خبر الفخ المنصوب.. علي عقلة عرسان

الساعة 04:39 م|12 سبتمبر 2012

القائلون بالعسكرة والحلول الأمنية ثم العسكرية للأزمة في سورية، وقعوا في الفخ المنصوب لهم وللأمتين العربية والإسلامية من قبل أعدائهم من الأميركيين والصهاينة والغربيين والعرب المؤتمرين بأمر الصهاينة والأميركيين.. فرفض الحل السياسي أو المناورة عليه بهدف إسقاطه ليحل التدخل الخارجي في الشأن السوري في مكانه وفق السيناريو الليبي، وتحقيق حسم بقوة السلاح يوصل كل طرف إلى مبتغاه، لم " يحسبوها جيداً ولم يلعبوها جيداً" وربما لم يفهموها كما ينبغي أن يفهموها.. لقد وضعوا خططهم وقاموا بحساباتهم اعتماداً على معطيات عربية وإقليمية ودولية منقوصة حتى لانقول مغلوطة.. فوصلوا الآن إلى الكلام العلني عن تضاؤل فرص الحلول السياسية وسيطرة لغة القوة، أي لغة الموت، موت العقل والضمير، وموت الوطن والشعب، وموت الإنسان الذي يحيا به عقل وضمير ووطن وشعب.

منذ بداية الأزمة في سورية بفصولها ذات الأبعاد والمستويات والأقنعة والوجوه والواجهات، وأحداثها الداميات كان هناك من يعطل الحل السياسي وكل ما يؤدي إليه، لأنه كان مدفوعاً إلى السير في طرق أخرى، ويبني على حسابات مغايره لتلك التي ظهر أنها تحكم السياسة الدولية والإقليمية وأطراف الأزمة.. كانت هناك أهداف مرسومة وتصورات لنتائج محسومة ضمن زمن محدد قصير بالضرورة وفق المخططين، لكن الجهات المعنية بالأزمة على الأرض، بصورة مباشرة وغير مباشرة، لم تتعمق في تقصي أبعاد المشهد السياسي الدولي ومعطياته ومتغيراته على الخصوص، لا سيما القوى الحاكمة لقرار مجلس الأمن الدولي.. من حيث مصالح الدولتين الأعظم والقوى الكبرى الأخرى، وتوجهات القطبية السياسية الجديدة والاستراتيجيات المتناحرة على أرضية انعدام الثقة، بعد الحدث الليبي والدرع الصاروخية وأسواق السلاح والطاقة وخطوط نقل الغاز ومتغيرات شبه دراماتيكية في تغيير المواقف السياسية من تيارات وقوى في الوطن العربي والعالم الإسلامي، ومن دون أن تضع في اعتبارها ما أصبح هو الاعتبار لديها ولدى سواها في المشهد السوري، وهو الحل العسكري بقصم الظهر وليس بسواه، بعد العسكرة المتنامية لمن يواجهون النظام ويحشدون لإسقاطه من جهة وقرار النظام ذاته باستخدام القوة والطلب إلى الجيش حماية الوطن والشعب، وفق أحكام الدستور، واستجابة الجيش لذلك بحماسة، من جهة أخرى.

أقول وقع المنخرطون مباشرة بالأزمة السورية، "اقتتالاً وتسليحاً وتمويلاً وإعلاماً وسياسة واقتصاداً واجتماعاً" وقعوا في الفخ المنصوب لهم وللأمتين العربية والإسلامية من قبل أعدائهم "الإفناء المبتادل".. ذلك لأن الأميركيين، وفي قبضتهم حلف الناتو، الذين دمروا أفغانستان والعراق واحتلوهما بذرائع شتى، منها أو على رأسها محاربة الإرهاب، حققوا بعض الأهداف وبقيت أهداف أخرى قيد التحقق، منها خطط بعيدة الأمد واستراتيجيات وسيطرة على القرار والإرادة..إلخ، وقد تكبدوا حتى الآن خسائر بشرية ومادية، ودخلوا في ضائقات اقتصادية تحد من العدوان، وتساؤولات اجتماعية داخلية عن الجدوى.. وأخذت صفوفهم تتخلخل أو تتضعضع، فقرروا تغيير التكتيك وبقاء الاستراتيجية وعدم التنازل عن الأهداف البعيدة، فقرروا سحب القوة العسكرية المباشرة والسيطرة على الإرادة والقرار، وزج المستهدفين في حرب بالوكالة، تبقيهم قيد الحاجة ورهن الإرادة، وذلك من خلال خلق صراعات داخلية طائفية ومذهبية وعرقية في المناطق المستهدَفة، تجعل الحاجة إليهم قائمة ومستمرة، والحرب التي يريدونها دائرة بالوكالة.. بينما يصبون هم الزيت على النار، ويبيعون السلاح، ويتاجرون في السوق السوداء، ويقدمون الخبرات والمساعدات المأجورة وغير ذلك مما يطلبه المتحاربون.. وفي المقابل يأخذون المال والنفط والغاز والثروات، ويقيمون القواعد العسكرية، ويصبحون حماة ومنقذين إنسانيين لمن أضرموا بينهم نار الفتنة.. وبهذه الطريقة يبقونهم قيد التآكل ويتم التخلص منهم ومن طموحاتهم وتطلعاتهم وأحلامهم وتكاثرهم، ويسيطرون على بلدانهم وثرواتهم وقرارهم السياسي ويسخرونهم لما يريدون، من دون تكاليف باهظة.!!.

وهكذا أُدخلت المنطقة كلها في ليل ونار وقلق وإرهاب ورعب واقتتال وفتنة.. وأخذت الكرة النارية تكرج مخلفة ما لا يمكن تصوره من دم ودمار وأحقاد.. ومن شبه المؤكد أن ما يجري في سورية لن ينحصر فيها، وما يتم شحن الناس به من نزوع مذهبي مريض لن يتوقف عند حدود مواجهات في هذا البلد العربي أو الإسلامي أو ذاك، لأن النسيج الاجتماعي والعرقي والديني والمذهبي متواشج في المجتمع العربي ـ الإسلامي، وحين تشب النار هنا ينبثق أوارها من هناك.. وهذا ما يلبس له الأميركيون الصهاينة والغربيون اليوم قناع المأساة بينما الوجه الحقيقي والقلب هو الوجه الفرح لا القناع الباكي. لقد جروا منطقتنا إلى الفخ، فليقتل الناس هنا بعضهم بعضاً لأسباب حزبية أو عقائدية أو قومية أو مذهبية.. أو.. أو.. لا تهم الأسباب ما يهم أعداء الأمة هي النتائج.. وما دام الدم يسيل وعناصر القوة العربية والإسلامية يفني بعضها بعضاً، أو يستعد لكي يفني بعضها بعضاً، فـ " إسرائيل" فرحة ومطمئنة ومزدهرة وتتوسع وتهوِّد، وتتخذ من القدس عاصمة لها وتفعل ما تريد من دون وازع أو رادع.. ولا خوف، لا خوف. وما دام الأمر كذلك فأموال المنطقة كلها ستذهب لتأمين احتياجات المتقاتلين من الطعام إلى الطائرات والصواريخ إلى السلع لأنهم لن ينتجوا فهم يقتتلون أو يخافون من الاقتتال ويتشردون.. أما النفط والغاز على الخصوص فيحتاجان إلى من يحميهما من الذات والأخ والجار والطامع.. و.. و.. وليس لهذه المهمة الكبرى إلا القوة العظمى القادرة على الحماية باوسع مفاهيمها.. وهكذا تدور العجلة ونُطحن في دوامة الحقد والدم والقتل والموت.. وتكون بهارات المشهد الكارثي الدامي الحزين وزينته الباهرة شعارت الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والسيادة وسيطرة الدولة وحماية البلاد وإنقاذ العباد.. إضافة إلى كل ما يمكن أن يروق لمن يقتتلون أو يستثمرون في ساحات الاقتتال، ووسائل الإعلام، وتجارة الكلام، ودهاليز السياسة، والأسواق السوداء من كل الأنواع.. أن يضيفوه.!!

وإلى الباحثين عن تفسير لما يبدو أنه تناقض يدوي اليوم في الفضاء السياسي والإعلامي، بين محاربة الولايات المتحدة الأميركية خاصة والغرب عامة للإرهاب المتمثل عندهم أساساً في القاعدة وطالبان والمقاومة الفلسطينية واللبنانية والعراقية لكل من الاحتلال الصهيوني والأميركي على الخصوص، وفي كل من يدعم المقاومة ويرعاها ويناصرها ـ أي الإرهاب وفق المفهوم الأميركي الصهيوني للإرهاب ـ من دول وجهات ا تدعم المقاوَمة ضد الاحتلال بوصفها دفاعاً مشروعاً عن الأرض والنفس والحق بموجب القوانين والأعراف الدولية.. وبين دعم الولايات المتحدة الأميركية ذاتها وحلفاءها لاقتتال تشارك فيه عناصر من القاعدة وغيرها من الجهات التي يصنفونها إرهاباً، ومنها عناصر تعمل في من المنطق سورية كما صرحت بذلك شخصيات ساسية ووسائل إعلام غربية.. لإولئك أقول: لا يربككم الأمر، لا يوجد تناقض في الموقف الأميركي – الصهيوني – الغربي إذا ما أخذنا الأهداف والاستراتيجيات البعيدة، القضية الإشكالية تكمن في فهمنا نحن للأمور أو "للظاهرة" وتفسيرها.. ذلك لأن المظاهر والأقنعة تتنوع حتى لتبدو ظواهر بينما الوجه واحد والهدف واحد والاستراتيجية مستمرة على ثوابتها لتحقيق أهدافها.. فالولايات المتحدة الأميركية والغرب اللذان يضعان مصلحة الكيان الصهيوني في المقام الأول ويتحركان لتنفيذ استراتيجة ثابتة في دعمه وفرضه على المنطقة بوصفه شريكاً في الوجود والمصير، وقوة مهيمنة ذات شوكة وشراكة تامة.. نجحا في جعل القوى المستهدَفة، أي قوى " تغيير، حاكمة، مقاوِمة، قاعدة، محايدة..إلخ" تقع في الفخ المنصوب، فتدخل المعترك وتتقاتل بشراسة، ويتفاقم القتال ويأخذ أبعاداً طائفية ومذهبية وإثنية..إلخ، حيث أن قوى التغيير التي دخلت في العسكرة احتاجت إلى من يناصرها، الأمر الذي سوَّغ وشَرْعَنَ تصدي العسكر" الجيوش" للعسكرة، ومهد الطريق لعناصر يصنفها الغربيون أنفسهم عناصر إرهابية أن تدخل المعترك الدامي مسكوت عنها، لكي تعمل مع غيرها ضد قوى فيها فصائل وأحزاب ومنظمات مقاوِمة من جهة، وقوى ودول تدعم المقاوَمة ضد الاحتلال والاستعمار والصهيونية والإمبريالية، وتمارس الاضطهاد وينخرها الفساد والإفساد.. إلخ من جهة أخرى. وهكذا أوقعت كلَّ من تريد أن توقعه ممن تستهدفهم، أو يمكن أن يأتي وقت تستهدفهم فيه، أوقعته في فخ الاقتتال، وأخذت تنمي كل نزوع مريض وتغذي الفتنة الطائفية والمذهبية " السنية الشيعية"، وتلعب على وتر القوميات "العربية والكردية والفارسية والتركية والأمازيغية.. إلخ"، وتلوِّح بما يمكن أن يترتب على التعرض للمسيحيين من تدخل خارجي لحمايتهم، فزادتهم نفرة وزادت عليهم النفرة..

وهكذا جعل الأميركيون من بعض القوى والعناصر التي كان الغرب لا يثق بها قوى مرشحة لتكون قوى صديقة من تحت الطاولة، على قاعدة أعطني وخذ مني، بشرط أن تثبت أنها البديل القوى المناسب للقوى الأخرى المتراجعة أو تلك التي في طور التراجع، أما المنطق الحاكم لهذا فمفاده: ".. نؤيدها إذا نجحت في فرض إرادتها بالقوة أو بسواها، وغيرت تغييراً سياسياً يفضي إلى إعادة رسم الخريطة الجيو – سياسية في المنطقة على الخصوص، ومن ثم في الوطن العربي والعالم الإسلامي، بما يحقق تحالفاً أو شبه تحالف معنا أو اعتماداً علينا وتفضيلاً لنا وحماية لمصالحنا ومجالاتنا الحيوية، واعترافاً بإسرائيل وتطبيعاً للعلاقات معها وحماية تامة لأمنها، وجعلها شريكاً في كل ما يهم المنطقة.". وهكذا يتم تأمين الطاقة بأشكالها " النفط والغاز، والأسواق لا سيما سوق السلاح الذي سيزدهر حكماً في ظل خلق مناخ التهديد والاقتتال والفتنة  وصراعات الدول والصراعات داخل الدول، والسيطرة والهيمنة.

وقد شجَّع كلُّ هذا على أن تنخرط عناصر التغيير والتطرف الديني والمذهبي والقومي وعناصر من القاعدة في الاقتتال مع عناصر المقاومة والقوميين والعلمانيين، وأن يذبح العربُ والملسمون العربَ والمسلمين بالسكاكين.. إلى آخر ما تهيأ في الشوارع والميادين والقرى والبلدات والمدن وأحياء المساكين من معزوفات الشياطين.؟!، وأخذ كل من أولئك يرفع رايات قضايا عادلة ومطالب مشروعة مثل " فلسطين، الحرية، السيادة، الأمن، الديمقراطية، الفساد والإفساد، الكفر والإيمان، العروبة والإسلام، التقدم والتخلف.. إلخ ".. ويقتتلون تحت هذه الراية أو تلك اقتتال أجدادنا في معركتي الجمل وصفين، ويعفون الأعداء الحقيقين للأمتين، أي الصهاينة المحتلين الذين يقتلون ويعربدون ويستوطنون ويهوِّدون القدس والأقصى ويقنلون أطفال فلسطين في غزة.. يعفونهم من شجاعتهم وشراستهم وشدة بأسهم؟! فيضعُف كلٌ منهم ويضعُف ما يمثلون، بينما تستمر "إسرائيل" قوية آمنة ومتفوقة، تُمِد كل طرف من الأطراف المتقاتلة بالسلاح لقاء المال وتفعل ما تريد، ويكسب الغربيون وكل دولة ذات قوة واستراتيجية وأهداف وسياسة بعيدة النظر والمدى.. تكسب مالاً وولاءات وتعزز نفوذاً، ويؤمن كل منها مصالحه وتفوقه ويفعل كل منهم بنا وفي أرضنا ما يريد..!! فيا له من استعداد أو قابلية للمؤامرة مثل القابلية للاستعمار، هذا إذا لم نكن نحن المؤامرة وبيئتها الخصبة!! ويا له من مجد يحققه العرب والمسلمون اليوم، الظالمون منهم والمظلومون، المحرِّرون والمحرَّرون، المستبدون والديمقراطيون، الجائرون والعادلون، السياسيون والإعلاميون، الأميون والمثقفون، العسكريون والمدنيون.؟!

هذا حالنا ومآلنا في أوطاننا.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.