خبر لن تكون هناك حرب بعون الله .. علي عقلة عرسان

الساعة 10:17 ص|05 أكتوبر 2012

بسبب سقوط قذيفة مورتر خطأ على قرية أكيجاكالي المقابلة لتل أبيض، وهي نصف قرية سوري ـ تركية اليوم، تبعد عن الحدود السورية 500 متراً فقط، وقد كانت جزءاً من منطقة كيليكيا التاريخية التي أعطتها لها فرنسا في أواخر العقد الثاني من القرن العشرين كما أعطتها لواء اسكندرون عام 1938 قبيل الحرب العالمية الثانية وبسببها، وفرنسا هي الدولة المستعمرة التي احتلت سورية ونصِّبت وصية عليها بقرار عصبة الأمم الذي نفذ سايكس ـ بيكو، وكل ذلك كان وفق خلفيات واتفاقيات وتسويات ونتائج الحرب العالمية الأولى.. بسبب تلك القذيفة اليتيمة الطائشة التي قتلت للأسف الشديد خمسة أشخاص أبرياء من أسرة واحدة، نعزي أهلهم والشعب التركي بهم، وقفنا على شفا الخطر، وجاشت العواطف، وتمت عملقة الحدث ووضعه في سياق مغاير كلياً لظروفه ومجرياته. وعلى إثر ذلك وبسببه أصدر مجلس الأمن الدولي الذي رفض إدانة تفجير ساحة سعد الله الجابري في حلب بكل ما يحمله من دلالات وما سببه من ضحايا ودمار، أصدر قرار إدانة لسورية جاء فيه: "يدين أعضاء مجلس الأمن الدولي بشدة قصف بلدة أكتشاكالي التركية من قبل الجيش السوري والذي قتل فيه خمسة مدنيين، بينهم امرأة وأطفال، وأصيب عدد آخر بجروح". ونُظِر إلى ذلك الحدث على أنه "دليل على الـتأثير السلبي للأزمة السورية في أمن الدول المجاورة والأمن والسلام الإقليميين".. واجتمع أعضاء حلف شمال الأطلسي لإجراء مشاورات بموجب البند الرابع من ميثاق الحلف الذي يقضي بإجراء مشاورات عندما يشعر بلد عضو بأن سلامة أراضيه أو استقلاله السياسي أو أمنه في خطر."، وقال مكتب رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان في بيان يوم الخميس 4 تشرين الأول/ اكتوبر 2012 "ردت قواتنا المسلحة في منطقة الحدود فوراً على هذا الهجوم البغيض بما يتماشى مع قواعد الاشتباك، ضربت أهدافاً من خلال قصف مدفعي لأماكن في سورية حددها الرادار."، وتكرر القصف صباح اليوم التالي ولم ترد سورية على الرد التركي المزدوج، وقدمت التعازي لأسر الشهداء وللشعب التركي الجار والصديق. وحصلت حكومة أردوغان على تفويض من البرلمان التركي مدته سنة قابلة للتجديد، في جلسة طارئة وبأغلبية 320 صوتاً ومعارضة 129 صوتاً، على "تفويض بالقيام بعمليات عسكرية خارج الأراضي التركية"، أي في الأراضي السورية.

وفي هذا المدار تحركت دول عربية لتندد بـ " العدوان السوري"،ولتسوغ لتركيا كل ما يمكن أن تقوم به بدلاً من إطفاء النار، ومما قيل في هذا الصدد نشير إلى ما قاله الدكتور عصام الحداد باسم مصر: "إن مصر لن تقبل اعتداء دولة على أخرى، وبشار الأسد يتعدى كل الحدود بالهجوم على دولة مجاورة"، مؤكداً أنه من حق تركيا اتخاذ الإجراءات اللازمة واللجوء إلى حلف شمال الأطلسي باعتبارها دولة عضو في الحلف.. وهكذا تحولت القذيفة اليتيمة الطائشة إلى عدوان وهجوم؟! وأدانت الفعل ذاته دول غربية وعربية، وقال كثيرون إنه محاولة من سورية لتصدير أزمتها إلى دول الجوار، أو لإشعال النار في المدى الأوسع، أو لتغطية الفشل في السيطرة على الداخل..إلخ.

وكل هذه الإدانات والإجراءات جاءت بسبب سقوط قذيفة مورتر سمتها الفضائيات العربيىة قصفاً لمواقع تركية، وعقدت لقاءات وندوات حول الموضوع، وأجرت مقارنات بين قوة وتسليح الجيشين التركي والسوري في إيحاء أو مؤشرات إشارات إلى أن الحرب واقعة لا محالة، وأن السيطرة والغلبة والحسم فيها سيكون للجيش التركي الذي " سوف يكتسح على شمال سورية خلال ساعات"، وكان الفرح يسيل من عيون ويتدفق على ألسنة من يبث الأخبار ويعزز إشعال النار؟! وكأنما يسعده، وربما يسعد بعض سامعيه لا ندري، أن تنشب حرب أخيراً – وبعد طول انتظار – بين سورية وتركية الدولتين الجارتين المسلمتين..؟! فهل يا ترى نصدق ما نسمع ونرى؟!وإلى أين يمضي بنا هذا النوع من التفكير والتعبير والتدبير؟! وبفرض أن الطرفين غرقا أو أغرقا في لجج بحران من هذا النوع وانجرا أو تم جرهما بصورة ما إلى حرب.. فلمصلحة من تكون حرب بين سورية وتركية؟ ومن الذي يدفع ثمنها الباهظ، وهل يبقى كثيرون ممن يعنيهم أمر الأمتين العربية والإسلامية وما يجري بين أبنائهما بمنجى من ذاك الخطر وعواصف النار؟! ومن ذا الذي سيجني ثمار حرب من هذا النوع؟! إليس عدو البلدين والأمتين والعقيديتين والحضارتين اللتين نبتتا على جذع واحد؟!

لا أتكلم على الأعداء الذين يستثمرون في صراع من هذا النوع بين عرب وعرب، وعرب ومسلمين، ومسلمين ومسلمين، ولا عن أصحاب المصالح والاستراتيجيات من الأقوام والدول الساعية لتأمين مصالحها الحيوية ومكاسبها المادية وأسواقها التجارية المتعددة السلع من السلاح إلى خيوط القنَّب.. بل أتكلم على العرب مسلميهم ومسيحييهم، وعلى المسلمين بكل مذاهبهم، حين أطرح سؤالي الآتي عليهم، إذ يُفتَرَض أن ما يجري هنا وهناك في بلدان الوطن العربي والعالم الإسلامي يعنيهم مباشرة وبقوة لأنه يمس وجودهم ومصيرهم فضلاً عن أوطانهم ومصالحهم.. فأقول: هل العرب والمسلمون الذين يذهبون هذا المذهب من الحث على مواجهة دامية ويحرضون عليها أو يرحبون بها ويسكتون على من ينفخ في نارها، قد استقالوا من عروبتهم وإسلامهم، من ثقافتهم وحضارتهم وقيمهم وانتمائهم.. حتى يبدوون وكأنه لا يعنيهم اقتتال أخوين جارين لكل منهما الحق على إخوته، والحق في الأمن والاستقرار وحسن الجوار.؟!

لا أحب الغربان كثيراً، ولا أطيق ظلالاً سوداء على أرض الخضرة والماء والحضارة والنماء.. وبعفوية وبدهية المؤمن بربه وشعبه أقول: " لن تقع حرب بين سورية وتركية، ولن تتسع نار الفتنة لتصبح طائفية أو عرقية أو أيديولوجية – سياسية" إن شاء الله.. لأن كلاً من الشعبين لا يريده ولا يرحب بمن يريدها، ولأن كل من يخوضها في البلدين خاسر فيها مهما امتدت أمداً وناراً وتناثرت شرراً وعاراً.. ذلك لأنها ستفتت الداخل في كل منهما وتستدعي تدخل الخارج من الجوار المتفاعل عضوياً معهما، ولا يمكن أن يتفرج على القتل وهو في أصلاً أحد الصفين كما يعلن ومن ثم سيكتوي بالنار ذاتها ويعرف أنه مستهدف من خارج تلك الدائرة أما الخارج الذي ستكون له فرصة توظيف الموت والقتل والدمار لمصلحته، وسيعمل على الاستقطاب الاستراتيجي والهيمنة والكسب المادي والمعنوي وإضعاف كل الأطراف التي يعنيه أن تضعُف لأن في ذلك قوته.. فهو صاحب حسابات دقيقة ومصالح متقاطعة ولن يزج نفسه في النار مباشرة وسوف يكتفي بالاستثمار.. وفي هذا تظر من أصحاب الأزمة والدم والمصلحة والمصير إلى كل ما يراد ومن يريد أن يوردنا هذا المورد أو ذاك.. وإذا ما وعينا أبعاد اللعبة وتكاليفها وعقابيلها.. فلا أظن أن صاحب مسؤولية وعقل ووعي وضمير ودين يقدم على حرب يكون هو وبلده وشعبه وأمته وحضارته ومستقبله وأجياله وقوداً لها.

النسيج السكاني في تركيا يتشكل من قوميات وطوائف ومذاهب، وهو في سورية نسيج مقارب لما في تركية ومتشابك معه على نحو ما.. وكذلك التنظيمات الحزبية والتكتلات الاجتماعية والعشائرية على الأرضيات الدينية والقومية واليسارية والليبرالية والعلمانية..إلخ. والمسلح الذي يقاتل النظام في سورية يقابله معارض لسياسة النظام في تركيا.. وعلى مشارف الحدود من معظم الجهات يوجد تحشيد واحتشاد واستعداد.. وما هو موجود في هذين الطرفين موجود على نحو مطابق أو مشابه أو مقارب في كل البلدان العربية والإسلامية المعنية مباشرة بالأزمة وانتشاراتها وبأهمية إطفاء نار الحروب والفتن في مهدها.. وهذا في صالحها وفي صالح المنطقة كلها والعالم.

الذين يريدون حرباً من هذا النوع يائسون أو محبطون أو محاصرون برغباتهم وطموحاتهم وتحدياتهم الشخصية، وهم يقصُرون سياساتهم وتطلعاتهم على ذواتهم ومصالحهم وتطلعاتهم، ويريدون أن يلبسوا الناس ثوبهم ويجروهم إلى طموحاتهم ورغباتهم ورؤاهم الضيقة.. وليس ذلك هو شأن الشعب وشرائحه الممتدة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار مروراً بثقل الوسط، ومن خط السنة إلى خط الشيعة، ومن خط العلمانية إلى خط التدينية، ومن خط الماديات إلى خط الروحانيات، ومن مساحات الجهل والجاهلية إلى مساحات المعرفة والوعي والمسؤولية. لن تكون حرب بين الأخوة والجوار إن شاء الله، ولن يكون اقتتال بهذا الاتساع لأن ذلك سيكون دماراً خارج كل المقييس واالاحتواء والتقدير والاتساع.. وعلى من يجلس في مكان مريح، يحتسي قهوته ويفكر بجيوبه ومقاولاته، ويخطط لكي يسيل الدم ويدمَّر العمران، ويهلك الخلق لكي يقبض الثمن وينتفخ وينشرح ويرتاح.. عليه أن يضع في حسبانه أنه لن ينجح، وأنه لن ينجو من غضب الله إذا نجا من غضب عباده. أما الذين تعميهم السلطة والقوة، فيتشبثون بها أو يستميتون من أجل بلوغها، ويرون أن من حقهم أن يقدِّروا للناس أقدارهم، وأن يهبهم الناسُ أعمارهم، في أي موقع كانوا، ومن أي منطلق انطلقوا ليكلفوا الناس ما لا يطيقون، سواء أكانوا سلطة أم معارضة، فإن عليهم أن يدركوا جيداً أن هذا الذي يريدون لن يكون وإذا كان فلن يدوم.. وأنه على الباغي والآثم والجاني والظالم تدور الدوائر.. ومصداق ذلك في كل تجارب الشعوب وحِكَمِ العقول، وآيات الكتب المقدسة، وكذلك في أمثال شعبية لنا نحن العرب، نذكر منها ختاماً اثنين الأول يقول: " ما طار طيرٌ وارتفع إلا كما طارَ وقع"، أما الثاني فكويتي مكتوب على واجهة دار الإمارة يقول: " لو دامت لغيرك ما وصلت إليك.".

 

دمشق في 5/10/2012