خبر خطوة اخرى نحو الانهيار- هآرتس

الساعة 10:43 ص|05 أكتوبر 2012

 

بقلم: آفي يسسخروف وعاموس هرئيل

إبطاء وتيرة الهزات في الشرق الاوسط يمكن أن تضلل بعض الشيء. فحقيقة أن هذه السنة، خلافا للعام 2011، لا تسقط انظمة في المنطقة وفي شمالي افريقيا الواحد تلو الاخر، مثل حجارة الدومينو، لا تدل على ان الهزة العربية توقفت. فالميول لا تزال دراماتيكية، حادة بل واحيانا مفاجئة. لكثير من الاحداث لا يزال هناك آثار ذات مغزى، مباشرة أو غير مباشرة، على وضع اسرائيل في المنطقة.

سلسلة الاحداث في يوم عادي هذا الاسبوع، يوم الاربعاء، يمكن أن توفر شهادة جيدة على ذلك: في الحدود الشمالية لسوريا وقعت معارك بين جنود بشار الاسد وبين الجيش التركي. فبعد اطلاق قذائف هاون الى الاراضي التركية، أسفرت عن موت خمسة أتراك، ردت أنقرة بهجوم من جانبها على مواقع للجيش السوري، وتسببت بموت بضعة جنود. في سوريا تفجرت سيارات مفخخة في حلب، والجيش الاسرائيلي أغلق موقع جبل الشيخ، بعد أن اقتربت مجموعة مشبوهة من السوريين من الجدار. في لبنان قتل سبعة أشخاص في انفجار خفي في مخزن للسلاح تابع لحزب الله بعد بضعة أيام من مقتل قائد كبير في المنظمة الشيعية في المعارك في سوريا. وفي ايران اندلعت مظاهرات عاصفة في بازار طهران، احتجاج على آثار العقوبات الدولية على الوضع الاقتصادي ولمطالبة نظام آيات الله بالكف عن استثمار المليارات لمساعدة حكم الاسد في سوريا.

تقدير شعبة الاستخبارات في الجيش الاسرائيلي هو ان العام 2013 سيكون "سنة صراعات متفجرة". فالشرق الاوسط، كما يقول خبراء الاستخبارات العسكرية، مشبع بالوقود. أربعة صراعات على الاقل تجري فيه بالتوازي وكفيلة بان تصل الى الحسم  في غضون سنة: أزمة النووي الايراني، الحرب الاهلية في سوريا، الصراع على طبيعة الحكم الجديد في مصر والصراع الاوسع على صورة العالم العربي. وينقسم الاخير الى عدد لا يحصى من الصراعات الثانوية: بين الانظمة القديمة والمعارضة، بين المعتدلين والمتطرفين وبين السنة والشيعة.

اضافة الى ذلك، ليس واضحا على الاطلاق الى أين تهب الرياح في الضفة واذا كان سيستمر الهدوء النسبي الذي يسود هناك. الحرب الاهلية في سوريا هي المثال الابرز على الواقع الحالي. كل التقديرات المسبقة بشأن الانهيار السريع لنظام الاسد تبددت. فالطرفان يبدوان كمن علقا في نزال شال، لا يوجد فيه حاليا حسم، بينما بات العنف بينهما يائسا ووحشيا أكثر فأكثر من اسبوع الى اسبوع.

ومع ذلك، فان تقدير معظم محافل الاستخبارات في الغرب بقي على حاله: نظام الاسد سينهار في النهاية. سوريا تنقسم الان بين مواطنين تحت سيطرة نسبية للنظام (اجزاء مركزية من دمشق ومن المدينة الاساسية الثانية، حلب، قاطع الشاطيء في الشمال، العلوي في أساسه)، مناطق تحت سيطرة منظمات المعارضة، جماعات مسلحة او أقليات مثل الأكراد (شمالي الدولة وشرقها) ومناطق سائبة دون سيطرة حقيقية. في المناطق التي تحت سيطرة المعارضة يجري عدد من الحكم الذاتي المحلي الذي لم يعد يعتمد في شيء على الحكم المركزي: وهذا يوفر للسكان الماء والكهراء بقدر ما هو ممكن وفي بعض المعابر في منطقة الحدود مع تركيا، يجبي الجمارك أيضا.

بعد هجوم الثوار في دمشق في بداية تموز، والذي قتل فيه عدد من كبار المسؤولين في حكمه، قرر الرئيس بشار الاسد ما تسميه شعبة الاستخبارات "الانطواء". حتى ذلك الحين أدار الاسد حربا على كل الساحة، حيث تآكل جيشه واستنزف بسبب خطوط الاحتكاك الطويلة مع الثوار على طول البلاد وعرضها. من تموز تجده يركز على الدفاع عن العناصر الاساسية للحكم. حلب أكثر اهمية للاسد من حمص، دمشق أهم من حلب.

يدير الاسد بنجاعة (وباجرام) شديدة أكثر مما كان يمكن تقديره في البداية ويؤخر في هذه المرحلة انتصار خصومه. ومع أن الجيش السوري الحر، أبرز وأكبر منظمات المعارضة، أصبح نوعا من العلامة التجارية للمعارضة، فلا يزال يبدو ان المنظمة لم تخلق كتلة حرجة بوسعها ان تسقط الاسد من الحكم بسرعة. كما لم تظهر في هذه الاثناء شخصية من معسكر المعارضين يبدو ان في وسعها أن تأخذ في ايديها خيوط السيطرة في سوريا. أحد السيناريوهات التي ترسمها الاستخبارات – غرق تدريجي لسوريا في الفوضى، تواصل فيها مؤسسات الحكم المركزية الانهيار بينما تأخذ أجندات محلية السيطرة – يبدو الان بانه صاحب احتمالية التحقق الاكبر نسبيا.

من ناحية اسرائيل، وإن لم تكن تعترف بذلك بصوت عالٍ، تكمن ايضا فضائل في الوضع القائم. التهديد بهجوم مفاجيء من جانب الجيش السوري في هضبة الجولان، ذات التهديد الذي قضّ مضاجع قادة الجيش الاسرائيلي على مدى العقود الاربعة بعد حرب يوم الغفران، تبدد وكأنه لم يكن. مشكوك أن يكون الجيش السوري قادرا الان على المبادرة الى أي هجوم تقليدي ليس مذبحة عديمة التمييز لمواطنيه. وستمر سنوات أخرى قبل أن يرمم السوريون قدرتهم العملياتية.

من جهة أخرى، فان عدم الاستقرار في سوريا يلزم الجيش الاسرائيلي بالاستعدادات العملياتية الاخرى ويلزم اسرة الاستخبارات الاسرائيلية كلها بمتابعة الجوانب المختلفة للتطورات لدى الجار في الشمال الشرقي. مثلا، القلق من تسرب السلاح الكيماوي من سوريا الى حزب الله او الى محافل المعارضة السورية المرتبطة بالقاعدة. ولكن يتعين على اسرائيل ايضا أن تفتح عيونها وأن تبحث عن صواريخ بعيدة المدى، صواريخ شاطيء – بحر متطورة ومنظومات مضادة للطائرة حديثة. ولما كان في سوريا يتجمع المخزون الاكبر من السلاح في المنطقة، فهذه مهمة عسيرة للغاية.

يوجد حراك

        التوقع المتفائل لوزير الخارجية افيغدور ليبرمان، وبموجبه النظام في ايران سيسقط في غضون اقل من سنة، قبيل الانتخابات الرئاسية التالية في حزيران 2013، وان لم يكن يستند بما يكفي الى مادة استخبارية، الا انه لا ريب ان الامور بدأت في الحراك. فتخفيض بمعدل 30 في المائة في قيمة الريال الايراني في غضون بضعة ايام ليس أمرا يستهان به، ناهيك عن أن الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي يستعدان الى موجة اخرى من العقوبات قبيل نهاية السنة.

        "ايران في 2013 لا تزال قصة مفتوحة"، يقول مصدر استخباري رفيع المستوى في اسرائيل على خلفية احداث الاسابيع الاخيرة في طهران. "فتأثير العقوبات ظاهر وذو مغزى. وهي محسوسة لدى المواطنين ومشغلة لبال النظام، ولكن حتى الان لم تصرف القيادة الايرانية عن طريقها نحو النووي. في السنة القادمة سيتعين على الايرانيين أن يقرروا اذا كانوا سيواصلون التقدم نحو القنبلة، محاولة المضي قدما واقرار حقائق على الارض، أم الوصول الى صفقة حل وسط ما مع القوة العظمى تسمح لهم بتخصيب جزئي لليورانيوم فقط".

        الفزع

        المعارضة الايرانية، التي سحقت بشكل وحشي على أيدي السلطات في أثناء "الثورة الخضراء" الفاشلة بعد الانتخابات الاخيرة للرئاسة في حزيران 2009، لم تعد بناء نفسها حتى الان. فالكثير من معارضي النظام زجوا في حينه في السجن، عذبوا بل وقتل بعض منهم. ورغم الغضب المتعاظم ضد النظام بسبب تفاقم الوضع الاقتصادي، فان الحركات السياسية المنظمة لا تخرج من مخابئها. وهي لم تحطم من جديد حاجز الخوف. ولكن تشهد على قلق النظام بعض خطوات الزعيم خمينئي ورجاله، والتي تقترب من الفزع.

        مؤخرا اعتقل أحد مستشاري احمدي نجاد لشؤون الاعلام، علي أكبر جونفكر، لستة أشهر لانه تجرأ على انتقاد خمينئي، ومديرة فرع "رويترز" في ايران فارسة حافظي، اتهمت في المحكمة بنشر أكاذيب ودعاية. وفي الاشهر الاخيرة زج في السجن بعشرات الاشخاص الذين اتهموا بانهم عملوا ضد الحكومة في ايران وحاولوا تنظيم انقلاب.

        لهستيريا النظام توجد على ما يبدو أسباب وجيهة. فالوضع الاقتصادي الصعب، عجز الحكومة، الاصرار على مواصلة المشروع النووي، الاستثمارات الهائلة في سوريا وفي حزب الله، بينما معدلات البطالة والفقر في ايران تواصل الارتفاع – كل هذا كفيل بان يشكل أرضية خصبة لحركة احتجاج جديدة، ربما حتى اكبر من سابقتها قبل أربع سنوات.

        في السنتين الاخيرتين رأى الايرانيون غير قليل من النماذج في الدول المجاورة في العالم العربي عن قدرة الجماهير على احداث التغيير. وعليه فيبدو أن الابقاء على النظام السوري هام لايات الله ليس فقط بسبب حاجتهم الى تعزيز المحور ضد الغرب واسرائيل. فالاطاحة بالاسد ستكون رسالة الى الجمهور في ايران، في أن في بلاده ايضا التغيير ممكن رغم المصاعب والقمع الوحشي من جانب النظام.