خبر قضية الأسرى بعد تسعة عشر عاما من اتفاقيات أوسلو/ بقلم عيسى قراقع

الساعة 07:39 ص|17 سبتمبر 2012

 

 

لا زال 111 أسيرا فلسطينيا يقبعون في سجون الاحتلال منذ توقيع اتفاقية إعلان المبادئ في 13/9/1993، لم تفرج عنهم المفاوضات الثنائية ولا صفقات التبادل طيلة تسعة عشر عاما من إبرام الاتفاق التاريخي بين م ت ف وإسرائيل والذي فتح صفحة جديدة ومرحلة مختلفة في تاريخ الصراع الفلسطيني –الإسرائيلي.

 

اتفاقيات أوسلو لم تؤد إلى إقامة الدولة الفلسطينية والحرية بعد انتهاء المرحلة الانتقالية عام 1999، بل تكرس وتعمق الاحتلال ، وطفحت السجون بالمعتقلين، وتحول الاتفاق إلى كمين لشطب حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وسلب هويته الوطنية والسياسية.

 

 

المعتقلون قبل اتفاقيات أوسلو 1993 ظلوا خلف الاتفاق التاريخي الذي أعلن انتهاء حالة الحرب والعدوان بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي وإعلان الاعتراف المتبادل، وبدء مسيرة التسوية السياسية التي على أثرها أنشئت السلطة الوطنية الفلسطينية، وكان من المفترض أن لا يبق أي أسير فلسطيني منذ توقيع هذا الاتفاق وتبييض السجون من الأسرى.

 

الاعتراف المتبادل يعني بالنسبة للأسرى الاعتراف بهم كجنود ل م ت ف، خاضوا الصراع من اجل الحرية والاستقلال، وافترضوا أن يكون أول ترجمة ملموسة على الأرض لهذا الاتفاق هو إطلاق سراحهم، ولم يتوقعوا أن لا يذكرهم المفاوض الفلسطيني في نص اتفاقيات أوسلو، أو أن يراهن المفاوض على حسن نوايا حكومة إسرائيل.

 

خيبة أمل واسعة عمّت صفوفهم بعد عام 1993 ،ووجهوا انتقادات واسعة للمفاوض الفلسطيني وأعلنوا لأول مرة إضرابات سياسية ضد تجاهلهم ونسيانهم خلال السنوات التي امتدت من 1994 حتى عام 1998، حيث ساد الغضب والإحباط، وبدأت مرحلة مختلفة في تجربة الأسرى الذين بدأوا يبحثون عن خلاصهم الإنساني والوطني

 

وكان رد المفاوض الفلسطيني في ذلك الوقت أن الإفراج عن الأسرى سيكون تحصيل حاصل للاتفاق، وبعض المفاوضين اعتبر أن خطا قد حدث وأنه سيتم استدراكه فيما بعد، ولكن حكومة إسرائيل تمسكت بنص الاتفاق ووضعت سياسة جديدة أكثر تعسفا وعنصرية في التعامل مع إطلاق سراح أسرى من السجون.

 

لقد استغلت حكومات إسرائيل عدم وجود نص صريح وواضح في اتفاقيات أوسلو حول إطلاق سراح الأسرى، لتمارس الضغط السياسي والابتزاز على القيادة الفلسطينية خلال مراحل التفاوض اللاحقة، ليصبح الأسرى منذ ذلك التاريخ أداة للمساومة السياسية وفرض الشروط.

 

وكان الأخطر في مرحلة ما بعد أوسلو هو قيام حكومات إسرائيل بوضع معايير ومقاييس عنصرية ذات طابع أمني وسياسي حول إطلاق سراح أسرى، ورفعت شعار الأيادي الملطخة بالدم، واستثناء أي أسير متهم بقتل أو جرح إسرائيلي من أية افراجات، إضافة إلى استثناء أسرى القدس وفلسطين المحتلة 1948 باعتبارهم مواطنين إسرائيليين لا يخضعون لإشراف وولاية السلطة الوطنية الفلسطينية.

 

قدامى الأسرى في السجون من بينهم (71) أسيرا مضى على اعتقالهم عشرين عاما وما يزيد ويطلق عليهم عمداء الأسرى، ومن بينهم 21 أسيرا مضى على اعتقالهم ربع قرن ويطلق عليهم جنرالات الصبر، ويعتبر الاسير كريم يونس من قرية عرعرة وهي إحدى المناطق التي احتلت عام 1948، والمعتقل منذ عام 1983 هو أقدم الأسرى في السجون.

 

لقد مرّ الأسرى ما قبل أوسلو بتجربة صعبة ومريرة ما بين القيود التي فرضتها حكومات إسرائيل حول إطلاق سراحهم وما بين شروط سياسية وابتزاز تمارسه على القيادة الفلسطينية، وخاصة قيام حكومات إسرائيل بتجزئة الأسرى وتصنيفهم حسب الانتماء السياسي ومكان السكن وحسب التهم الموجهة لهم، مما يعتبر مساسا بوطنيتهم ووحدتهم النضالية وتكريس التفرقة بينهم والتعاطي معهم كأفراد ووفق ملفات حمراء وخضراء.

 

الاتفاقيات اللاحقة لإعلان المبادئ استدركت قضية الأسرى وبدأت عملية افراجات عن الأسرى ولكن ضمن معايير وشروط إسرائيلية، كان أخطرها استثناء كل أسير متهم بقتل أو جرح إسرائيلي، مما ترك في السجون مئات الأسرى المحكومين بسنوات المؤبد ومدى الحياة،إلا أن اتفاقية شرم الشيخ الموقعة بتاريخ 4 أيلول عام 1999 تلزم إسرائيل بالإفراج عن أسرى ما قبل أوسلو، حيث ورد في الاتفاقية ( أن الحكومة الإسرائيلية ستفرج عن المعتقلين الفلسطينيين الذين اعتقلوا قبل 4 أيار 1994، أي قبل إعلان المبادئ وقيام السلطة الوطنية الفلسطينية.

 

 

كان الإعلان عن انتهاء حالة العداء والبدء بمشروع سلام على أساس الاعتراف المتبادل وتوقف العمل المسلح بين الجانبين وفق ما حددته اتفاقيات اوسو، من المفترض أن يؤدي إلى إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين فورا من السجون الإسرائيلية حسب ما نصت عليه اتفاقية جنيف الثالثة في المادة (118) والتي اشترطت أن( يفرج عن أسرى الحرب ويعادون إلى أوطانهم دون إبطاء بعد انتهاء الأعمال العدائية).

 

حكومة إسرائيل بدلا من إطلاق سراح الأسرى عشية توقيع اتفاقيات أوسلو، قامت بنقلهم إلى سجون داخل إسرائيل، الأمر الذي يتعارض مع المادة(134) من اتفاقية جنيف الثالثة التي دعت (كل الأطراف السامية المتعاقدة أن تعمل عند انتهاء الأعمال العدائية أو الاحتلال على تأمين عودة جميع المعتقلين إلى آخر محل إقامة لهم أو تسهيل عودتهم إلى وطنهم).

 

وحسب اتفاقية فينا لقانون المعاهدات فإن إسرائيل تنتهك نصوصها التي تقضي باكتساب الأسرى من الفريقين حقهم بالحرية عند توقيع المعاهدة ويتعين على الدولة التي تحتفظ بهم إطلاق سراحهم في أقرب وقت.

 

فقهاء القانون الدولي يقولون أن غياب المركز القانوني للأسرى الفلسطينيين في اتفاقية أوسلو، وعدم تحديد المرجعية القانونية لهم دفع حكومة إسرائيل إلى اللجوء إلى تشريعاتها وقوانينها الداخلية على حساب القانون الدولي في التعامل مع قضية الأسرى ،على الرغم من أن القانون الدولي يعتبر الجزء الأسمى من قانون الدولة ويعلو القانون الداخلي.

 

وكان على المفاوض الفلسطيني في اتفاقيات أوسلو نزع الاعتراف بالأسرى الفلسطينيين كأسرى حرب وفق ما هو معمول به في الاتفاقيات الثنائية والأعراف الدولية بين الدول المتصارعة، خاصة أن قراري مجلس الأمن 242، 338، وهما مرجعية اتفاق أوسلو ، يحدد أن الوضع القانوني لقطاع غزة والضفة الغربية والقدس كأراضي محتلة.

 

ومن جهة أخرى يرى المحللون القانونيون أن اتفاقية أوسلو هي اتفاقية دولية وأدرجت في مجلس الأمن وتستند إلى مرجعية قرارات مجلس الأمن، ويصبح بذلك على إسرائيل الالتزام بإطلاق سراح كافة المعتقلين الذين كانت تحتجزهم عند توقيع اتفاقيات أوسلو، ولا يحق لها اللجوء إلى قوانينها العسكرية الداخلية.

 

 

الاستياء والحيرة تعودان الآن إلى الأسرى المعتقلين ما قبل أوسلو بعد أن استثنت صفقة شاليط عدد كبير منهم من الافراجات، حيث كانت فرصتهم الوحيدة بعد أن فشلت الجهود السياسية وجولات المفاوضات من تحريرهم من السجون، مما دفع  الرئيس أبو مازن إلى اشتراط أي لقاء مع الجانب الإسرائيلي يجب أن يبدأ بالإفراج عن قدامى الأسرى، وقد عرض عليه الإفراج عن 50 أسيرا منهم وعلى مراحل، ولكنه رفض ذلك مصرا على تحريرهم جميعا، وحسب القيادة الفلسطينية فإن الرئيس يضع قضية إطلاق سراح الأسرى القدامى الأولوية الأولى في كافة تحركاته السياسية.

 

وقد أعلن الرئيس أبو مازن أنه سيطرح هذه القضية على الأمم المتحدة ويطالب بالإفراج عن الأسرى كاستحقاق أساسي للاتفاقيات الموقعة، محاولا أن يستدعي تدخلا دوليا لوضع حد لإبقاء الأسرى محتجزين في السجون زمنا طويلا ولإخراجهم من المصيدة الإسرائيلية التي لا تلتزم ولا تحترم أية قواعد لحقوق الإنسان، ولا للجهود السياسية المبذولة نحو إنهاء الصراع وتحقيق السلام العادل.

 

ويأتي ذلك في سياق خطوات نضالية بدأها الأسرى القدامى في السجون لفتح ملف الاتفاقيات وتصحيح المسار القانوني والسياسي الذي يتعلق بمصيرهم وحتى لا يعودوا جثثا في توابيت كما يقولون قي بيان صدر عنهم.