خبر الفلسطينيون أيضاً يستحقون- فهمي هويدي

الساعة 10:11 ص|10 سبتمبر 2012

 

حين قرر الرئيس محمد مرسي أن يعامل الطلاب السوريين الذين وفدوا مع عائلاتهم معاملة الطلاب المصريين في المدارس والجامعات ، فإنه أعاد إلى مصر بعضا من قسمات وجهها التي محاها النظام السابق ومنذ اختار أن يكون كنزا استراتيجيا لإسرائيل متخليا عن دورها التقليدي كقبلة وبيت للعرب وكنز استراتيجي لهم. أدري أنه ربما كان مبكرا فتح ذلك الملف الآن لأن النهوض بمسؤولياته مرهون باستعادة مصر لعافيتها، الأمر الذي تسعى إليه جاهدة في الوقت الراهن.

 

وأفهم أن محنة الشعب السوري الطارئة هي التي فرضت اتخاذ هذه الخطوة، إلا أنني أفهم أيضا أنه إذا لم يكن بمقدور مصر أن تقدم مبادرات عربية تستعيد بها دورها المفترض فلا أقل من أن تكون لها سياسة عربية واضحة المعالم. وقد شممنا تلك الرائحة في اقتراح تشكيل المجموعة الرباعية للتعامل مع الأزمة السورية (تضم إلى جانب مصر كلا من إيران وتركيا والمملكة السعودية).

 

شممناها أيضا في الاجتماعات التنسيقية التي تمت أخيرا بين وزراء خارجية مصر وتونس وليبيا. وهي خطوات طيبة تستحق التشجيع والحفاوة، وأزعم أنها يجب أن تصنف ضمن ما وصفته بالروائح الذكية التي صارت تهب علينا في الآونة الأخيرة، وشممنا بعضا منها في زيارة الرئيس المصري للصين وإيران.

 

أردت بهذه الخلفية أن أذكر بأمرين، أولهما عام يتعلق بالتنبيه إلى أن عودة مصر إلى موقعها بين العرب أمر ليس ميسورا، وليس مرحبا به من جانب الأطراف التي سعت إلى عزلها عن محيطها، ومن ثم تقزيمها سواء للاستفراد بها أو بالعالم العربي. وهي الأطراف التي تدرك جيدا معنى أن تكون مصر بيتا للعرب، كما تدرك تداعيات غياب مصر عن الساحة العربية. لذلك فلست أشك في أن هذه النقلة ستعترضها الألغام والعراقيل التي أرجو أن تفشل في تحقيق مرادها.

 

وللعلم فإن القادة الإسرائيليين الذين اعتبروا توقيع السادات لمعاهدة السلام في عام 1979 بمثابة الميلاد الثاني للدولة العبرية لم يطلقوا تلك المقولة فقط لأن مصر اعترفت بإسرائيل وأنهت خصومتها معها، ولكن أيضا لأنها خرجت أيضا من الصف العربي وتخلت عن موقعها في قيادة الأمة. وحين فعلت ذلك فإن العالم العربي أصبح سفينة بلا ربان وجسما بلا رأس. والباقي بعد ذلك معروف.

 

الأمر الثاني يخص الطلبة الفلسطينيين الذين يدرسون في مصر، وكانوا دائما، منذ الستينيات، مرحبا بهم ومشجعا لهم، حيث ظلوا يعاملون معاملة الطلاب المصريين في الجامعات والمعاهد. ليست فقط لأن ثمة «بروتوكولا» يقضي ذلك تم التوقيع عليه من جانب الجامعة العربية في عام 1964، ولكن أيضا لأن مصر في تلك المرحلة كانت تعتز بانتمائها العربي وتمارس دورها القيادي الذي دفعها لأن تفتح أبوابها وأذرعها للأشقاء سواء في شوقهم إلى التحرير أو في سعيهم إلى التعليم أو في بحثهم عن ملاذ آمن يحميهم من الملاحقات التي يتعرض لها المناضلون. ولم تنفتح أبواب مصر للعرب وحدهم ولكنها أيضا اتسعت لأبناء العالم الإسلامي الذين كانت مدينة البعوث الإسلامية والأزهر الشريف بيتا وقبلة لهم.

 

مصر العفية هذه انطفأت أنوارها بالتدريج في المرحلة الساداتية، التي شهدت انقلابا على السياسة الناصرية لاحت بوادره منذ قرر السادات أن يلتحق بالغرب وأعلن أن 99% من أوراق اللعبة بيد الولايات المتحدة، الذي كان بمثابة إشهار للإفلاس السياسي ورفعا لراية التسليم البيضاء.

 

إلى جانب ذلك فإن السادات صب جام غضبه على الفلسطينيين بعدما قتلت مجموعة فلسطينية السيد يوسف السباعي في قبرص سنة 1978 (كنت قد أخطأت في ذكرى التاريخ في وقت سابق وقلت إن ذلك حدث في عام 1987 ــ وقد نبهني أحد القراء إلى ذلك فأشكره وأعتذر). وكان السباعي من رجال السادات الذين رافقوه في زيارته الشهيرة والمثيرة لإسرائيل. وفي رده على الواقعة فإن السادات شن حملة تشهير وانتقام من الفلسطينيين، كان من بينها معاقبة كل المقيمين منهم في مصر، وحرمانهم من كل ما قدمته لهم القاهرة من رعاية وعون. سواء في الإقامة أو العمل أو التعليم.

 

قرار الرئيس مرسي شجعني على أن أدعوه إلى إعادة النظر في تلك العقوبات التي أوقعها السادات بالفلسطينيين، بالأخص طلابهم الذين حرموا من المساواة مع الطلاب المصريين في المدارس والجامعات، الأمر الذي أصبح يحملهم أعباء مالية باهظة، خصوصا أبناء غزة الذين انقطعت مواردهم المالية بعد الحصار والاجتياح الإسرائيلي. وهو ما أدى إلى تراجع أعداد الدارسين منهم في مصر (كانوا 20 ألفا فأصبحوا عشرة آلاف فقط) ناهيك عن أن الذين اضطروا منهم للبقاء بمصر تعرضوا لصور عديدة من البطالة الدراسية والتشرد والإذلال والإهانة، حتى أن بعضهم كانوا يطردون من لجان الامتحانات بسبب عدم دفعهم للمصروفات. في حين كانت تحجب نتائج البعض الآخر لذات السبب. وقد قيل لي إن الفلسطينيين المقيمين بالقاهرة بصدد إعداد مذكرة تدعو إلى رفع العقوبات التي فرضها عليهم السادات واستمرأها خلفه، أرجو أن تجد أذنا صاغية وقلبا مفتوحا من قيادة مصر الجديدة.