خبر المنظومة المتغيرة للقوى- إسرائيل اليوم

الساعة 10:58 ص|12 أكتوبر 2012

 

 في الشرق الاوسط

بقلم: دوري غولد

اثبتت الاحداث في الاسبوعين الاخيرين في الشرق الاوسط مرة اخرى التحولات الجوهرية التي تجري على المنطقة وتغير تماما نظام القوى التي تصوغها. نذكر في هذا السياق المدافع التركية التي اطلقت النار على شمال سوريا بعد اطلاق قذائف الرجم على ارضها والتي قتلت عائلة وفيها خمسة اشخاص. بعد ذلك فوض البرلمان التركي الجيش ان يعمل بريا في داخل سوريا ايضا. وفي حين كان تبادل النيران مستمرا بين الجيشين حذر رئيس تركيا عبد الله غول من ان "اسوأ سيناريو كنا نخشاه قد اخذ يتشكل". واضاف رئيس الوزراء الطيب اردوغان قائلا: لسنا بعيدين عن حرب.

ان القوة التركية تلقي ظلها اذا على الدول العربية وفي مقدمتها جارتها من الجنوب سوريا. بعد ان بدأت تركيا التعبير عن موقفها بالنسبة لبنية النظام بعد عهد الاسد، عبر وزير الاعلام السوري عن المخاوف العربية ذات الجذور التاريخية من تركيا وزعم انها تسعى الى السيطرة على العالم العربي بتعيين قادته، واحتج الوزير السوري بلغته على الوقاحة التركية قائلا: "ليست تركيا هي الدولة العثمانية".

ينبغي ان نذكر ان العراقيين ايضا اصبحوا يشعرون بقوة الحضور التركي في المدة الاخيرة. واستقر رأي المجلس الوزاري المصغر العراقي في مطلع الشهر على الغاء الاتفاقات مع تركيا التي كانت تُمكّن من وضع قواتها على ارض العراق في الـ 16 سنة الاخيرة.

الى جانب تطورات في الميدان السوري اثارت من جديد مسألة مكانة تركيا في الشرق الاوسط، حصرت صحيفة "نيويورك تايمز" في الثاني من تشرين الاول عنايتها في جهة اخرى من الشرق تسعى الى احراز هيمنة على المنطقة وهي ايران. فقد نشرت الصحيفة تقريرا عن الجنرال قاسم سليماني قائد قوة القدس التابعة للحرس الثوري وكان عنوانه "المتحكم بفوضى العراق ما يزال يضايق الولايات المتحدة". وعلى حسب التقرير الذي اعتمد على مراسلة امريكية داخلية، كان سليماني هو الشخص الايراني الرفيع المنزلة صاحب التأثير في السياسة الداخلية في العراق وفي نقل المساعدة العسكرية الى نظام الاسد.

وفي سياق مشابه اوردت صحيفة "الغارديان" البريطانية في السنة الماضية تقريرا عن ان سياسيا عراقيا نقل في سنة 2008 رسالة الى الجنرال ديفيد باتريوس كتب فيها: "ايها الجنرال باتريوس عليك ان تعلم انني أنا، قاسم سليماني، اسيطر على السياسة الايرانية نحو العراق ولبنان وغزة وافغانستان". وقد حقق هذا التقرير جزئيا في شهر كانون الثاني الاخير حينما اوردت وكالة الانباء الايرانية "إسنا" انه في خطبة تناول فيها سليماني لبنان والعراق قال: "هاتان المنطقتان تخضعان بطريقة ما لسيطرة الجمهورية الاسلامية الايرانية ونهجها العقائدي". وفي الشهر الماضي اعترفت ايران لاول مرة بأن نشطاء من قوة القدس وضعوا في لبنان وسوريا.

ولما كان الامر كذلك فان شهادات مختلفة تدل على تغلغل عسكري أخذ يقوى ويزداد عمقا لتركيا ولايران الى قلب العالم العربي. وقد افضى هذا التطور الى تغيير وجه منظومة عوامل القوة في الشرق الاوسط.

في مدى اكثر الفترة منذ كانت الحرب العالمية الثانية اعتاد المفكرون والساسة في العالم العربي القاء ذنب عدم التقدم في بلادهم على وجود قوى "الاستعمار الغربي" التي دخلت الشرق الاوسط لاول مرة مع غزو نابليون لمصر في سنة 1798. وبعد ان غادرت فرنسا الجزائر في 1962 واعلنت بريطانيا انسحابا من شرق السويس في 1968، اصبح الامريكيون هم القوة الغربية الوحيدة الباقية في المنطقة.

يسود الشرق الاوسط الآن تقدير ان الولايات المتحدة توشك ان تخرج قواتها من المنطقة كما فعلت بريطانيا وفرنسا قبلها. لكن العالم الغربي المعني بأن يتولى مصيره بيده يواجهه تحدي لا يستهان به بازاء تدخل ايران وتركيا الذي أخذ يزداد وهما القوتان اللتان سيطرتا على المنطقة في الماضي قبل ان ينزل جيش نابليون على سواحل مصر.

لن تعترف ايران وتركيا بأن هذه خططهما لكن يمكن ان نجد اشارات الى ذلك. فقد اتهم منتقدو وزير الخارجية التركي احمد اوغلو اتهموه بأنه متأثر بـ "الأحلام العثمانية الجديدة". وفي تشرين الاول 2009 قال في سراييفو ان "البلقان والقفقاس والشرق الاوسط كانت في وضع افضل حينما كانت تحت الحكم العثماني او التأثير العثماني".

وفي تناوله للحروب التي نشبت في هذه المناطق قال اوغلو ان "تركيا تعود"، واراد بذلك ان يرسل رسالة تقول ان تركيا قد تؤدي دورا اكثر فعالية في هذه الصراعات. تتحدث جهات تركية في الحقيقة عن استعمال "القوة اللينة" لاحراز تأثير لكن حكومتهم تجد نفسها تجر اكثر فاكثر الى خضم الحرب الاهلية في سوريا.

كشف عن خطط ايران في انحاء الشرق الاوسط لتدخلها الذي اخذ يزداد في العراق ولبنان غزة، والتمرد الشيعي في البحرين وتمرد منظمة الحوثيين الشيعية في اليمن والمساعدة التي بذلتها لنظام الاسد لقمع التمرد السني. وفهمت السعودية ان حرب الولايات المتحدة لنظام صدام حسين في العراق في 2003 ستفضي الى تاثير ايراني في العراق. وشكى الملك عبد الله من ذلك في حضرة شخص امريكي رفيع المستوى قائلا "انت مكنت الفرس الصفويين من السيطرة على العراق". وتناول الملك السعودي في كلامه الدولة الصفوية التي حكمت ايران من 1501 الى بدء الدخول الغربي الى المنطقة في القرن الثامن عشر. وعلى حسب التصور السعودي فان خروج الغرب من الشرق الاوسط قد يؤدي الى عودة الدولة الصفوية بصورتها الحديثة.

سيكون اهم لتركيا وايران وهما القوتان الكبريان في القرن الثامن عشر واللتين تعودان لتصبحا مهيمنتين على المنطقة العربية، ان تصرفا انتباه الدول العربية عن التغيير التدريجي في ميزان القوى. وعلى ذلك يحتاج اردوغان التركي وخامنئي الايراني الى الصراع مع اسرائيل لصرف انتباه الدول العربية عن سعيهما الى الهيمنة. وفي المقابل قد ينشأ مجال مصالح مشتركة بين جهات اقليمية مختلفة واسرائيل في مواجهة تأثيرات الوضع الجديد.