خبر حلمي موسى:تنسيق حماس والجهاد تغيير قواعد اللعبة مع إسرائيل

الساعة 08:25 ص|10 أكتوبر 2012

السفير

هددت أوساط عسكرية إسرائيلية رفيعة المستوى بأنه ربما لن يكون هناك مفر من مواجهة التصعيد في قطاع غزة سوى عبر تنفيذ عملية عسكرية برية. وجاءت هذه التهديدات بعد ليلة مواجهات ساخنة تعرضت فيها مستوطنات ما يسمى بـ «غلاف غزة» لكمية كبيرة من الصواريخ التي فاجأت بعددها ونوعيتها والجهات المطلقة لها، القيادة الإسرائيلية. فيبدو أن الظروف حانت من وجهة نظر حركة حماس لتغيير قواعد اللعبة التي تعرفها إسرائيل.

ومن المهم الإشارة هنا إلى أن قواعد اللعبة التي ترسخت في الأشهر الماضية، وخصوصاً بعد جولة التصعيد التي قادتها حركة الجهاد الإسلامي، قضت بألا تبادر إسرائيل إلى عمليات في القطاع وبذلك تتجنب ردود الفعل. ويمكن القول إن إسرائيل، لأسباب كثيرة بينها التغييرات التي طرأت على الأوضاع في مصر، آثرت الحفاظ على هذه القواعد ولو موقتاً. لكن خلال الشهور القليلة الماضية برزت في المواجهة عناصر السلفية الجهادية التي أشهرت قفاز التحدي في وجه كل من مصر وإسرائيل وحتى في وجه حكم حماس لدرجة ما. وتفاقمت الخلافات بين حماس وهذه العناصر بعدما كادت عملياتهم في سيناء تهدد بقطيعة استراتيجية بين حماس وقطاع غزة من جهة ومصر من جهة أخرى. وخلال هذه الفترة نشطت إسرائيل ضد أفراد من هذه المجموعات السلفية الجهادية بشكل لم يستفز كثيراً لا الوضع العام في القطاع ولا حركة حماس.

وبين هذه العملية الإسرائيلية وتلك ضد جماعات السلفية الجهادية في القطاع كان الجيش الإسرائيلي يجس نبض القوى الأخرى في القطاع، سواء باستهداف بعض مواقعها عن قصد أو بسبب الخطأ في التشخيص خصوصاً في مناطق الاحتكاك المشترك. وعملياً وجدت حركة حماس نفسها في الآونة الأخيرة في نوع من الورطة جراء استمرار إسرائيل في التصعيد في القطاع من جهة، واتهامها من قبل الجماعات السلفية بمهادنة الاحتلال من جهة أخرى. وربما حالة الاستنفار في صفوف حماس جراء التغييرات في المحيط العربي وتفاقم الأزمة الاقتصادية في القطاع قادت إلى محاولة تغيير قواعد العمل التي كانت سارية. وهكذا شهدنا في اليومين الأخيرين نوعاً من رد الفعل المشترك بين حماس والجهاد الإسلامي شكل مفاجأة لإسرائيل.

ورأى المراسل العسكري لصحيفة «معاريف» أن إطلاق النار المشترك بين «كتائب عز الدين القسام» الجناح العسكري لحماس و«سرايا القدس» الجناح العسكري للجهاد الإسلامي، «هو عمل نادر بحد ذاته، جذب الانتباه أكثر من الرد نفسه». وأشار المراسل العسكري إلى تدهور العلاقات بين هذين الفصيلين في السنوات الماضية بعد سيطرة حماس على القطاع، وبالتالي فإن إعلانهما عن «تنسيق على أعلى المستويات في إدارة المواجهة» مع إسرائيل، كان مفاجئاً.

ومن الجائز أن هذا ما حدا بقادة إسرائيليين للتهديد بعملية واسعة في القطاع على شاكلة «الرصاص المسكوب» نهاية العام 2008. ونقلت الصحف الإسرائيلية عن هؤلاء القادة تقديرهم أن الرد المحتمل على «التصعيد الفلسطيني» الأخير هو الدخول البري إلى القطاع، وهذا كان تقدير رئيس الأركان الجنرال بني غانتس عند توليه مهمات منصبه.

غير أن التقديرات العسكرية شيء والتقديرات السياسية شيء آخر. صحيح أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، الذي يقترب من الإعلان عن انتخابات مبكرة، معني بإظهار جدول الأعمال الأمني والعسكري على حساب الاقتصادي ـ الاجتماعي، إلا أن الحسابات العامة تشير إلى المخاطر، التي لا تتمثل بمقدار الضرر المادي الذي قد يلحق بإسرائيل جراء الاصطدام مع المقاومة في غزة، ولا حتى بالضرر المعنوي الذي سيصيبها جراء الضرب في اللحم الحي في القطاع، وإنما أساساً بسبب الضرر السياسي. فحكومة نتنياهو تشعر بأن أهم إنجازاتها يتمثل في إبعاد القضية الفلسطينية عن الواجهة إقليمياً ودولياً. لكنها أيضاً تشعر بأن التغييرات الإقليمية، وخصوصاً في مصر، تفرض عليها أن تأخذ بالحسبان عواقب أي فعل عسكري في قطاع غزة، الأمر الذي أشار إليه المعلق العسكري لموقع «يديعوت» الإلكتروني، رون بن يشاي.

فقد أوضح بن يشاي أن تبادل الضربات بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في القطاع كان يمثل سلسلة منسقة من الضربات والضربات المضادة، على أساس قواعد ألعاب جديدة. وكتب أن هذه القواعد باتت محكومة باعتبارات مصرية من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وترمي إلى عدم التصعيد والإبقاء على النيران خافتة. وأشار إلى أن الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي تصرفا في المواجهة بشكل حذر ومن دون استخدام ثقل كل منهما. فإسرائيل معنية بالحفاظ على معاهدة السلام مع مصر، وحماس معنية بعدم توريط حكومة «الإخوان المسلمين» هناك في أية مجابهة غير متكافئة.

ويمكن القول إن حماس في القطاع تعود بشكل مختلف متناسب مع الظروف الجديدة إلى ما حكم في مطلع الستينيات العلاقة بين مصر والمقاومة الفلسطينية، وهو مبدأ «فوق الصفر وتحت التوريط». غير أن هذا المبدأ كان في حينه عسكرياً خالياً من أي بعد سياسي لأن السياسة لم تكن حينها بأيدي الفلسطينيين. فكيف سيستقيم هذا المبدأ مع وجود سلطة فلسطينية في رام الله لا ترى لها مكاناً للحياة خارج السياسة والفعل السياسي البحت؟