، و( لا ) يقلل من شأنها وعظمتها ، وإنما يندرج في سياق تقييمنا الموضوعي للاستفادة واستخلاص العبر .
ولعل أبز تلك المآخذ والثغرات يمكن تلخيصها بثلاثة نقاط هي :
 
أولها : لها علاقة بالمفاوض وإدارته للأزمة وعدم تمسكه بالمواقف والشروط المعلنة في أوقات سبقت إتمام الصفقة ، وعدم امتلاكه لقاعدة بيانات شاملة ودقيقة حول الأسرى والأسيرات وهذا تجلى في الإعلان عن أعداد خاطئة للأسيرات ولذوي الأحكام المؤبد .
 
وثانيها : ضبابية النصوص وغياب الوضوح والدقة والإلزامية ، وربما هذا ما أتاح لسلطات الاحتلال بتفسيرها كما تشاء وتهربها وتنصلها من بعضها وإعادة اعتقال البعض منهم بحجة عدم التزامهم ببنود الصفقة ، وضبابية المعلومات حول موعد وأحقية المبعدين بالعودة إلى ديارهم وأماكن سكناهم.
 
أما الثغرة الثالثة فتتمثل بغياب الضمانات الفعلية التي يمكن أن تُلزم الاحتلال بترجمة كاملة وحرفية لكل ما ورد في الاتفاقية .
 
مع التوضيح بأن تلك الثغرات الثلاثة أدت إلى نتائج مؤلمة أبرزها :
- استثناء تسع أسيرات أبرزهن الأسيرة " لينا الجربوني من المناطق المحتلة عام 1948 والمعتقلة منذ العام 2002 والتي لا تزال في السجن وتقضي حكما بالسجن لمدة 17 عاماً .
 - استبعاد العشرات من رموز المقاومة ومئات من الأسرى ممن يقضون أحكاماً بالسجن المؤبد لمرة أو لمرات .
- الإخفاق في تحرير كافة " الأسرى القدامى " ممن اعتقلوا قبل أوسلو وقيام السلطة الوطنية الفلسطينية في الرابع من مايو / آيار عام 1994 ، وممن عجزت " الإفراجات السياسية " عن تحريرهم ، وتكرار بعض أخطاء " أوسلو " حيث ( لا ) يزال منهم ( 111 ) أسيراً في سجون الاحتلال .
 
- الفشل في استعادة جثماني الشهيدين ( محمد عزمي فروانة – حامد الرنتيسي ) اللذين استشهدا خلال مشاركتهما بعملية " الوهم المتبدد " التي أسر خلالها " شاليط " .
 
- الموافقة على إبعاد ( 205 ) أسيراً من الدفعة الأولى إلى خارج مكان سكناهم لسنوات مختلفة ، ومنح " إسرائيل " الحق في اختيار أسماء الأسرى الذين سيسمح لهم بالعودة في السنوات المحددة كما هو وارد بالاتفاق دون إشراك الجانب الفلسطيني في تحديد تلك الأسماء ، ومن أبعدوا في اطار الصفقة كانوا كالتالي ( 163 أسيراً أبعدوا إلى غزة و ( 40 ) أسير أبعدوا إلى خارج فلسطين ، بالإضافة للأسيرتين مريم الطرابين وآمنة منى أبعدتا الى سوريا وتركيا ) ،   وهي نسبة كبيرة جدا وتشكل ما نسبته ( 46 % ) من مجموع الدفعة الأولى ،.
 
- الموافقة على الافراجات المشروطة لـ ( 52 ) أسيراً ممن أفرج عنهم لبيوتهم في الضفة الغربية والقدس في إطار الدفعة الأولى ، حيث كان الإفراج عنهم مشروطاً بإجراءات أمنية وسيضطرون للتوقيع مرة في الشهر أو ثلاثة مرات في أقرب مركز شرطة أو مركز للإدارة المدنية بإجراءات أمنية محددة.
 
- كان من الخطأ  تجزئة الصفقة إلى مرحلتين ، وإذا كان ولا بد منها كان من الأفضل تحديد معايير المرحلة الثانية وبنصوص واضحة وملزمة ، وعدم منح " إسرائيل " الحق الحصري في اختيار وتحديد أسماء المرحلة الثانية وعددهم ( 550 ) أسيراً ، دون مشاركة الجانب الفلسطيني أو حتى مجرد الإطلاع عليها ، مما أتاح للحكومة الإسرائيلية الفرصة بتفسير المعايير وتحديد الأسماء كيفما تشاء ، مما أفرغ الدفعة الثانية من مضمونها وجاءت عكس توقعات وتصريحات الكثيرين حيث أن غالبيتهم العظمى كانت محكومياتهم خفيفة ومتبقي لهم فترات بسيطة .
 
- غياب الضمانات مما أتاح لسلطات الاحتلال بانتهاك بنود الصفقة وتنصلها وتهربها من التزاماتها واستحقاقاتها وعدم التزامها أو مماطلتها بتطبيق بعض البنود والتفاهمات ، وما ترتب على ذلك من تصعيد خطير بحق الأسرى داخل السجون وإعادة اعتقال ثمانية أسرى من المحررين بالإضافة إلى إعادة اعتقال الأسيرة " هناء شلبي " وإبعادها لغزة بعد إضرابها المفتوح عن الطعام لمدة 44 يوماً.
 
تلك هي أبز المآخذ والثغرات والتي كنا نتمنى أن لا تكون ، وكنا نحلم بصفقة شاملة ومتكاملة تحقق ما عجزت عن تحقيقه العملية السلمية وأن تضمن إطلاق سراح كافة الأسرى القدامى ورموز المقاومة والقيادات السياسية وذوي أحكام المؤبد والذين يصل عددهم لأكثر من خمسمائة أسير ، وكافة الأسيرات والأطفال والمرضى والمعاقين ، بالإضافة إلى استعادة جثماني الشهيدين اللذين استشهدا خلال مشاركتهما بعملية " الوهم المتبدد " التي أسر خلالها " شاليط " وهما ( محمد عزمي فروانة – حامد الرنتيسي ) .
 
ولكن وعلى الرغم من ذلك ، فان سجل أعلاه لم ولن يؤثر على روعة الصفقة وانجازاتها التاريخية وانتصاراتها الثلاثة .. وستبقى مفخرة لنا ولشعبنا وعلامة مضيئة في تاريخ شعبنا الفلسطيني ومقاومته الباسلة  .