خبر فلسطين.. أزمة القيادة والقرار .. عريب الرنتاوي

الساعة 04:25 م|09 سبتمبر 2012

للعام الثاني على التوالي، تتحول قضية “عضوية فلسطين في الأمم المتحدة” الى شغل القيادة الفلسطينية الشاغل، وسط حالة من الفوضى والتردد وفقدان الاتجاه وتفاقم الانقسامات ...نذهب الى مجلس الأمن أم للجمعية العامة...نواجه “الفيتو” الأمريكي أم نشق طريقاً التفافياً من حوله...”عضوية كاملة” لدولة فلسطين أم “عضوية مراقبة”...نذهب الآن أم بعد الانتخابات الأمريكية...هذه السنة أم السنة التي تليها...نقدم الطلب الآن ونخضعه للتصويت، أم نتقدم به في الموعد المقرر ونرجئ التصويت عليه، حتى لا نحرج ادارة أوباما، أو بالأحرى لا نحرج أنفسنا مع ادارة أوباما...ما الذي سنحققه من خطوة “تقزمت” مراميها خلال أقل من عام واحد...ما الذي سنضيفه الى سجل “انتصاراتنا الدبلوماسية”، بعد أن انتزعت المنظمة مكانة “العضو المراقب” قبل عقود من الزمان؟؟

هذه الأسئلة والتساؤلات، تنضاف الى عشرات غيرها، أثيرت في الأصل عند طرح “الفكرة” أول مرة، من نوع: ما الذي سيترتب على الاعتراف بالدولة – بدلاً عن المنظمة – في الأروقة الدولية؟...ما مصير “الممثل الشرعي الوحيد”؟...ماذا عن قضية اللاجئين، تمثيلاً وحقوقاً و”ولايةً”؟...كيف ننظر للمسألة برمتها في ميزان الربح والخسارة؟...أسئلة قديمة \ جديدة تنهال على رؤوس المواطنين الفلسطينيين، من دون أن تجد من يجيب عليها.

هي بلا شك، قضية بالغة الأهمية، تستوجب أخذ مختلف جوانبها وأبعادها السياسية والحقوقية و”التمثيلية” بعين الاعتبار، والأهم ما قد يترتب عليها لجهة مصائر المنظمة ووحدانية التمثيل ومستقبل اللاجئين، ولا يجوز النظر اليها بحال من الأحوال، على أنها مجرد واحدة من المعارك الدبلوماسية، كما لا يجوز التعاطي معها على أنها “أم المعارك”، والبديل عن كل “البدائل” التي لوحت السلطة باتخذها في حال فشلت المفاوضات وفشل مسعاها في الحصول على “العضوية الكاملة”

مشكلة السلطة مع قضية “العضوية”، أنها لم تعد ترى غيرها وسيلة لاعادة الاعتبار لمكانتها ووضعيتها، سواء في التعامل مع سياسات الاستيطان والاذلال والاحتلال، أو في التعامل مع جماهير يكاد الاحباط يدفعها لفعل ما هو غير مرغوب فيه، جراء تتالي الاخفاقات، الواحد منها تلو الآخر، وبفعل وصول مشروعها الوطني الى طريق مسدود وغير نافذ.

سلطة تبحث عن “نصر”، أي نصر، يخرجها من الظل والتهميش، وتعمد في سبيل ذلك الى تقليص سقف التوقعات، وبصورة تفقد معها القضية جاذبيتها...وهي – السلطة – لا تجد في غير هذا المكان والمعترك، ساحة أو منصة، تجذب من فوقها الانتباه والاهتمام...لكن “المماطلة” و”التسويف” و”هبوط سقف المطالبة والتوقعات”، أفقدت الموضوع برمته، زخمه المطلوب، حتى أن مسألة “العضوية”، لم تعد محط اهتمام أو متابعة، وفقدت قدرتها على حشد مظاهرة “ألفية”، دع عنك “المليونيات”.

الأمم المتحدة ساحة من ساحات الكفاح الفلسطيني العادل والمشروع، وقد أظهرت التجربة الفلسطينية أنه يمكن كسب الكثير من الجولات والمعارك فوق منصتها...لكن الانتصار في معارك نيويورك وجنيف، لا يمكن أن يكون سوى “رجع صدى”، لانتصارات مماثلة في ساحات الوطن والاغتراب وفي معارك المواجهة مع الاحتلال والاستيطان...هذا لا يحدث الآن على الاطلاق...لا في الضفة والقدس ولا في قطاع غزة...الأطراف الفاعلة منهمكة في ترتيب أوراق اطالة الانقسام وتأبيده، والصراع الداخلي ينتقل من صراع ما بين الفصيلين الرئيسين الى صراع داخل كل فصيل على حدة...ولكل ظروفه وأسبابه وسياقاته الخاصة، ولكن النتيجة واحدة: التناقض الرئيسي مع الاحتلال، لم يعد يتصدر أجندة القوى الفلسطينية الفاعلة، الا من باب المناكفات والمزايدات الفارغة.

في مثل هذه الأجواء، من الطبيعي أن تدير الأنظمة العربية ظهرها للقضية الفلسطينية، وأن تنخرط في سياسة “تجويع الشعب الفلسطيني” لاذلاله وتركيعه...من الطبيعي أن تلفظ “رباعية مدريد” أنفاسها، وأن تغيب المبادرات والتحركات الاقليمية والدولية...من الطبيعي أن لا يجد الرئيس الأمريكي حرجاً في انتزاع “أسرع” تعديل على برنامج حزبه الانتخابي باضافة “القدس عاصمة لاسرائيل”، ومن دون أن يصدر عن أي عاصمة عربية بيان احتجاج “ضعيف اللهجة”، بعد أن فقدنا الأمل بالبيانات شديدة اللهجة.

مؤسف هذا الغياب و”التغييب” الذي تعيشه القضية الفلسطينية هذه الأيام... والأكثر مدعاة للأسف، أن أحداً على الساحة الفلسطينية لا يضع على جدول أعماله كيفية استعادة “حضور” هذه القضية وألقها...لقد تقزمت المسألة برمتها الى “كشوف الرواتب الشهرية” للموظفين و”كشف الحركة الأسبوعية” على معبر رفح؟!...انها أزمة القيادة والقرار والاستراتيجية، اذ تعتصر “شطري” العمل الوطني والاسلامي الفلسطيني.