خبر مفارقات الداخل « الإسرائيلي ».. علي بدوان

الساعة 01:31 م|05 سبتمبر 2012

 

 

يعيش المجتمع "الإسرائيلي" مفارقة إجتماعية سياسية غريبة، فبينما تؤكِّد إستطلاعات الرأي المتتالية من حين لأخر والمنشورة نتائجها على صفحات الصحف العبرية اليومية، عدم رضا معظم "الإسرائيليين" عن أداء حكومة نتنياهو الحالية في المجالات الإجتماعية والإقتصادية، وأنّ أضرارها أكثر من فوائدها، وفي المقابل فإن نتائج الإستطلاعات إياها تشير في الوقت نفسه إلى حظوظ متقدمة لحزب الليكود فيما لوجرت إنتخابات برلمانية مبكرة أو حتى غير مبكرة. إنها مفارقات تتجلّى في الفجوة الكبيرة بين موقف معظم "الإسرائيليين" من أداء الحكومة الحالية في مختلف المجالات، ومواقفهم التصويتية في الإنتخابات البرلمانية إذا أجريت الآن.

إن تلك الوقائع والتناقضات الواضحة في تقدير الموقف، تشير لوجود أسئلة قلقة ومحيرة داخل المجتمع اليهودي على أرض فلسطين التاريخية، تجعل من الصعب على أحد إعطاء الإجابة الشافية والكافية لكل سؤال يتعلق بما يجري من تفاعلات في البيئة الإقليمية المحيطة بـ "إسرائيل" وداخل "إسرائيل" ذاتها.

وفي سياق تلك الحيرة فإن الملف النووي الإيراني بات يشكل ملجأً سهلاً وهروباً للأمام من أسئلة القلق التي تخيم على "إسرائيل"، ففي ظل تلك الحيرة تُكثر حكومة نتنياهو من الحديث عن التهديد الإيراني لوجود "إسرائيل"، وتلوِّح بضرب منشآتها النووية الإيرانية، وتعمل على رفع ميزانية التسليح والدفاع على حساب ميزانيات المجالات الأخرى التي من شأنها المساعدة في حل المشكلات الإقتصادية والإجتماعية، وكأنها تريد إستحضار (بعبع) خارجي لإسكات أصوات الإحتجاج الإجتماعي الداخلي من جهة وللتغطية على "عجز الإجابة" عن أسئلة مايجري في المنطقة ووجود حالات التضارب في تقدير الموقف.

  إن تلك الحالة من الإضطراب في الرؤية بشكل عام داخل "إسرائيل" في تقييم مايجري في عموم المنطقة، ألقت بظلالها على الإئتلاف الحاكم بقيادة حزب الليكود، وعلى بعض الأحزاب ومنها حزب المعارضة الأكبر، حزب كاديما (الى الأمام) الذي إنتقل من صف المعارضة الى صف الإئتلاف الحاكم، في خطوة لها علاقة بكل ماذكرناه أعلاه، كما لها علاقة بالحسابات الحزبية الداخلية بين مختلف الأحزاب "الإسرائيلية"، ثم عاد وأنسحب من الحكومة ذاتها، حيث تتربع الحسابات الحزبية على رأس أولويات الكتل والأحزاب من المعارضة أو من الائتلاف الحاكم.

إلى ذلك، نستطيع أن نجتهد ونضع عدة تصورات في تبيان أسباب كل تلك المفارقات العجيبة في تقدير المواقف "الإسرائيلية"، على المستوى العام المتعلق بما يجري في المنطقة. أولها أن مايجري في المنطقة ليس وليدة لحظته بل وليد تراكمات هائلة، ويعبر في واحد من تجلياته عن إنفجارات اجتماعية وسياسية، وأن كل الأمور متوقعة ولهذا يصعب التحديد الدقيق لمآلات الأحداث، فالمفاجأت متوقعة جداً. وثانيها أن العوامل المؤثرة الداخلية والخارجية على خط الأحداث متداخلة ومتشابكة، وأن الأمور تزداداً تعقيداً يوماً بعد يوم. وثالثها أن القوى الكبرى تخوض من خلال مايجري في المنطقة صراعات كبرى فيما بينها، صراعات على المصالح ومناطق النفوذ، كما هي صراعات ذات بعد جيوستراتيجي.

أما على المستوى الداخلي في "اسرائيل" فان مرد المفارقات الواردة أعلاه في تمايل وتأرجح مواقف عموم الناس والمجتمع والأحزاب وتراقصها كالبندول، فيعود لإنتشار وإزدياد منطق القبلية السياسية خاصة بين الدوائر الدينية المعتدلة والمتشدِّدة في المجتمع "الإسرائيلي"، وهرولة تلك الأحزاب نحو المكاسب الخاصة على حساب المواقف العامة. وثانيها الوضع المتردِّي لأحزاب اليسار والوسط، فهي لم تعد تقدِّم رؤى وبرامج تمثِّل تغييراً حقيقياً عن أحزاب اليمين ويمين الوسط حتى تنجح في جذب الناس، فقد تماهت ووصلت الى حدود عالية من التطابق مع سياسات اليمين العقائدي واليمين التوراتي في الدولة العبرية، وقد فقدت هويتها السياسية. وثالثها فيتمثّل في الاعتقاد عند قطاعات واسعة من الناس في المجتمع "الإسرائيلي" بأنّ حكومة جديدة برئاسة نتنياهو تستطيع العمل بشكل أفضل في المجال الأمني، خصوصاً مع إستخدام نتنياهو منطق التشدد السياسي مع الفلسطينيين وإستمراره في حمل لواء الإستيطان والتهويد والدفاع عنه، فالجمهور اليهودي يؤيد سياسات نتنياهو ويساندها ويريد إنتخابه في الانتخابات التشريعية القادمة لكنه يتصادم معه بشأن القضايا الداخلية ذات البعد الإجتماعي والإقتصادي بالرغم من سلة الإغراءات التي يلجأ نتنياهو لتقديمها للجمهور من فترة لفترة.

وفي الإسخلاصات الأخيرة، نستيطع القول بأن المجتمع اليهودي على أرض فلسطين ليس كتلة جامدة هامدة ساكنة لاحراك بها، بل هو مجتمع أو (تجمع) بشري يعيش تناقضاته الداخلية، كما يعيش إضطراباته التي نبتت بفعل النشأة الطافرة للدولة العبرية الصهيونية، فـ "إسرائيل" دولة طافرة قامت بقرار أممي ولم تنشأ نشأة طبيعية كحال دول العام والكيانات السياسية على إمتداد المعمورة. ومن هنا فهي أكثر تأثراً بما يجري في المنطقة العربية وفي البيئة السياسية الشرق أوسطية، حتى وإن كانت تلك التحولات لاتزعجها مباشرة الا أنها تحمل في طياتها تحولات مستقبلية يراها الكثيرين من مفكري "إسرائيل" بإعتبارها خطراً داهماً على كيان الدولة العبرية طال الزمن أم قصر.