خبر أرض الله واسعة ورحمته وسعت كل شيء ....بقلم:علي عقلة عرسان

الساعة 10:23 ص|22 سبتمبر 2012

بقلم:علي عقلة عرسان

لفت نظري أن تعلِّق الدولُ العربية، أو أن تسحب من جدول أعمال مؤتمر الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي ينعقد هذه الأيام في فيينا، تقديم مشروع قرارها حول "القدرات النووية الإسرائيلية".. في توقّع منها، كما قال مفوضها الرئيس، لأن تطبق "إسرائيلُ" أحكام قرار" القدرات النووية الإسرائيلية " الذي أعتمِد عام 2009 وتمتثل للقرارات الدولية بهذا الشأن، لجعل الشرق الأوسط خالياً من الأسلحة النووية..؟!! لقد فعلت ذلك كبادرة حسن نية منها تجاه إسرائيل" ؟؟!"، وكأننا منذ مؤتمر فاس في سبعينيات القرن الماضي لم نقدم مبادرات وتنازلات واعترافات..إلخ، لتأكيد حسن النية، وكل ذلك واجهته " إسرائيل" بالرفض والازدراء؟! ومن الطبيعي ألا تحظى هذه المبادرة بأي اهتمام أو إشارة من " إسرائيل" والولايات المتحدة الأميركية اللتين كانتا قد استهجنتا تفكير الدول العربية بإدراج هذا الموضوع على جدول أعمال المؤتمر حيث كان يدرج عادة.. لأن " إسرائيل" وحليفها الأميركي يلمحان فيستجاب لهما ولا يشكران؟! واللافت أكثر أن يتم هذا في وقت يتصاعد فيه اتهام إيران في المؤتمر ذاته بتعطيل كل جهد للوصول إلى حل لملفها ىالنووي حيث تتهم بالتفكير في إنتاج أسلحة نووية، وتتعرض علناً، إضافة إلى العقوبات والحصار، لتهديد بالعدوان المباشر عليها لتدمير منشآتها النووية التي تقول إنها للأغراض السلمية، هذا من جهة، وأن يحتشد معظم العرب وراء هذا التوجه من جهة أخرى؟!

لفت ذلك نظري بشدة، ولكن بعد تفكير في الأمر استدركت وأدركت أن التفكير بأمر ما أشد خطورة من جعل الفكرة أمراً واقعاً وذات قوة متجذرة في الأرض وتأثير على من يعيشون فوقها.. ولهذا السبب، ومن هذا المنطلق، يكون السلاح النووي الإسرائيلي الذي يُعزَّز ويُطوَّر منذ عام 1956 ويصل إلى ما يقرب من 400 رأس نووي أقل خطورة بكثير جداً من تفكير أي عربي أو مسلم بالتوجه نحو إنتاج الطاقة الذرية للأغراض السلمية التي قد تغري بدورها بالتفكير في إنتاج أسلحة نووية.؟! وفي ضوء هذا فهمت أو ازددت فهماً، لمسوِّغات العدوانين الإسرائيليين الشهيرين على مفاعل تموز في العراق في ثمانينات القرن العشرين " 1981" وتدميره تدميراً تاماً، وعلى بناء قيد الانشاء، قرب قريتي حلبية وزلبية في محافظة دير الزور شرق سورية، قامت " إسرائيل" بتمديره قبل سنوات قليلة، لأن الإسرائيليين قدروا والأميركيين وافقوا على تقديرهم، بأن هذا البناء قد يفكر السوريون باستخدامه موقعاً لمفاعل نووي سوري؟!، وقد تم الفعلان العدوانيان، لا سيما الأخير منهما، من دون أن يثيرا أية ضجة أو اعتراضات ذات قيمة. ولم ألبث، بعد تفكير، أن ازددت "معرفة وربما وعياً؟!"، " بالضرورات القصوى المتصلة بمواجهة كل الاحتمالات، وتوفير كل الإمكانيات والذرائع "ومنها الدفاع عن النفس وعن الوجود" لتوجيه ضربات استباقية عدوانية تقوم بها " إسرائيل" دائماً، وينتهجها الأميركيون والغربيون في أحيان كثيرة، إنها من وجهة نظر الشعوب والدول والقانون الدولي النظري اعتداء سافر، ولكنها من وجهة نظر "إسرائيل" وحلفائها أعمال لها ما يبرها.."، يقوم بها تحالف أقوياء لا يُسألون عما يعملون؟!، وفكرت بآخر التصريحات والإعلانات، وبما يجري اليوم من استعدادات "إسرائيلة" لتعزيز وجودها العسكري في الجولان، حيث تقيم استحكامات وخنادق جديدة، وتتوجه نحو بناء جدار عازل، وتعزز الاستيطان، وتقوم بمناورات عسكرية نوعية أيضاً..!؟ فالاستعداد لتدمير "الأسلحة الكيمياوية والجرثومية السورية" – أي القدرات الدفاعية السورية كافة تحت هذا العنوان -  كما هددت وهدد حلفاؤها الغربيون، يستدعي ما هو أكثر من ذلك، ويستدعيه أيضاً الاستعداد للمتغيرات الكبيرة التي يمكن أن تحدث في دمشق من جراء الصراع – الفتنة الذي تطرب "إسرائيلَ أخبارُه وتطوراته، وتشعرها بالنجاح والارتياح، بل بالفرح العارم وطلب المزيد كلما قتل سوريٌ سورياً، وكلما ازدادت فرص احتدام الصراع العربي - العربي، والإسلامي – الإسلامي.. ليصبح فتنة شاملة لا تبقي ولا تذر.   

 من الطبيعي والمنطقي أن يزداد المرء معرفة وأن يتعلم وأن يكتسب تجارب بعد تجارب.. هذا شيء عقلاني وإنساني.. ولكن أسئلة غريبة تنخس خاصرتي، أسئلة مرة نعم، جارحة نعم، عقيمة ربما.. ولكنها مما يختلج في كيان المرء الذي يكتوي بنار تحرقه أو تحرق سواه وتزحف نحوه لتأتي عليه، أسئلة تقول: إلى متى نحاول أن نفهم المفهوم، ونتعلم المعلوم، ونجرب المجرب، ونثق بالغادرين، ونسكت على الصهاينة المحتلين، ونتبع الأعداء، ونزداد غباء على غباء؟! -  نكتفي بهذا حتى لا نستخدم كلمات أكبر وأسوأ في الدلالة على الواقع الخطير المثير، وتنطوي على اتهام واستفزاز لأشخاص وجهات – إلى متى نفعل ذلك والشمس لا تُغطى بغربال، والفكر السليم للشخص السليم المنتمي بمبدئية أخلاقية ووضوح، في أبسط قدراته وتجلياته وخطواته، يكشف هذا النوع من أداء العدو وكل أداء يضع صاحبه تحت عباء العدو وحلفائه.؟!

لا بد أن نخرج من هذه الدوامة بعناصرها ومنها التبعية والعنجهية والتعصبية الجاهلية، لأنها تدور وتكتسح وتستبيح، ولا تُبقي في طريقها ولا تذر، وتستمر تطحن البشر والعمران والأحياء.. وتؤسس لدورات أخرى قادمات تطال الأحياء والحياة؟! إلى متى.. الوطن ليس لمجموعة ولا لفريق ولا لتكتل ولا لحزب، أو مجموعات وكتائب وعصائب مهما كان ادعاء أولئك وهؤلاء.. الوطن لكل أبنائه ويحكم ديمقراطياً بإرادة أبنائه جميعاً، وينبغي أن يكون موئلاً ومثابة ودار أمن من جوع وخوف، دارة أمان يطمئن فيها الإنسان.. الوطن ليس راية بيد هذا أو ذاك، إنه الشعب الراسخ في أرض أطلق عليها اسم الوطن وضحى من أجلها لكي يحميها ويبنيها ويبقى فيها كريماً سيداً يعيش ويتعامل مع غيره بما يكفل الكرامة والحرية والأمن والبقاء. لقد تعبنا أيها الناس.. اسمعوا جميعاً:" لقد تعبنا" وآن لنا أن نرتاح، ولأبنائنا أن يناموا ويتعلموا ويحلموا، وللجائع منا أن يجد كسرة الخبز، ولمن فتح السوق السوداء على حساب الفقراء والبؤساء أن يقفلها ويخزَى، بعد أن تُسد أمامه أبوابها ويحاسب على امتصاص دم الناس. كفى.. بربكم كفى.. إن البيت الوطن يتهدم على ساكنيه.

لو أن آلاف القتلى الذين سقطوا في هذا الصراع المقيت، وعشرات آلاف الجرحى والمعوقين الذين عانوا وسيعانون إلى مدى بعيد بعد أن تخمد ناره، ولو أن كل هذا الدمار الذي تم والحقد الذي زُرع والمال الذي صُرف ويصرف، والشراسة في القتل والاقتتال، والبسالة في المواجهة البائسة.. ولو أن كل هذه النخوة العربية والإسلامية، والعنجهية الإعلامية والسياسية.. لو أن كل ذلك أو جزءاً منه كان على طريق تحرير الجولان المحتل منذ عشرات السنين، لما شعرنا بمر الشكوى على هذا النحو الذي نشعر به الآن، ولتحرر الجولان من رجس الصهاينة أو لعادت قضيته جَزَعَة بنظر أهله والشعب العربي والعالم كله..!! ولو أن هذا الذي تم ويتم كان من أجل فلسطين لحمى شيئاً مما تبقى من أرضها ومقدساتها وتاريخها، ولحمى الشعب الفلسطيني ومقومات وجوده ونضاله من كثير من الأمراض الموصوفة وغير الموصوفة!! ولو أن ذلك كان من أجل قضية عادلة ونظيفة ومبدئية من قضايا الأمتين العربية والإسلامية لعبَّد الدم المراق بعض الطريق إليها ولتقدمنا نحو حلها خطوات، ولفهمنا تفاصيلها ومحيطها وكلَّ ما يتعلق بها بصورة تقربنا من الحل.. لكن أن يقتل بعضُنا بعضاً بهذه الهمجية والعبثية والمجانية، وأن يضعِف بعضُنا بعضاً بوعي أو من دون وعي، فيخدم ذلك أعداء الأمة.. فذاك لعَمري أمرٌ لا يمكن فهمه أو هضمه أو قبوله أو التسليم به.. وإذا كان من يقومون به لا يدريون أبعاده لجهل أو حمق أو مكابرة أو إغواء وإغراء.. فتلك مصيبة، أمَّا إذا كانوا يدرون ويقومون بما يقومون به عن وعي وقصد وتصميم فتلك الطامة الكبرى وليست المصيبة الأكبر.

وعلى أية حال، ما دام الحال هو هذا الحال، وما دام تساقي كؤوس الصاب والحنظل مستمر، لأسباب تمتد من السلطة وشهواتها حتى الفتنة الطائفية وعقابيلها، لخدم كل ذلك الصهيونية والاستعمار وأصحاب العقول الصغيرة.. فإن علينا أن نتوقف فوراً عن ركوب موج الدم والحقد والجهل وعن خوض غمار التحديات، لكي نبقي لأبنائنا وأحفادنا بعض الحياة وبعض الأرض وبعض الزاد وبعض الكرامة وبعض الأمل.. لا يمكن أن نستمر في هذا الجنون مهما كانت الأسباب لأن النتائج تفوق كل الجنون وكل ما قد يقدم من أسباب، ولا يمكن أن ننصر أعداء الأمة بهذين الحمق والغباء. علينا أن نلتفت إلى بيتنا الذي يحترق لنطفئ النار التي تلتهمه وتلتهمنا معه، ومن ثم نلتفت إلى داخل البيت لنخوض صراعاً أعظم، أو خير الجهاد، ليس بالقتل والحقد والذم والشتم والإغلاء والاستعلاء، بل بالعقل والمنطق والرحمة والمودة والمعرفة والحكمة وإنارة دروب الوعي، ومعالجة أمراض الجهل والتعصب بأشكاله والتطرف بدرجاته.. علينا أن نعمق الفقه والمعرفة بالله وبالدين والقيم والوطن والإنسان لكي نقف على مشارف ما يجعلنا نعي إنسانيتنا وخصوصيتنا، من نحن، ومن الذي يستهدفنا وبماذا، ولماذا؟ وكيف يفعل وكيف يصل إلى ما يريد، وبأيدينا نحن وأموالنا نحن ودمائنا نحن.!؟ علينا أن نعرف كيف نتعامل بوعي ومسؤولية، وبأقل درجة من الاقتدار والحضارية مع ذلك الذي انخرطنا فيه وفُرض علينا لكي نخرج من دوامة القتل والنار والعار.. ولكي ندرك جيداً ما الذي يتوجب علينا أن نواجهه من وقائع ومشكلات وتحديات، لكي نعود إلى حالة إنسانية ووطنية كنا فيها المثل والقدوة.؟ لا بد من دخول المطهَر الوطني حيث يتجلى الضمير وترتفع درجة المواطَنَة، ويوضع معيار العدل والحق في نصاب صحيح لائق.. لا بد من تحرك عاجل شامل ومسؤول يتجسد في مواقف مسؤولة وسلوك قوين ذي مرجعيات حاكمة، تحرك يقوم به كل معني بأمر الوطَن وأمر الناس، يقوم به الحاكم والمحكوم، الظالم والمظلوم.. وكل من بالغ بالجور وسكت على الجور، نفعل ذلك لكي نتحرر من الخوف والإثم والجبن والسلبية القتالة، ونقضي على العفن المشرش في الأنفس، وتتفتح أرواحنا في فضاء الله والدين والحرية والقيم الرفيعة والوطن العزيز السيد الكريم.. على كثيرين منا أن يقفوا أمام الشعب بتهيب واحترام وصدق ليقول الواحد منه بشجاعة: أخطأت، أتراجع، أحاسب، أعاقب.. أنا ابن الوطن وتحت القانون، وفي خدمة البلد والشعب والأمة.. لا أملك الأرض ولا الشعب ولا العصمة، أخطئ وأصيب.. على كثيرين من أن يفعلوا ذلك لأن بقاء الوطن أهم من كرامة الشخص، أي شخص ومن بقائه إذا كان عبئاً على الشعب والوطن والحقيقة والعدل، ولأن بقاء الأجيال في سورية نظيفة ومتحابة وموحدة في الأهداف والرؤى ومتماسكة بقوة، أفضل بكثير من عنترية أشخاص يمضون في غيهم ويفلتون من العقاب وينطحون السحاب ويبقون في غيهم يعمهون ويجنون على الوطن وعلى أبنائهم وأحفادهم وعلى كثير من الناس وعلى هيبة سورية ومكانتها وتاريخها النضالي والحضاري، ما يجنون. للجاني طريق وقانون ووقفة أمام الشعب وأمام الله وللمجني عليه حق يأخذه بالقانون من دون ظلم أو حقد أو ضيم.. العدل يقيم أساس الدول وليس القوة، وهو رأس الحكم وكل الحكمة، ليست القوة هي التي تقيم الحكم العادل وتؤسس له، القوة العادلة هي التي ينبغي أن تخدم العدل والشعب وتوقف الظلم وتحمي من العدوان.. آن أن يتوقف القتل والقهر والإرهاب والعدوان والتدمير والخوف والظلم وأن ينحسر الظلام إلى غير رجعة.. لقد ضقنا ذرعاً بكل شيء، أوجدوا طريقاً للمتعبين والتائبين والضائعين والمغرر بهم.. وانظروا بصوابية بصيرة وسعة بصر ترون أن أرض الله واسعة ورحمته وسعت كل شيء.

دمشق في 21/9/2012