خبر كفى مكابرة سيادة الرئيس ولتعلن صراحة فشل تسوية أوسلو ..د. إبراهيم أبراش

الساعة 05:27 ص|16 سبتمبر 2012

كل ما تحدث فيه الرئيس أبو مازن في خطابه الاستهلالي للمؤتمر الصحفي الأخير-8-9-  يؤكد الطريق المسدود الذي وصلت إليه اتفاقية أوسلو،ومع أن إلقاء الخطاب ذي صلة باضطرابات الضفة وهذه الأخيرة غير منقطعة الصلة بتداعيات اتفاقية أوسلو ،ومع أن الخطاب تزامن مع   ذكرى توقيع اتفاقية أوسلو 13-9 إلا أن الرئيس تحدث عن كل شيء إلا اتفاقية أوسلو . فإلى متى سيستمر الرئيس ورئيس الوزراء ورجال السلطة والمنظمة يكابرون ويرفضون الاعتراف صراحة بأن اتفاقية أوسلو فشلت في تحقيق ما كان يراهن عليه الطرف الفلسطيني في المعاهدة؟ هل لأن الرئيس مهندس هذا الاتفاق،والاعتراف بفشل أوسلو اعتراف بفشله الشخصي ؟ أم لأنهم لا يملكون بدائل أو رؤى بديلة ؟ أم أن في جعبة الرئيس ما لم يُصرح به من بدائل ؟.
من حق الرئيس أن يقلق من الاضطرابات ويتخوف من أياد عابثة قد تحرف المظاهرات عن المسار والأهداف المُخططة لها مسبقا ،ولكن المشكلة لا تكمن في الشعب الذي يخرج محتجا،ولا في الأزمة المالية والأوضاع الاقتصادية،ولا بالصفة التمثيلية لمنظمة التحرير المُهددة من حركة حماس،ولا حتى بالانقسام بالرغم من خطورته ومرارته، بل في المسار الذي آلت إليه اتفاقية أوسلو،وفي انحراف السلطة الوطنية عن الأهداف الأولى المُسطرة لها فلسطينيا – وليس إسرائيليا- وفي الخيارات الإستراتيجية الوطنية وفي النخبة السياسية النافذة في السلطة والمنظمة.
تلويح الرئيس بالذهاب للأمم المتحدة لانتزاع اعتراف بفلسطين دولة غير عضو، وهو الخيار أو المخرج الوحيد الذي تحدث عنه الرئيس بشكل مبهم، لن يحل المشكلة ،ونتمنى على الرئيس أن لا يستمع لجوقة المهرجين من حوله الذين يُظهرون التهديد بالذهاب للأمم المتحدة وكأنه تهديد بسلاح نووي سيغير معادلة الصراع في المنطقة وينقذ القضية الفلسطينية من مأزقها . مع أننا لا نعتقد أن هذا حلا أو مخرجا بل هروبا من مواجهة الحقيقة والواقع ،إلا أننا نقولها بصدق للرئيس أبو مازن إن عدم القطع مع اتفاقية أوسلو وتوابعها يعيق تدويل القضية،لأن العالم لن يتعامل بجدية مع التحرك الفلسطيني لتدويل القضية ما لم يعلن الفلسطينيون نهاية تسوية أوسلو.كيف يمكن لشعوب العالم حتى الذين يتعاطفون معنا أن ينساقوا وراء الفلسطينيين المطالبين بتدويل القضية فيما ما زالت السلطة والمنظمة يطالبون إسرائيل وواشنطن بتطبيق التزاماتهما المنصوص عليها في اتفاقية أوسلو ويطالبون بالعودة لطاولة المفاوضات بناء على الاتفاقات الموقعة ! نتمنى على الرئيس أن لا يستمع للمهرجين من حوله الذين لا يبحثون إلا عن مصالحهم الشخصية ،ويتهربون من غضب الشعب عليهم لما ألحقوه من دمار  بالقضية الوطنية، بالبحث عن انتصارات وهمية في المنظمة الدولية .
لامس الرئيس في خطابه قضيتين أساسيتين في اتفاقية أوسلو وملحقاتها وهما التنسيق الأمني وبروتوكول باريس الاقتصادي ،ويبدو أن الرئيس استشعر غضب الشعب من هذين الموضوعين ولكنه لم يحسم الأمر بشأنهما وخصوصا من حيث إعادة النظر بالآلية التي يتم بها التنسيق الأمني،وليسمح لنا الرئيس بالقول بان التنسيق الأمني لم يعد يخدم الفلسطينيين بل يسيء لهم ويسيء للسلطة،والزعم أن التنسيق الأمني فيه مصلحة للفلسطينيين زعم مردود عليه لأن الفائدة التي تأتي من التنسيق في الأمور الإنسانية والاجتماعية وقضية التنقل والسفر،لا تُقارن بالسلبيات الناتجة عن التنسيق الأمني والسياسي الذي يجعل الأجهزة الأمنية فرق دعم للجيش الإسرائيلي وللمستوطنين وهم يعتقلون ويقتلون ويسرقون الأراضي والمياه ،وليس بالضرورة أن يكون دعم الأجهزة الأمنية من خلال المشاركة المباشرة في هذه العمليات الإسرائيلية بل إن الصمت عن هذه الممارسات يعتبر مشاركة ،وتبادل المعلومات الأمنية يعتبر مشاركة .
نُذكر هنا واعتقد أن الشعب ما زال يتذكر، بأن الأمور الحياتية اليومية من صحة وتعليم وتنقل وعمل كانت تسير بشكل أفضل قبل التنسيق الأمني وقبل وجود السلطة ،بل كان مستوى معيشة الناس أفضل من الآن،ومن أيد من الشعب اتفاقية أوسلو ووجود سلطة وطنية ،ليس لأنهم يريدون رواتب ووضعا اقتصاديا أفضل،بل لأنهم كانوا يراهنون على السلطة أن تقيم لهم وطنا حرا يعيشون فيه أسيادا،كانوا يريدون التحرر من الاحتلال نهائيا.عندما تكون نتائج أوسلو استمرار الاحتلال ومزيدا من الاستيطان والتهويد وبشكل أكبر مما كان قبل أوسلو ،وتدهور الوضع الاقتصادي ،وإرباك العلاقات ما بين الفلسطينيين ومحيطهم العربي والإسلامي ،فمن حق الشعب أن يتساءل ما جدوى استمرار التمسك باتفاقية أوسلو ؟. 
كان التنسيق الأمني مفهوما ومطلوبا عندما كانت إسرائيل تعلن التزامها ببنود التسوية ومستعدة للانسحاب من الأراضي المحتلة،ولكن بعد اجتياحها للضفة عام 2003 وتهربها مما عليها من استحقاقات وإعلانها صراحة رفضها لحل الدولتين واستمرارها في الاستيطان والتهويد ،لم يعدد مبررا الاستمرار بالتنسيق بالصيغة التي وردت في اتفاقية أوسلو.ونقول للرئيس أبو مازن إن مصر التي وقعت اتفاقية كامب ديفيد وبالرغم من أن هذه الاتفاقية تم توقيعها وتنفيذ بنودها بما فيها الانسحاب الإسرائيلي من سيناء منذ سنوات سابقة على توقيع اتفاقية أوسلو ،فإن مصر اليوم تعمل على إعادة النظر في بعض بنود هذه الاتفاقية بما يخدم مصالحها .فلماذا الذين وقعوا اتفاقية أوسلو لا يجرؤن على طرح اتفاقية أوسلو للنقاش بداية والتمرد عليها إن لزم الأمر ما دامت نتائجها هذا الواقع المأساوي للشعب والقضية الذي نعيشه؟.
لا تخفى على نباهة الرئيس أبو مازن أنه لم تعد الأرض الفلسطينية فقط مهددة بالاحتلال والاستيطان بل هويتنا وثقافتنا الوطنية باتت مهددة من أطراف متعددة ،وفي ظل الوضع الراهن المأزوم للفصائل الوطنية بما فيها حركة فتح التي حملت في زمن ولى راية الوطنية ،وفي ظل تمدد الإسلام السياسي غير المتصالح مع الوطنية ولا يعنيه المشروع الوطني .... فإن كثيرا من الوطنيين ما زالوا يراهنون على سيادتكم لاستنهاض الوطنية الفلسطينية أو على الأقل حمايتها من التلاشي ،والتحرر من استحقاقات أوسلو مدخل استنهاض الهوية وإنقاذ المشروع الوطني من التلاشي.
 نعم نتفهم ثقل المسؤولية وصعوبة الملفات التي يتصدى لها الرئيس منفردا ،ونتفهم أن الرئيس ومن خلال تمسكه باتفاقيات ومفاهيم سابقة عن التسوية والمشروع الوطني الملتزم بحل الدولتين، يسير ضد التيار أو ضد المعادلة الجديدة التي تتشكل في المنطقة ، تيار أو معادلة التحالف أو التنسيق بين الإسلام السياسي المعتدل - وخصوصا الإخوان المسلمين- مع الغرب – وخصوصا واشنطن- لإيصال الجماعات الإسلامية المعتدلة للسلطة ،وندرك أن وصول حركة حماس إلى السلطة في غزة والمحافظة على سلطتها يعتبر باكورة المعادلة الجديدة وانجاز للتيار الصاعد في المنطقة ،ومن يحاول معاكسة هذا التيار والمعادلة عليه مواجهة قوى كبيرة ونافذة إقليميا ودوليا وعلى رأسها واشنطن وجماعات الإسلام السياسي،إلا أن ذلك لا يبرر الاستسلام للأمر الواقع كما لا يبرر الهروب إلى الأمام بخيارات عبثية وارتجالية ،فما بينهما الكثير مما يمكن فعله كتغيير النهج السياسي وتغيير الأشخاص والنخب التي ثبت فشلها في حماية المشروع الوطني وهي نخب تشكل عنوان الفشل بالنسبة للشعب،أو بصيغة آخري الأمر يحتاج لربيع فلسطيني داخل التيار الوطني،ربيع يُبدع حلولا خلاقة لمواجهة ليس فقط المتطلبات الحياتية اليومية،بل أيضا لوضع إستراتيجية عمل لمستقبل القضية والمشروع الوطني لأن المعادلة الجديدة التي تتشكل في المنطقة مجرد موجة ستتكسر طال الزمن أو قصر، والمهم أن يكون التيار الوطني مستعدا منذ الآن للمرحلة القادمة.
قال الرئيس إنه رئيس لأكثر من أحد عشر مليون فلسطيني في الوطن والشتات ،وهذا كلام صحيح ونضيف إليه أنه رئيس شعب تضرب جذوره لأكثر من أربعة آلاف عام.إن رئيس شعب بهذا العدد وبهذا العمق التاريخي والتاريخ النضالي،عليه أن لا يُرهن مصير شعبه بملايين تأتي من هنا أو هناك ،ولا يرهنه بخروج حزب أو جماعة على الشرعية،وحتى مصادرة حركة حماس لغزة يجب ألا يكون عائقا أما إبداع الحلول الإستراتيجية،ولنُذكر الرئيس أن الحركة الوطنية المعاصرة بقيادة حركة فتح انطلقت وحضت باحترام العالم وهي لا تملك أي سلطة أو سيادة على أية بقعة فلسطينية،وكسبت احترام العالم بدون مصادر تمويل خارجي وبدون حكومة ووزارات وبدون انتخابات. الانتخابات ضرورية لتسيير أمور حكومة وسلطة ،ولكنها ليست ضرورة حتمية لقيادة شعب وحركة تحرر وطني. ونكررها مرة أخرى هل ستنتهي القضية الوطنية ونستسلم للأمر الواقع لأن حركة حماس لا تريد إجراء انتخابات ؟.