خبر تراث غولدا ما يزال حيا-هآرتس

الساعة 10:35 ص|23 سبتمبر 2012

بقلم: جدعون ليفي

        (المضمون: يبلغ الصلف الاسرائيلي اليوم ما كان بلغه عند حكومة غولدا مئير قبل حرب 1973 وقد يتغير الوضع فجأة بلا سابق إنذار - المصدر).

        ماتت غولدا مئير منذ زمن ومثلها موشيه ديان ايضا، ولم يعد جنرالات الجيش الاسرائيلي يقفون الـ "فالينت دارت" على الرصيف عند مدخل مطعم ايلي رونين الذي يقدم شرائح اللحم في ميدان ملوك اسرائيل في تل ابيب؛ ولم يعودوا يأكلون على حساب البيت كما ينبغي لأبناء الآلهة، ولم يعد دخان سجائرهم يغطي صورهم التي كانت تزين جدران المطعم. تحول الجنرالات الى جنود مجهولين، ومع ذلك لم يتغير شيء منذ كانت تلك الحرب الفظيعة، حرب يوم الغفران التي لا يكفيها شيء ألبتة من المراثي وقصص البطولة.

        ماتت مئير امرأة تشعر بالمرارة في شتاء 1978 وما تزال روحها وتراثها حيين يرزقان الآن أكثر مما كانا دائما. ان صوت المرأة التي مثلت بصورة أفضل من الجميع الصلف الاسرائيلي يخرج الآن من حناجر كثيرين كما لم يخرج منذ زمن. من المرشح ميت رومني الى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو؛ ومن وزير الخارجية افيغدور ليبرمان الى المفكر السياسي بوغي يعلون اللذين يعلمان أنه "لا حل"؛ ومن رئيس مجلس "يشع" داني ديان الذي يهدد بالانفجار لشدة الرضى عن النفس الى محللي "اللاشريك" – كلهم يتحدثون مثل غولدا.

        لا يوجد سياسي اسرائيلي نُقش أثره نقشا عميقا في الـ دي.ان.ايه الوطني. ولا توجد نظرية سياسية اخرى خُلدت كنظرية الملكة الأم هذه. فقد طبخت في مطبخها روح الصلف هذه التي لم تزل الى اليوم ونظرية الزمن الذي يعمل لمصلحتنا. وقد استكبرت على الشرقيين ووضع هؤلاء حدا لهيمنة حزبها على الحكم. واستكبرت على العرب الذين جلبوا عليها أم كل الحروب، مع عشرين ألف قتيل بلا فائدة من الجانبين. ومن العجب ان ليس دافيد بن غوريون حتى ولا مناحيم بيغن بل رئيسة الحكومة الأكثر فشلا في تاريخنا هي التي يتم الحفاظ على تراثها في ورع كهذا الى هذا اليوم وكأنه لم يحدث شيء قط.

        ان الوضع الآن ايضا جيد والزمن، اجل الزمن، يعمل لمصلحتنا. لا يوجد عرب ولا توجد عمليات تفجيرية وكل شيء حسن. ويقول رومني ونتنياهو انه لا يوجد من يتم الحديث معه ولا يوجد ما يُتحادث فيه ويُجيبهما جوق المحللين مثل صدى. وفي رام الله يوجد الزعيمان الفلسطينيان الأكثر اعتدالا في جميع الأزمان – وعندنا لا يوجد من يُحادَث، وزالت العمليات التفجيرية كليا تقريبا ولا يوجد ما نُحادث فيه. وأصبح أكثر الاسرائيليين يقولون في استطلاعات الرأي انهم يؤيدون دولتين بل ان رئيس الحكومة مثلهم لكن لا هنا ولا الآن. كان ذلك أول أمس لأنه لم يوجد شعب فلسطيني وأمس بسبب الارهاب واليوم بسبب الربيع العربي وغدا بسبب القاعدة التي ستأتي الى المنطقة.

        اليكم النظرية على رجل واحدة: سيظل ثلاثة ملايين ونصف مليون من الفلسطينيين يعيشون الى الأبد من غير دولة ومن غير حقوق مواطنة. لماذا؟ لأن نتنياهو وليبرمان ويعلون قرروا ذلك من اجلهم لأنه ليس عندهم حل. وسيتحسن وضعهم من آن لآخر شيئا ما كما هي الحال الآن وسيسوء بين الفينة والاخرى، وعلى كل حال لن يتجرأوا أبدا على المعارضة ولا على النضال ولا على الانفجار. فليس القرن هو القرن الواحد والعشرين ولا يوجد عالم ولا يوجد قانون دولي ولا يوجد تاريخ يعلم انه لا يوجد شيء كهذا. سيبقى الاحتلال الى الأبد ويستوعبه الفلسطينيون والعالم ويعمل الزمن لمصلحتنا. هكذا بالضبط تحدثوا آنذاك. فقد كان عبد الناصر ينتظر رابين وشرم الشيخ بلا سلام بل ان هذا الصلف لم يثبت على حاله بل أصبح موجها الآن على امريكا ايضا التي أنقذت اسرائيل في تلك الحرب – وهذا درس آخر لم يتم تعلمه.

        تُجرب البورصة السياسية الآن ارتفاعات اسعار خضراء: فهناك هدوء نسبي ونماء اقتصادي وعالم ضابط لنفسه وهكذا بالضبط كان الوضع عشية تلك الحرب. فلم يتخيل أحد آنذاك انه بعد نحو من ست سنوات فقط سيهدد جيش الحُفاة في 1967 بأن يهزم الجيش الأقوى. ويصعب الآن ايضا تخيل هذا. ستأتي نهاية الاحتلال بضغط دولي لا تثبت له اسرائيل أو بسفك دماء لم نعرف له مثيلا. هل يصعب ان نتخيل هذا الآن؟ تذكروا من فضلكم تلك السنوات آنذاك.