خبر لا يخاف الا الله -هآرتس

الساعة 09:38 ص|09 سبتمبر 2012

بقلم: تسفي برئيل

(المضمون: الرئيس مرسي يمارس الان صلاحيات تقترب من الصلاحيات التي كان يمارسها الرئيس المخلوع حسني مبارك ويثبت بانه يفي بتعهداته ويعيد هيبة الدولة في نفس الوقت – المصدر).

        الرئيس المصري، محمد مرسي، اتبع جديدا مشوقا. منذ تسلم مهام منصبه وهو ينشر، كل شهر، تقريرا يصف نشاطه في كل المجالات. ويفصل التقرير لقاءاته مع زعماء الدول الاجنبية، محادثاته مع رؤساء الاتحادات والمنظمات والمواضيع التي بحثت فيها، الامتيازات التي منحها للمزارعين المدينين بالمال للدولة وكذا هوية قادة الجيش الكبار الذين قرر اخراجهم الى التقاعد المبكر. وكأنها فاتورة، يعرض التقرير في النهاية مبلغا رقميا للقاءات الرئيس – حسب المواضيع.

        بعد اسبوع واحد فقط في ايلول، يمكن لمرسي منذ الان أن يبدأ بان يسجل عدة بنود هامة في التقرير الذي سينشره في نهاية الشهر. هذا الاسبوع مثلا، احال الى التقاعد سبعين جنرالا، أجرى تغييرا شخصيا في المجلس العسكري الاعلى، عين عشرة محافظين جدد، تركيبة المجلس الاعلى للصحافة وعين رؤساء جدد لمجالس ادارة الصحف الحكومية. مرسي، الذي لم يفكر على الاطلاق في ان يكون مرشحا للرئاسة واضطر الى السباق نحوها بأمر من قيادة الاخوان المسلمين، أصبح في غضون اقل من شهرين الرجل القوي في مصر.

        كرئيس يتمتع بحرية عمل غير مسبوقة. فقد أُعفي من التصدي للبرلمان، وذلك لانه حل والان بانتظار موعد جديد للانتخابات. الدستور الجديد لم يعد بعد وهكذا يمكن لمرسي أن يتمتع بصلاحيات تشبه تلك التي كانت للرئيس المخلوع حسني مبارك؛ الجيش عاد الى ثكناته بعد ابعاد رئيس المجلس العسكري الاعلى، الجنرال حسين طنطاوي ورئيس الاركان سامي عنان. الولايات المتحدة ترى فيه شريكا مناسبا وبعد نحو اسبوعين سيلتقي برئيسها، براك اوباما، الذي سيوافق على ما يبدو على شطب مليار دولار من ديون مصر، التي تبلغ 3.6 مليار دولار؛ زيارة مرسي الى الصين الاسبوع الماضي أنتجت استعدادا صينيا للاستثمار في مصر نحو 2 مليار دولار؛ والسعودية أودعت في الصندوق المصري نصف مليار دولار، سيزداد الى 2 مليار دولار وهكذا فعلت قطر ايضا.

        "حملة سيناء" للجيش المصري، الذي ارسل للقتال ضد جماعات الارهاب والبدو المؤيدين لها في شبه الجزيرة، منحته قوة سياسية مضاعفة. فقد أثبت مرسي بانه أكثر تصميما من سلفه على مكافحة الارهاب في سيناء، بل وأوضح للمواطنين المصريين بانه عند الحاجة فان بلادهم قادرة على أن "تبسط سيادتها" على كل اجزاء الدولة.

        وهكذا صد بقدر كبير الانتقاد الذي يقول ان عزة مصر وأمنها كانا رهينة بنود اتفاقات كامب ديفيد. وحسب التقارير عن صيغة الدستور المقترحة، فان الرئيس سيتولى صلاحيات واسعة في المجال العسكري. فهو سيكون القائد الاعلى لقوات الامن ولن يكون مطالبا بان يتشاور بعد الان مع الجيش والحصول على إذنه قبل اعلان الحرب.

        بروح الثورة

        الثورة التي يحدثها مرسي في الخدمة الحكومية تتقدم دون رقابة دستورية. فمنظمات اليسار وأصحاب الاراء الليبرالية وان كانوا ينتقدونه انتقادا لاذعا ولكن هذا لم يتبلور بعد ليصبح معارضة حقيقية، كما يكاد لا يكون احتجاج مهدد في الشارع. والسبب هو أنه رغم الخوف من تحول مصر الى "دولة اخوان" لا يزال مرسي يعتبر كمن يعمل "بروح الثورة". فهو يحقق أماني المواطنين الذين تطلعوا الى ابعاد الجيش عن السياسة ويلبي توقعات اولئك الذين طالبوا بتطهير الوزارات الحكومية من كبار رجالات النظام السابق. أحد لا يمكنه أن يشكو من مرسي في أنه لا ينفذ تعهداته. المشكلة هي أن تحقيقها معناه ادخال نشطاء الاخوان المسلمين الى مؤسسات الحكم. وفضلا عن الزخم التنفيذي يثبت مرسي انه خلافا لمبارك، الذي لم يأبه على نحو خاص بالراي العام، فانه يعرف كيف يكسب قلب الجمهور. وفي الفترة الاخيرة، مثلا، كثرت جدا الشكاوى من وضع الامن في مصر. واحتج الكثير من المواطنين على الارتفاع في عدد أعمال السطو والاغتصاب، التنكيل المتزايد بالنساء وبالاساس الزعرنة في الشارع.

        وأظهر مرسي قدرته في هذا الشأن في عرض مثير جدا للانطباع. فقبل اسبوعين، في الخامسة فجرا، دهش سكان حي الملك ماريوت في الاسكندرية، منطقة السكن الفاخرة ومكان سكن أغنياء مصر: نحو 20 سيارة مدرعة، مئات رجال الامن وجنود القوات الخاصة، عشرات سيارات الشرطة بمن فيهم كبار رجالات الشرطة، انتشرت قرب قصر صبري نحنوح. وبعد وقت قصير اقتيد نحنوح وحراسه الشخصيون، مقيدين، الى احدى المدرعات التي نقلتهم مباشرة الى المعتقل. بعد وقت قصير من ذلك بلغت كل قنوات التلفزيون والراديو عن الاعتقال التاريخي الذي "وضع حدا لدولة الزعران في مصر ".

        وذاع صيت سيء لنحنوح كـ "ملك البلطجية". مصدر التعبير المصري "بلطجي" يعود على ما يبدو الى اصل تركي. لفظيا، معناه الشخصي الذي يحمل بلطة او يقطع الاشجار. في مصر اصبح التعبير مرادفا للازعر الذي يفرض رعبه على الحي، ولاحقا للزعران الذين يعملون في خدمة الحكم ويفرضون ارادته. البلطجية، الاسم الجماعي للزعران، انتشر في بداية الثورة، عندما انقضت على المتظاهرين عصابات العنف، المسلحة بالسيوف، بالبلطات وبالسلاح الناري، ونزلت بهم قتلا وجرحا. وقد عمل هؤلاء بأمر من كبار رجالات النظام السابق وعلى رأسهم وزير الداخلية القوي حبيب العدلي الذي يقدم الان الى المحاكمة.

        نحنوح، ابن 46، بنى امبراطورية زعران من صباه. وكإبن لتاجر خردة رضع العنف المميز لهذا الفرع وفهم بان من الزعرنة يأتي رزقا طيبا اكثر مما من الخردة. وبدأ يتجول قرب النوادي الليلية لشارع الهرم المؤدي الى الاهرامات. هناك توجد معظم النوادي الليلية وكهوف المخدرات في القاهرة. وقد جند لنفسه حراسا شبابا وعني بهم بتفاني العراب، دفع لهم الرواتب وحرص على تحريرهم من السجن حين كانوا يعتقلون. ووجد السبيل لشراء الاسلحة، وارتبط بالمغنين الذين كانوا يغنون في النوادي الليلية وقدم لهم خدمات الحراسة. واستخدم نحنوح المبنى الذي يعود لابيه كمركزا لتدريب الحراس الشخصيين ومن هناك كان ينطلق الى حملات السطو وجباية الخاوات في الدولة. وحسب تقارير في الصحافة المصرية لم تكن مدينة أو قرية لم تصل اليها يد نحنوح. أساطير مرعبة بدأت ترتبط باسمه. احداها تروي بان احد رجاله اطلق النار على طفل لانه لم يذكر لقب "المعلم" عندما ذكر اسم نحنوح.

        نهاية الزعرنة

        وازدهرت الاعمال. وبدأ نحنوح يشتري الفيلل ومنازل الترفيه وأوقف الى جانبها سيارات المرسيدس والهامر. عوامة بملكيته ترسو على شاطيء النيل وهو صاحب وكالة سيارات هوندا في مصر. في قصره في الاسكندرية جمع حيوانات متوحشة، بما في ذلك الاسود. في 2008 اعطيت له رخصة لتأسيس صحيفة "الدولة" حيث ينشر ما يطيب له. وعلى صفحات الصحيفة تنشر اعلانات النوادي الليلية والبارات والتعازي من عائلات ضباط الشرطة المتوفين. معظم رجال الاعمال الخاصين في مصر مبارك لم يحصلوا على رخصة لتأسيس صحيفة. فالقانون كان يمنع ذلك. اما نحنوح فقد نجح في تكوين شبكة علاقات وثيقة مع السلطة ولا سيما مع وزير الداخلية العدلي الذي فهم الامكانية الكامنة في امبراطورية الرأسمالي المشكوك في أمره. في 2005 كان نحنوح مطالبا بان يستخدم منظمته لمساعدة النظام في تحقيق الفوز في الانتخابات العامة. ولم يكن الطلب معقدا جدا، فقد طولب رجاله بالاجمال باحداث اضطرابات في مراكز التصويت كي يكون ممكنا استدعاء الشرطة. وعندما كانت تصل البلاغات كان يخرج افراد الشرطة الى المراكز الاشكالية فيوقفوا التصويت ويغلقوا صناديق الاقتراع، وبعد ذلك يمكن للشرطة أن تغير مضمون الصناديق التي وضعت اليد عليها.

        في واحدة من عشرات الحالات الاخرى، طُلب من نحنوح مساعدة صديقه العادلي ضد منافسه. فاستجاب رجال نحنوح على الفور وحبسوا المنافس في مخزن في احد فروع بيع شركة هوندا. وكان المقابل لذلك لم يكن دوما بالمال. فقد حصل نحنوح مثلا من وزارة الداخلية على المصادقة بانه مستشار احدى دول رابطة الشعوب البريطانية. وبالتالي يمكنه أن يركب لوحات ترخيص دبلوماسية على سياراته ويوفر المخالفات والازعاجات من شرطة السير. كما حصل على رخصة لشراء خمس قطع سلاح. واعتقال النحنوح منح مرسي ربحا مزدوجا. فابقائه خلف القضبان لا يرمز فقط الى "نهاية عصر الزعرنة" – العنوان الذي منحته احدى الصحف للحدث؛ ففيه أيضا تعبير عن المحاسبة للحكم القديم ورموزه وبرهان على أن الرئيس الجديد لا يخاف الا من الله. إحدى الشكاوى الشديدة التي طرحها المواطنون في ضوء تصاعد الجريمة بعد الثورة كانت أن "الدولة فقدت هيبتها أمام المواطنين". اعتقال نحنوح منح "دولة مرسي" الكثير من الهيبة.