خبر بن غوريون و « دولة كل مواطنيها »- هآرتس

الساعة 09:12 ص|03 أكتوبر 2012

بن غوريون و "دولة كل مواطنيها"- هآرتس

بقلم: عامي غلوسكا

عقيد احتياط ود. كاتب كتاب "يا اشكول، اصدر الأمر"

(المضمون: بن غوريون لم يؤيد حقا "دولة كل مواطنيها". أقواله في مركز "مباي" في كانون الاول 1947 جاءت ردا على مشروع قرار تقدم به زيرح فيرهافتيغ، رجل "همزراحي"، الذي حظي بردود فعل عاطفة في أن دستور الدولة اليهودية سيقرر بان اليهودي فقط يمكنه أن يكون رئيسا للدولة – المصدر).

بعد بضعة أيام من قرار الجمعية العمومية للامم المتحدة في  29 تشرين الثاني 1947 أعلن دافيد بن غوريون في مركز "مباي": "الان فيما نحن نسير نحو اقامة دولة، يجدر بالذكر بان هذه لن تكون دولة يهودية، هذه ستكون دولة (كل) مواطنيها... في داخلها سيكون كل المواطنين متساوين... وافترض أنها لن تسمى أيضا دولة يهودية".

نعم، هذا هو ذات بن غوريون الذي بعد نحو أقل من نصف سنة، في الخامس من ايار من العام "تشح" بالتقويم اليهودي، سيقف ليعلن في مجلس الشعب "نعلن بذلك عن اقامة دولة يهودية في بلاد اسرائيل"؛ ذات بن غوريون الذي كان المفكر الاستراتيجي الاعلى لحرب الاستقلال واستبعد كل تنازل عن الانجازات الجغرافية والديمغرافية للحرب، وان لم يسعى الى توسيعها؛ الذي انتهج حكما عسكريا في الوسط العربي وعارض الغاءه في كل سنواته كرئيس للوزراء ووزير للدفاع.

ماذا نتعلم من ذلك؟ انه لا يجب أخذ دليل من الاقوال، بل من الأفعال. ديمتري شومسكي في مقاله "تقسيم قبل الخلاص" ("هآرتس"، 11/9/2012) يتجادل مع البروفيسور بني موريس ("نهاية النزاع على الاقل من ناحيتي" بقلم كوبي بن تسمحون، "هآرتس"، 7/9/2012) واستنادا الى اقتباسات من اقوال بن غوريون تشكك بتأييده لتقسيم البلاد. ولكن أفعال بن غوريون تثبت بأنه عمل بنشاط وثبات، ابتداء من 1937، في أعقاب استنتاجات لجنة غيل، على قبول مبدأ التقسيم، ولم يتراجع عنه.

        وحظي هذا المبدأ بتأييد جارف في الحاضرة العبرية، كما شهد عليه رد فعلها المتحمس على قرار الامم المتحدة، ولكن رفض القيادة الفلسطينية والدول العربية مبدأ التقسيم والشروع الفوري في حرب لاحباط قرار 29 تشرين الثاني، سرق الاوراق.

        لقد أتاحت الحرب لبن غوريون تحقيق ما رآه كاضطرار وجودي لبقاء الدولة اليهودية: تحريك الحدود المستحيلة لخريطة التقسيم وتغيير النسبة العددية بين اليهود والعرب، التي كانت حسب قرار الامم المتحدة قرابة نصف – نصف.

        ولكن بن غوريون لم ينجرف ولم يستغل التفوق الحاسم للجيش الاسرائيلي في أواخر الحرب كي يوسع أكثر فأكثر اراضي الدولة وليضع حدودها الشرقية على نهر الاردن. وحتى البلدة القديمة، الحرم، المبكى وحارة اليهود لم تكن من ناحيته سببا كافيا للامتناع عن تقسيم القدس. عندما هوجم في الكنيست، من اليسار ومن اليمين على اتفاق الهدنة مع الاردن، أجاب بحزم: "عندما كانت مسألة وحدة البلاد بدون دولة يهودية، او دولة يهودية بدون وحدة البلاد – اخترت الدولة اليهودية على  وحدة البلاد".

        وفي السنوات التالية ايضا لم يستغل بن غوريون تسلل "الفدائيين" من الاردن والازمات العسيرة التي ألمت بالمملكة الهاشمية في 1958 وفي 1963 كي يدفع حدود اسرائيل شرقا. عشي حرب الايام الستة عارض الخروج الى الحرب، وبعدها أيضا لم يكن من المنضمين الى حركة بلاد اسرائيل الكاملة.

        يأس البروفيسور بني موريس من امكانية السلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين يبعث على الاكتئاب. محظور اليأس، حتى عندما تكدر الاصولية الدينية وجه الواقع وتنصب حواجز متزمتة على طريق الساعين الى السلام من هنا ومن هناك. فاليأس ليس برنامجا، والتاريخ مشبع بالانعطافات غير المتوقعة. ولكن الحقيقة يجب ان تقال: 1948 وليس 1967 هي التجربة (والادق: الصدمة) التأسيسية للفلسطينيين، ومبدأ "العودة" هو قدس أقدس الفكرة الوطنية الفلسطينية؛ وليس كـ "حق" غامض فقط، بل كهدف للتحقق لا ينبغي التخلي عنه.

        فضلا عن كل جدال سياسي أو ايديولوجي اسرائيلي داخلي، محق موريس على ما يبدو في قوله ان احساس العدل المطلق لدى الفلسطينيين (ورؤية الصهيونية كشر مطلق) ورفض كل حق وصلة لليهود بالبلاد، ناهيك عن تقرير المصير للقومية اليهودية والدولة القومية اليهودية – يضع عائقا شديدا جدا في وجه السلام في هذا الزمن.

        بن غوريون لم يؤيد حقا "دولة كل مواطنيها". أقواله في مركز "مباي" في كانون الاول 1947 جاءت ردا على مشروع قرار تقدم به زيرح فيرهافتيغ، رجل "همزراحي"، الذي حظي بردود فعل عاطفة في أن دستور الدولة اليهودية سيقرر بان اليهودي فقط يمكنه أن يكون رئيسا للدولة.