بقلم: ناحوم برنياع

خبر 90 في المائة من ماذا- يديعوت

الساعة 09:40 ص|30 سبتمبر 2012

خط رئيس الوزراء في خطبته في الامم المتحدة بموهبة كبيرة خطا أحمر بين طرفي قنبلة، وكان الرسم قابلا للاستيعاب بصورة عجيبة. فقد احتل شاشات التلفاز في عاصفة، والصفحات الاولى من الصحف ومواقع الشبكة العنكبوتية. وتأثر ساسة في العالم كله بقدرة رئيس الوزراء على التجسيم؛ وقالوا في أنفسهم كنا نود ان يكون هذا الرجل في فريق علاقاتنا العامة. ومن المؤكد ان استطلاعات الرأي في البلاد ستطريه، فقد أحب الاسرائيليون الرسم التصويري وأحبوا الانجليزية. ولكل هذا للأسف الشديد صلة ضعيفة بالجهد لوقف محاولة ايران الحصول على القدرة الذرية.

في العالم بضعة آلاف من الناس تشغلهم القضية الذرية لا باعتبارها درسا في العلاقات العامة بل مشكلة استراتيجية، وهم يشغلون مناصب رفيعة في الادارة الامريكية والحكومات الاوروبية وفي ايران واسرائيل. وفريق منهم من ناس الاستخبارات وفريق من الخبراء بالذرة وفريق من الجنرالات وفريق من الساسة. وهؤلاء هم الناس الذين سيتخذون القرارات في نهاية الامر إن خيرا وإن شرا. وقد سببت خطبة نتنياهو البلبلة لهؤلاء الناس.

صعب عليهم ان يفهموا عن أي خط احمر يتحدث نتنياهو، فقد كان في الرسم الذي جاء به رقمان: 70 في المائة و90 في المائة. وقال نتنياهو ان الايرانيين بلغوا الى 70 في المائة، ولا يجوز ان ندعهم يبلغون الى 90 في المائة.

70 في المائة من ماذا، و90 في المائة من ماذا.

افترضت وسائل الاعلام في اسرائيل ان الحديث عن تخصيب اليورانيوم، وهذا ما أبلغه المراسلون الاسرائيليون من نيويورك. فقد أرسل مراسل "يديعوت احرونوت" ايتمار آيخنر في مساء يوم الخميس رسالة قصيرة الى رافي شمير، رئيس جهاز قسم الاعلام التابع لرئيس الوزراء الموجود مع حاشية نتنياهو في نيويورك، وكتب يقول: "لم نفهم ما القصد بـ 70 في المائة. أهو التخصيب بنسبة 70 في المائة أم ان الايرانيين أتموا 70 في المائة من المشروع. والامر كذلك حينما تحدث عن 90 في المائة. فهل القصد الى تخصيب بنسبة 90 في المائة أم أنهم سيُتمون 90 في المائة من المشروع؟".

وكان جواب المتحدث عن رئيس الوزراء الذي أُرسل في رسالة قصيرة قاطعا لا لبس فيه: "الحديث عن درجتي تخصيب". وهكذا ظن اعضاء حاشية آخرون ايضا وفي مقدمتهم وزير الخارجية ليبرمان.

لا توجد في الواقع ارقام كهذه كما يعلم كل من يتابع القضية الذرية بجدية، فالايرانيون يسعون الآن الى تخصيب بنسبة 20 في المائة وهي نسبة ستُقربهم من قدرة عسكرية. فاذا بلغوا 90 في المائة فسيكون وقفهم متأخرا جدا. والارقام لا تهم مشاهد التلفاز في ميامي أو في فلاديفوستك لكنها تصنع الفرق كله بالنسبة لمتخذي القرارات في العالم. وقد أحدث نتنياهو عندهم بلبلة بدل الوضوح.

ان الخط الاحمر اجراء ممتاز حينما يُطيعه الطرف الثاني ويُحتاج لذلك الى شرطين. الاول ان يخيف التهديد حقا؛ والثاني ان يُسلَّم الى الطرف الثاني بصورة سرية كي لا يتم تفسيره على أنه استسلام، وهذان الشرطان غير موجودين الآن. فتهديد اسرائيل وحدها لا يخيف الايرانيين؛ والتهديد الذي يُسمع من فوق منصة الامم المتحدة لا يدع لهم من خيار سوى الاستهزاء.

توجد جهات جدية في واشنطن على ثقة من ان اسرائيل كانت تستطيع التوصل الى تفاهم مع ادارة اوباما يقول ما يلي تقريبا: اذا توصل الايرانيون الى قريب من القنبلة (لنقل الى 90 في المائة من المسافة) فان امريكا ستعمل عسكريا. وكانت الادارة الامريكية كما يقولون على استعداد لأن تنقل تحذيرا من هذا النوع سرا الى الايرانيين كي يستطيعوا ان يزنوا خطواتهم من غير ان يخشوا المذلة. وتهديدات نتنياهو المعلنة أحبطت كل تفاهم فقد زادت مواقف اوباما تشددا وزادت في غلّو رفض ايران.

لم تُحدث الخطبة بلبلة بالنسبة لماهية الخط الاحمر فقط بل بالنسبة لوقته ايضا. فقد تحدث نتنياهو عن مسار سيستمر أشهرا – الى الربيع أو ربما الى الصيف. والمهلة التي أعطاها ناقضت تصريحاته السابقة التي طلبت عملية امريكية فورية حتى قبل الانتخابات فنشأت مشكلة ثقة. وقد أعطى الايرانيين مع ذلك في ظاهر الامر مهلة مريحة. لتعجيل المشروع وتحسينه.

وفهم نتنياهو انه توجد هنا مشكلة. ففي المقابلات الصحفية التي أجراها في قنوات التلفاز جعل مسألة الوقت غامضة فقال ان اسرائيل ستعمل متى تجد ذلك صحيحا وكان هذا الاصلاح في محله بيقين وبقيت مع ذلك صعوبة واحدة وهي: اذا كانت اسرائيل تنوي ان تعمل متى شاءت، في الاسبوع القادم أو في السنة القادمة، فلا معنى للخط الاحمر. فالخط الاحمر ممدود من اليوم الى الأبد.

ليس من الفضول ان نزيد ثلاث ملاحظات اخرى.

ملاحظة تاريخية: ان الانتباه الذي أثارته الخطبة جعل المعارضين يقفزون بصورة طبيعية ايضا. فقد قال مايكل هايدن الذي كان رئيس وكالة الاستخبارات الامريكية في فترة بوش وزار اسرائيل منذ وقت ليس بعيدا قال لصحيفة "نيويورك تايمز" ان بوش توصل سرا الى قرار عدم الهجوم على المشروع الذري الايراني. فقد اعتقد المستشارون الكبار للرئيس ان الهجوم "سيحثهم على فعل ما نحاول منعهم إياه".

وفي هذا السياق يذكر الخبراء قصف المفاعل الذري العراقي في 1981. "ان قصف اسرائيل للمفاعل الذري زاد من شدة تصميم صدام حسين وأعطى مطامحه الذرية حياة جديدة"، قال عدد من الخبراء للصحيفة.

ملاحظة سياسية: علم اوباما ان لقاءه مع نتنياهو سيضر به مرتين – مرة بخطبة الوعظ التي ستصدر عن نتنياهو أمام آلات التصوير حينما يجلس الى جانبه، ومرة ثانية في اللقاء الذي سيُتمه نتنياهو بعد ذلك مع خصمه ميت رومني حينما سيكرر وعظه لاوباما أمام آلات التصوير. وعلم ان نتنياهو لن يتجرأ على لقاء رومني اذا لم يُرتب له لقاء معه.

ولهذا – لا بسبب مشكلات برنامج زمني – اكتفى الرئيس بمكالمة هاتفية جاءت بعدها كالمتوقع مكالمة هاتفية مع رومني.

ملاحظة اعلامية: يُحسن نتنياهو الظهور. وليس لاسرائيل في الساحة الدولية خطيب أكثر تأثيرا منه. لكنه ينتمي الى جيل التلفاز والى الايام التي كانت فيها نشرات المساء الاخبارية في التلفاز هي المصدر الذي استمد منه العالم المعلومات والالهام، وقد أصبح هذا العصر خلفنا. ان الشبكات الاجتماعية ومواقع الشبكة العنكبوتية هي الساحة الرئيسة للتأثير في الرأي العام. فالذي يُرى شيئا لامعا في التلفاز يصبح سريعا جدا رسما كاريكاتوريا في الشبكات الاجتماعية. ان الذرة الايرانية مشكلة جدية لاسرائيل والعالم، وليس من الجيد اذا رآها العالم أنها رسم كاريكاتوري.