خبر تركيا تقر حملة عسكرية في سوريا- هآرتس

الساعة 10:45 ص|05 أكتوبر 2012

 

بقلم: تسفي برئيل

بلغ الحساب الثأري والطويل الذي نشب بين تركيا وسوريا في السنة الاخيرة أول أمس الى ذروته، عندما سقطت ثلاث قذائف سورية اطلقت على ما يبدو نحو قوات الثوار في جنوب شرق تركيا فقتلت خمسة مواطنين. بعد أن تبين بأن هذه كانت قذائف من الجيش السوري وليس من الثوار، أمر اردوغان برد النار "وفقا لشدة العدوان السوري". فاستخدم الجيش التركي أول أمس قاذفات هاون بعيار 155ملم، واطلق نحو منطقة تل عبيد، على مسافة نحو 10كم من الحدود، وقتل خمسة من رجال الجيش السوري. وبالتوازي زادت تركيا عدد الجنود المرابطين قرب الحدود.

ومع أن الحساب اليومي "توازن"، لكن القذائف التي أطلقتها القوات التركية نحو سوريا لم يكن بوسعها ولم تقصد ان تسوي الحساب الطويل. وحتى النقاش في البرلمان التركي أمس، والذي اقر فيه باغلبية الاصوات للحكومة بارسال قوات الى الاراضي السورية، ليس حاليا سوى اعلان نوايا وليس اعلان حرب. فحتى عندما تقرر الحكومة التركية الهجوم في الاراضي العراقية، فانها لا تطرح المسألة للبحث في البرلمان في كل مرة من جديد.

في ظروف اخرى، يحتمل ألا يكون اطلاق قذائف هاون سورية الى تركيا تجر رد فعل عنيف من جانب أنقرة. ولكن بعد اسقاط الطائرة التركية في شهر حزيران والتي لا تزال ملابسات سقوطها قيد التحقيق (الرواية الاخيرة وغير المؤكدة تلقي المسؤولية على القوات المضادة للطائرات التي توجد في القاعدة الروسية في سوريا)، فان تركيا لا يمكنها أن تمر مرور الكرام والاكتفاء باعتذار سوري آخر او بوعد بتحقيق معمق، مثلما وعد وزير الاعلام السوري.

الحدود بين تركيا وسوريا حارة ومتفجرة. على مقربة من نقاط العبور تنتشر في الجانب التركي قوات برية كثيرة، والى جانبها وحدات من المدرعات والمدفعية تضم صواريخ أرض – جو وأرض – أرض. واذا قررت تركيا العمل بالقوة ضد سوريا فيوجد تحت تصرفها الجيش السادس في حجمه في العالم. هذا جيش مزود بأكثر من 2.200 طائرة ومروحية، وقادر بلا صعوبة على مواجهة الجيش السوري الممزق، ذي التسليح القديم وتتميز قدراته العسكرية بالوهن في المعركة التي يديرها ضد الثوار. ولكن اجتياحا تركيا واحتلالا للاراضي في سوريا، حتى بتبرير النية لاقامة "مناطق آمنة"، من شأنه بالذات أن يخدم بشار الاسد ويخدم روسيا، التي امتنعت الى الان حتى من شجب النار السورية نحو الاراضي التركية.

وكانت تركيا أوضحت في الماضي بانها لا تستبعد تدخلا عسكريا في الاراضي السورية، ولكن فقط في ظل تحقيق اجماع دولي. حتى الان لم ينجح اعضاء مجلس الامن في توفير اجماع كهذا بسبب الفيتو الروسي والصيني. من هنا ايضا اللغة الحذرة التي يتخذها الناطقون الرسميون الاتراك مثل ابراهيم كالين، مستشار اردوغان، الذي أوضح بان أنقرة لا تعتزم الخروج الى حرب ضد سوريا، وكذا اردوغان نفسه الذي قال أمس ان دولته غير معنية بالشروع في حرب مع سوريا، ولكنها مصممة على الدفاع عن حدودها ومواطنيها. تركيا، التي اشتدت نبرتها المناهضة لسوريا، الملجأ الذي تمنحه لعشرات الاف اللاجئين السوريين والقاعدة اللوجستية التي توفرها لقوات الثوار جعلها السند الاساس للثورة، لا تزال غير مستعدة بان تستلقي على الجدار من أجل الدول الغربية.

تدير تركيا في الاشهر الاخيرة معركة مضرجة بالدماء ضد النشاط الارهابي لنشطاء حزب العمال الكردي، والتي يقتل فيها كل يوم جنود أو مدنيون أتراك. هذه الحرب تعتبر في تركيا حربا عادلة، وذلك لانها ترمي الى احباط "التهديد على الامن القومي"، ومن هناك ايضا استعداد المعارضة للتعاون مع الحكومة. ولكن الوضع بالنسبة لسوريا مختلف. فقد أعلن رئيس الحزب الجمهوري المعارض، كمال كلتشدرولي، بانه لن يؤيد طلب الحكومة اعطاءها الاذن بالعمل في الاراضي السورية وذلك لان "مثل هذا الاذن معناه اعلان الحرب". ولكن هذه المعارضة لم تمنع اردوغان، الذي يحتل حزبه 326 مقعدا في البرلمان مقابل 135 من اعضاء الحزب الجمهوري، من أن ينال الاذن لاطلاق القوات نحو سوريا.

هذه سنة حرجة لاردوغان أيضا، الذي يدير حملة سياسية تاريخية لتغيير الدستور التركي. التاريخ المقرر الذي حدده للجنة متعددة الاحزاب التي انتخبت لصياغة الدستور هو نهاية السنة الحالية. وان كانت بعض المواد حظيت بالاجماع، الا أنه لا تزال هناك الغام عديدة أمام اللجنة. وفي العام 2013 ستجرى انتخابات للسلطات المحلية، وبعد سنة من ذلك الانتخابات للرئاسة، والتي سينتخب فيها الجمهور الرئيس مباشرة وليس البرلمان. هذه فترة سياسية حرجة، من شأن حرب مع سوريا أن تسفر عن نتائج غير مرغوب فيها لاردوغان الذي يسعى لان يكون الرئيس التالي لتركيا.

في ضوء جملة الكوابح الكفيلة بان تمنع الحرب بين تركيا وسوريا، لا تزال تبقى علامة استفهام كبيرة بالنسبة لنوايا سوريا. فاذا كان تطور قبل بضعة اشهر تقدير بان فتح جبهة مع اسرائيل كفيل بان يساعد الاسد، ويصرف الانتباه عن المعركة الداخلية نحو المعركة مع العدو الخارجي، فان هذا التقدير يوجد الان بالنسبة لتركيا. وذلك لان أنقرة، التي تقررت حتى الان كعدو للنظام السوري بصفتها "تخدم مصالح الغرب والصهيونية"، هي عدو "مناسب" الحرب ضده كفيلة بان تحدث الانعطافة التي يتطلع اليها الاسد.

المبادرة الى استفزازات تجر تركيا الى داخل الاراضي السورية كفيلة بان تؤدي الى تدخل علني ومباشر لاصدقاء سوريا، وتحويل المعركة الداخلية الى معركة دولية تمنح الاسد مهلة اضافية. وفي نفس الوقت، رغم الصداقة الشجاعة مع روسيا، الصين وايران، التي أعلنت بان حربا في سوريا هي حرب ضدها، ليس في يد الاسد ضمانة في أن يوافق هؤلاء الاصدقاء على ارسال الجنود للدفاع عن اراضيه.