خبر أزمـة الصحافـة الإسـرائيلية: «هآرتس» تتوقف ليوم عن الصدور

الساعة 11:26 ص|05 أكتوبر 2012

وكالات

للمرة الأولى منذ ثلاثين عاما لا تصدر صحيفة «هآرتس» ولا توزع في الأسواق الإسرائيلية، كما أن موقعها الالكتروني توقف أمس الأول.
لم يكن الأمر نتيجة خلل فني أو بأمر رقيب عسكري، بل بقرار من العاملين في الصحيفة المحتجين على خطوات لفصل عاملين. ومعلوم أن صحيفة «معاريف» توقفت منذ أسبوعين عن الصدور جراء أزمة مالية شديدة تعصف بها، ويتظاهر العاملون فيها دائما لضمان حقوقهم. والأمر ليس حكرا على هاتين الصحيفتين إذ تعاني «يديعوت أحرونوت» مشاكل مالية كبيرة، كما أن القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي مهددة منذ سنوات بالإفلاس والإغلاق.
وإذا كان لذلك من معنى فهو يشير إلى أزمة حقيقية في وسائل الإعلام الإسرائيلية، سواء نبعت هذه الأزمة من معطيات موضوعية أم دوافع ذاتية. ولا ريب أن هناك أزمة للصحافة الورقية في العالم، مثلما أن الإعلام المرئي والمسموع أيضا يواجه مشكلة جدية في تحدي التطورات التقنية في وسائل الإعلام، وخصوصا بعد أن أصبح الانترنت والشبكات الاجتماعية مصدرا أول للمعلومات. كما أن ازدياد غنى الأغنياء والشرائح العليا وتغولهم على الطبقات الوسطى والدنيا خلق أنماطا جديدة من ملكية وسائل الإعلام، بحيث باتت تتبع لأباطرة المال الراغبين في فرض معاييرهم وقيمهم.
وإسرائيل ووسائلها الإعلامية ليست بعيدة عن ذلك، وربما أنها في قلب هذه التحولات. فملكية وسائل الإعلام وفي مقدمتها الصحف انتقلت منذ زمن طويل من المستوى العائلي إلى مستوى الشركات المساهمة الكبرى التي لكبار أصحاب رؤوس المال الحصة الأكبر فيها.
كانت هذه أزمة «معاريف»، التي ما ان تدهورت أوضاع الملياردير نوحي دنكنر حتى اضطر للتخلي عن دعم الصحيفة وصولا إلى بيعها لأصولي يميني مستعد فقط لتشغيل 300 فقط من بين مستخدميها الذين يزيد عددهم عن 1500 شخص. وكذا الحال مع القناة العاشرة التي تنتظر بين الحين والآخر تقديم الملياردير يوسي ميمان أو الملياردير رون لاودر حبل النجاة لها. وتبدو هذه الإشكالية أعمق في ظل نجاح صحيفة «إسرائيل اليوم» المجانية التي يمولها الملياردير اليهودي الأميركي شلدون أدلسون. وقد سحبت هذه الصحيفة البساط من تحت أقدام «يديعوت أحرونوت» لتغدو الصحيفة الأكثر توزيعا في إسرائيل.
غير أن الحديث عن أزمة الصحف في إسرائيل، لا يمكنه أن يقفز عن أزمة الصحافة الورقية عموما. وهناك من يجزم بأن جانبا مهما من المشكلة يكمن في كون أفضل الصحف مضطرة لنشر ما يصل إلى 80 في المئة من الأخبار التي سبق للناس أن سمعوها. وأنه حتى إذا انفردت الصحيفة بأخبار تعبت من أجل الحصول عليها فليس الجمهور مضطرا لشرائها من أجل معرفة هذه الأخبار، لأن وسائل الإعلام الأخرى، المرئية والمسموعة والانترنت، سرعان ما تنقلها للناس بدلا منها.
عموما ليس خبرا عاديا أن تتوقف «هآرتس» عن الصدور ولو مؤقتا. فقرار لجنة العاملين قضى بتوقف العمل في الصحيفة والموقع الإلكتروني من الساعة الرابعة ظهر الأربعاء وحتى منتصف الليل. وعمليا كان معنى ذلك عدم إعداد الصحيفة وبالتالي عدم طباعتها وعدم توزيعها. وهذه هي المرة الأولى التي يحدث فيها هذا الأمر منذ 30 عاما للصحيفة الأعرق في تاريخ الاستيطان اليهودي، والتي صدرت قبل أكثر من ثمانين عاما. ولكن ما لا يقل أهمية عن ذلك إعلان ناشر الصحيفة عاموس شوكين أنه إذا كان قدر الصحيفة أن تغلق، فمن الأفضل أن تغلق الآن. وقد جاء هذا القول في إطار التحدي لنقابة عمال الصحيفة الذين اتخذوا القرار بوقف طبع الصحيفة وعدم تحديث موقعها الالكتروني.
وعرض شوكين حال الصحيفة، التي قال إن العاملين فيها لا يعرفون المصاعب التي تواجهه من أجل الإبقاء عليها، في رسالة علنية. وجاء في رسالته «في السنوات الأخيرة أبذل جهدا هائلا لضمان بقاء هآرتس... وقدرتها على مواصلة لعب دورها الفريد في المجتمع الإسرائيلي، وكونها مكان عمل معقولاً لمستخدمها». وأضاف «اننا لا نبحث عن هذه الإقالات، وأنتم تعرفون ذلك (وللمناسبة فإن نسبة المقالين ليست أعلى ممن اضطرت نيويورك تايمز لإقالتهم للحفاظ على مستواها)، لقد فرضت علينا. وللحفاظ على هآرتس نحن مضطرون لخطوات شديدة لا تفرح أحدا».
ومعروف أن إدارة صحيفة «هآرتس» تنوي إقالة حوالي 100 من مستخدميها، في إطار خطة لزيادة النجاعة وتقليل التكاليف وبغرض تقليص الخسائر. ويبدو من خطوات شوكين وشريكه الملياردير نبزالين أن إدارة الصحيفة يمكن أن تتحدى نقابة العاملين، وتعمد أيضا إلى إيقاف العمال في القطاعات غير المضربة كالطباعة والتوزيع. ويرى العاملون في الصحيفة، رغم انقسامهم على أنفسهم تجاه الإضراب، أن شوكين يعمل على كسر إرادة العاملين.