خبر الربيع الفارسي يُطبخ في بُطء- إسرائيل اليوم

الساعة 10:45 ص|05 أكتوبر 2012

 

بقلم: بوعز بسموت

في يوم الاثنين خسر الريال، العملة الوطنية الايرانية، 17 في المائة من قيمته في يوم واحد فقط، وتهاوت قيمته في سنة واحدة قياسا بالدولار بنسبة 75 في المائة. من المؤكد ان زعيم الثورة الايرانية آية الله الخميني الذي رفع راية كراهية الغرب ولا سيما الولايات المتحدة يتقلب في قبره: فصورته التي تظهر على أوراق النقد الايرانية لا يتوقف شحوبها بازاء صورة جورج واشنطن. وبهذا الايقاع لن يتهاوى خميني الأوراق النقدية فقط بل الخميني العقائدي. لكن مشكلة اسرائيل – والشعب الايراني ايضا – أن آلات الطرد المركزي ما تزال تدور دونما أية صلة.

ان النظام الايراني اليوم في مشكلة ايضا. ان الحديث في الحقيقة عن نظام يحيا بأوضاع ازمة، لكن التهديد هذه المرة قد يكون قاسيا شديدا، أقسى مما كان في السنتين 2000 و2009. والشعب يعاني وليس مؤكدا كم من الوقت بعد سيكون مستعدا للصمت. وعد عمال في مصنع ايراني في الاسبوع الماضي بأنهم لا ينوون الاستمرار في الاحتجاج في هدوء وأرسلوا عرائض الى وزارة العمل وهم يريدون الخروج الى الشوارع.

نشبت أول أمس اضطرابات قرب السوق في طهران بسبب الازمة الاقتصادية بين تجار ومتظاهرين وقوات الامن. ورفض تجار كثيرون فتح حوانيتهم وبقيت محطات الوقود مغلقة. وكان النبأ المنشور عن المبلغ الذي نقله النظام الايراني الى نظام الاسد لمساعدته على حربه من اجل البقاء، وهو 10 مليارات دولار، قد زاد فقط في غضب المتظاهرين ودعوا في الشبكات الاجتماعية الى زيادة الاحتجاج على السلطة.

جاءت المظاهرة في يوم الاربعاء بعد يوم فقط من جمع الرئيس احمدي نجاد مؤتمرا صحفيا استمر ثلاث ساعات - كان احيانا مُسليا – تناول فيه الازمة الاقتصادية القاسية التي أصابت ايران بسبب تلك العقوبات الدولية لأن ايران كما قال غير مستعدة للتراجع عن مشروعها الذري ووعد احمدي نجاد قائلا: "لن تتراجع ايران عن مشروعها الذري".

أرادوا في واشنطن ان يؤكدوا هذا الاسبوع ان العقوبات تنجح. فقد بينت متحدثة وزارة الخارجية فكتوريا نولاند هذا الاسبوع ان تهاوي قيمة العملة الايرانية "يعبر عن الضغط الدولي الشديد المستعمل على ايران". وهذا صحيح من جهة الحقائق – والسؤال هو فقط كم يهتم النظام الايراني بمعاناة المواطنين. لم نرَ خلال سني حرب ايران مع العراق الثماني ان الجنازات اليومية عاقت النظام عن الاستمرار في حربه.

ظهر في ميدان الفردوسي في طهران هذا الاسبوع مواطنون غاضبون كثيرون. ان ميدان الفردوسي هو بالنسبة للايراني يشبه ما كان عليه شارع ليلين بلوم في الماضي بالنسبة للاسرائيلي الى ان جاء اصلاح الدولار. ففي كل يوم تُشترى في ذلك المكان في السوق السوداء عشرات آلاف الدولارات لأن الايراني فقد كل ثقة بعملته الوطنية وتحول الى الاستثمار بالعملة الخضراء والذهب.

كان يُحتاج في الاسبوع الماضي الى 24.600 ريال لشراء دولار واحد، وفي يوم الاثنين قفز سعر الدولار الى 34.800 ريال. فلا عجب اذا من غضب الايراني. وقد وجدت السلطات في اثناء ذلك طريقة حسنة جدا لمحاربة الظاهرة. فبدل ان توقف المشروع الذري اختارت ان توقف التجارة بالدولار الاسود. فداهم رجال شرطة ميدان الفردوسي واعتقلوا التجار والمشترين الذين كانوا في ذلك المكان، ولم تُسهم هذه الخطوة في زيادة شعبية النظام، وأججت غضب الشارع.

كان ميدان الفردوسي في يوم الاربعاء مصدر غضب واحتجاج وخيبة أمل – وسُمع في المكان تنديد بالرئيس: "الشعب ليس معك يا أحمدي". وحينما رأى الباعة رجال الشرطة الذين جاءوا الى الميدان أغلقوا الحوانيت وكان ذلك شيئا زاد فقط في غضب قوات الامن. وبسبب وضع العملة الايرانية أغلق البازار أبوابه ايضا وهو ذلك البازار الذي يدعم النظام المحافظ في الدولة ويعتبر حصن قوته.

"ليس لنا مفر من الاغلاق"، قال أحد التجار لوسائل الاعلام الاجنبية، "نحن نفضل ألا نبيع على خسارة المال". وقال واحد من متحدثي شرطة ايران ان قوات الامن تنوي ان تكافح اولئك الذين يضعضعون استقرار العملة الايرانية. وقال قائد شرطة ايران، الجنرال اسماعيل أحمدي – مُقدم، من جهته انه ستُستعمل الصرامة مع اولئك الذين يتلاعبون بالعملة الايرانية.

احتضار اقتصادي

"ان نقص قيمة العملة الايرانية يصادق فقط على انتقاض عُرى الاقتصاد الايراني"، بيّن خبير الاقتصاد الايراني فريدون كهاباند في مقابلة مع الصحيفة الاسبوعية الفرنسية "لا بوان" وأضاف قائلا: "يعاني الريال الايراني اليوم جدا بسبب انخفاض تصدير النفط الايراني". وقد مالت سلطات ايران في البدء الى الاستخفاف بعقوبة دول الاتحاد الاوروبي المتعلقة بتصدير النفط منذ الأول من تموز، لكن يبدو أن عقوبة الاتحاد الاوروبي أصبحت الأشد إيلاما منذ كانت جولات العقوبات الست التي اتخذها مجلس الامن منذ 2006.

كانت دول اوروبا تشتري 20 في المائة من انتاج النفط الايراني. وكانت ايران معتادة الى ما قبل سنة ونصف ان تصدر مليوني برميل في اليوم. وانخفض العدد اليوم الى 800 ألف برميل في اليوم. فاذا أخذنا في الحسبان ان 85 في المائة من حاصل ايرادات ايران من تصدير النفط أدركنا لماذا تشعر الجمهورية الاسلامية الايرانية باختناق اقتصادي.

وليست المعطيات التي تأتي من صندوق النقد الدولي مشجعة ايضا. فبحسب ما يقول الصندوق بقي لحكومة ايران في نهاية 2011 احتياطي مقداره 106 مليارات دولار من العملة الاجنبية. "بهذا الايقاع ستخسر ايران في كل سنة 40 – 50 مليار دولار برغم السعر المرتفع لبرميل النفط"، كما يُبين خبير الاقتصاد والخبير بايران تياري كولبيل.

وهذا الشيء يجعل البنك المركزي الايراني الذي يفترض ان يضخ المال الاجنبي الى السوق الايرانية المحتضرة كي يهتم بتوازن العملة المحلية، يجعله يرى خزائنه تفرغ من العملة الاجنبية. وكل هذا بيقين لا يعد الأوراق النقدية مع صورة الخميني التي أخذت تتحول لتصبح شيئا رخيصا للجامعين أكثر من ان تكون أوراقا نقدية يمضون بها الى السوق، لا يعدها بالكثير.

لا يشعر الاقتصاد الايراني وحده بالاختناق بل النظام ايضا. يمكن في الحقيقة ان يُفعل أكثر، لكن الولايات المتحدة وعددا من الدول الغربية نجحت بالعقوبات المتعلقة بالنفط الايراني في تجنيد دول لم يكن من السهل اقناعها كاليابان وكوريا الجنوبية بل الهند والصين الجائعة لكل قطرة نفط في السوق العالمية، للاستمرار في تطورها الذي يُدير الرؤوس. وتوجد ايضا من توافق على ذلك من وراء الستار مثل تركيا التي احتضنت طهران في 2010 والسعودية التي تخشى الذرة الايرانية بقدر لا يقل عن اسرائيل.

في مطلع سنوات الألفين لم يتفهموا في العواصم الاوروبية شعور اسرائيل بالمطاردة تجاه المشروع الذري الايراني. وتبدو الامور بصورة مختلفة اليوم وإن لم يكن هذا كافيا الى الآن. يقول دبلوماسي غربي انه اجتمع هذا الاسبوع في صالون بيت رجل اعمال غربي في أحد الأحياء الفخمة في شمال طهران عدة ضيوف محليين على عشاء. كان الجو قاسيا، فقد اشتكى الضيوف من أنهم لا يستطيعون ان يشتروا منتوجات أساسية برغم منزلتهم الرفيعة في المجتمع الايراني. كانت الفكاهة ذات مرة بعد ثورة 1979 ان الخميني يكافح الطلاق في الدولة لأن الشباب لم يستطيعوا الزواج عقب الثورة. وأصبحت الفكاهة الجديدة في شوارع طهران الآن، كما يقول الدبلوماسي، ان العقوبات ستُسبب ثقوبا في أسنان الايرانيين لأنه لم يعد من الممكن شراء معجون أسنان ذي نوعية جيدة بعد ان ارتفع سعره ثلاثة أضعاف في هذا الشهر وحده.

يجب الخروج الى الشارع والموت

في الوقت الذي تتهاوى فيه العملة المحلية يرتفع التضخم المالي الايراني الى ارتفاعات لم يسبق لها مثيل. وقد أصبح التضخم مرتفعا جدا حتى إن السلطات لم تعد تُبلغ عن مقداره. وبحسب ايران الرسمية وقف التضخم المالي عند 23.5 في المائة لكن هذا المعطى في واقع الامر هو معطى كانت تتمنى ان يكون صحيحا، فقد ارتفع سعر الأرز واللحم المستوردين وحدهما في سنة واحدة بنسبة 48 في المائة. والأرز واللحم منتوجان حيويان على المائدة الايرانية. جمد مزودون ايرانيون في هذا الاسبوع تصدير الأرز الى ايران بسبب تأخير الدفع.

وبلغ سعر الدجاج عنان السماء ايضا. يقولون ان سلطات ايران منعت المسؤولين عن التلفاز الايراني ان يبثوا برامج تعرض وجبات أو دجاجا، لكن في دولة لكل واحد فيها تقريبا طبق قمر صناعي على السقف، برغم الحظر، يصعب شيئا ما منع الدجاج من دخول شقة كل مواطن إن لم يكن في الطبق فعلى الشاشة.

اليوم كما كانت الحال بالضبط في سنوات الحرب مع العراق يجب على الايرانيين في شوارع طهران الخروج لعمل ثان وثالث لزيادة مدخول العائلة. وأصبحت الموضة الجديدة وجود متقاعدين يركبون سيارات البايكن ويصبحون سائقي سيارات أجرة. وقد نشأ في ايران اليوم كما كانت الحال زمن الحرب اقتصاد موازٍ. فقد تعلم الايرانيون في سنوات الحرب الصعبة البقاء، وأدركوا انه يجب عليهم ان يفعلوا هذا مرة اخرى.

ان الذي يجب ان يثير القلق عند السلطات ويضيء مصباحا احمر في مكتبي الزعيم الروحي علي خامنئي والرئيس احمدي نجاد هو الاضرار بطبقات السكان الفقيرة التي يدعمها النظام. حينما خرج المتظاهرون الى الشوارع في حزيران 2009 للاحتجاج على تزوير انتخابات الرئاسة، نظمت السلطات مظاهرات مضادة ولم تكن عندهم أي مشكلة في تجنيد الفقراء من الأحياء والضواحي الجنوبية من العاصمة، تلك التي تحصل على دعم من الدولة.

أفادت وكالة الأنباء "إي.بي" في المدة الاخيرة انه قد وُزعت في مصانع كثيرة منشورات يحتج فيها العمال على ظروف عملهم. وقد بدأ بعض المنشورات يبلغ الى العمال في اشهر الصيف بعد بدء العقوبات المتعلقة بالنفط الايراني بأقل من اسبوعين. "لا تكف الاسعار عن الارتفاع في السنين الاخيرة بعشرات الدرجات المئوية، أما الأجور فقد ارتفعت بنسبة 13 في المائة فقط، ولم نعد قادرين على الانفاق على عائلاتنا"، جاء في أحد المنشورات.

وعدت الثورة الايرانية بتحسين حياة المواطن، لكن الواقع بعيد جدا عن هذا. ان أجرة العامل الايراني تراوح بين 95 الى 220 دولارا – تحت خط الفقر في الدولة. بل ان عريضة وقع عليها 10 آلاف عامل شجاع أُرسلت الى وزارة العمل الايرانية ولم يرد عليها الوزير وفريق عمله.

 

لم يخف جعفر أمين زاده، وهو مُركب انابيب غاز ونشيط من نشطاء حقوق العمال، من اجراء مقابلة باسمه مع وكالة الأنباء "إي.بي" حتى قبل الاحتجاج الذي بدأ في منتصف الاسبوع، وقد وعد بأن العمال الايرانيين ينوون النزول الى الشارع والموت، فقال: "نحن لا نكتفي بالمنشورات والعرائض".

"في ايران اليوم عدم ثقة مطلق بقدرة الحكومة على تخليص الاقتصاد الايراني من الوضع الذي دُفع اليه"، يُبين فريدون كهاباند، "يمكن ان يفضي كل هذا الاحباط الى موجة احتجاج جديدة على نظام الحكم، بيد أنها قد تكون هذه المرة اسوأ لأن الطبقة الدنيا لم تعد مستعدة لتخليص النظام لأنها تعاني هي نفسها جدا". وهذه سابقة منذ كانت ثورة 1979.

لعب على الوقت

لكن هناك من يشكون في تغيير يأتي من الشارع الايراني ايضا. يقول مراسل ايراني يخدم في خارج البلاد: "لسنا هناك الى الآن. يجب على شباب كثيرين وعلى بالغين ونساء ايضا ان يضحوا بحياتهم من اجل الاتيان بالتغيير المرجو، وليس مؤكدا أنهم ناضجون لذلك حتى الآن". بل هناك من يزعمون ان العقوبات هدية لنظام الحكم لأن الادارة الايرانية الحالية تُدبر سياسة اقتصادية سيئة والعقوبات ذريعة جيدة تُمكّن احمدي نجاد من اتهام الغرب.

أنواجه اذا "ربيعا فارسيا"؟ هل سيستعمل الايرانيون حقا الضغط على نظامهم لوقف المشروع الذري الذي هو مصدر فخرهم كما يقول ذلك النظام؟ يصعب ان نبت الامر في الحقيقة. فايران من جهة دولة ذات شعور قومي قوي ويوجد كثيرون من السكان يرون المشروع الذري مصدر فخر قومي، لكن يوجد من ضاقوا ذرعا بالقيادة الايرانية وأحلامها المهدوية (نسبة الى المهدي) ويريدون حياة طبيعية.

وفي اثناء ذلك سيبذل خامنئي كل ما يستطيع للاستمرار في البقاء الى حزيران القادم حينما سينهي احمدي نجاد الذي يكرهه ولايتيه. فخامنئي يلعب على الوقت مرة اخرى. وعلى العموم فان الشأن الذري الايراني كله والنظام الايراني والقنبلة الذرية الايرانية تتحول أكثر فأكثر لتصبح حكاية زمن. أيهما سيسقط أولا – النظام أم المشروع؟ سنضطر الى الانتظار لمعرفة ذلك.