خبر « فتح » و« حماس »... أجندات متباينة من التنافس والصراع ..أحمد يوسف

الساعة 11:35 ص|04 سبتمبر 2012

ـ القدس المقدسية

إن الذي يعيش الواقع الفلسطيني اليوم تلاحقه الكثير من الأسئلة والاستفسارات المشفوعة بالألم والآهات، والتي يطرحها الشباب الملتزمون في إطارات تنظيمية تطال كل ساحاتنا السياسية والدينية والحزبية.

لماذا هذا الانقسام الرأسي والتشظي الأفقي بين مكونات الوطن الواحد؟ ولماذا هذه القسوة والقطيعة والجفوة والعداء؟ هل - فعلاً - نجحت إسرائيل في أن تخلق بيننا فجوة عميقة تتسع يوماً بعد يوم، بحيث لا حديث لكل منّا ولا عمل إلا استهداف الآخر ووضعه في دائرة الاتهام بالفساد أو العمالة؟!

إن مخططات إسرائيل لضرب القوى الوطنية بالإسلامية لم تتوقف على طول تاريخ القضية، ولقد شاهدت ذلك في أكثر من مرحلة من تطورات حياتي الحركيّة، لقد تمكنت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أن تفتح جبهات صراع بين القوى الإسلامية والوطنية في الثمانينيات، وأخذت واجهات الصراع أبعاداً حزبية محضة، لكنّ أصابع "الشاباك" لم تكن بعيدة عن كل ما يحدث، بل كانت تحرك عملاءها لإبقاء العلاقة - دائماً - في حالة من التوتر والتربص والمواجهة.

ربما كانت الاحتكاكات والتصعيد الذي وقع في الجامعة الإسلامية في بداية الثمانينيات هو وجه من وجوهها، وكذلك ما كان يقع خلال الفترة التي أعقبت الانتفاضة الأولى في عام 87، والتي تجلت مظاهرها في الصراع الخفي أو العلني الذي كان يحدث - أحياناً - بين القيادة الوطنية الموحدة وحركة "حماس".

في الواقع، لم تتمكن إسرائيل وأجهزتها الأمنية من حرف مسار هذه القوى بالزاوية التي تريد، لأن زخم الانتفاضة كان قوياً، وحجم الفعل النضالي كان كبيراً، وقد وجدت العناصر الخيّرة لها دوراً في إصلاح ذات البين بين الأخوة في الصفين الوطني والإسلامي، وبالتالي كانت مساعي تطويق الخلاف تكلل بالنجاح والعودة إلى سياسية التنسيق، واحترام كل طرف لفضاءات الطرف الآخر. من هنا، مضت الانتفاضة الأولى كإنجاز كبير للقوى الوطنية والإسلامية، وإن كانت الحقيقة التي لا يختلف عليها اثنان أن الحضور الإسلامي الفاعل لحركتي "حماس" والجهاد الإسلامي هما – بحق - من كان وراء هذا النجاح الباهر، والتمكين لأعظم هبّة شعبية في تاريخ القضية الفلسطينية وأطولها، مع عدم إنكار دور القوى الوطنية ومساهماتها النضالية، وتضحيات قياداتها وكوادرها الميدانية في الوصول بالانتفاضة إلى ما وصلت إليه من تألق ومتابعات إقليمية وعالمية.

لقد كنا نشاهد التنافس على الفعل المقاوم، فالكل يعمل بجد على تحريض الشارع للقيام بالفعاليات المطلوبة، وكنا نفرح ونقول: "وفي ذلك فليتنافس المتنافسون". كانت الانتفاضة ملحمة بطولية أشبه في شعبيتها وشهرتها بالسيرة الهلالية، يتطلع فيها الكل الوطني والإسلامي أن تكون له أسهم رابحة فيها، فأعطى كل ما عنده ، وكان فطناً بأن هناك أيادٍ خفية تحاول اختراق صفوفه وحرف بوصلته.. لقد كانت البيانات المزيفة تأخذ طريقها إلى شوارع قطاع غزة، بهدف خلق تناقضات ميدانية، وصياغة اتهامات موجهة من هذا الطرف لذاك بهدف التشويه وبلبلة المواقف بين القوى الوطنية والإسلامية. لقد حرّكت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية شبكات عملائها لتوزيع البيانات والنشرات المحرضة لتمزيق الصفوف وإشغال جبهتنا الداخلية بعضها بالبعض الآخر، ليتحول سهم كل منها باتجاه معسكر الآخر، ونصبح أقرب إلى حالة "بأسهم بينهم شديد".

لقد كنت أشاهد الكثير من هذه البيانات المزورة التي تحمل اتهامات بذيئة وإساءات جارحة، وتشكيكات، مذّيلةً - حيناً - بإسم القيادة الوطنية الموحدة، وأحياناً أخرى بإسم حركة "حماس".

وكما قلت – سابقاً – لقد أسهمت حركة الوعي لدى قيادات الطرفين في تخطي تآمر العدو ومكره، والاستمرار بالانتفاضة حتى تحقيق أهدافها، والتي فتحت الطريق لعودة الآلاف من كوادر منظمة التحرير الفلسطينية، وإنشاء السلطة الوطنية في عام 1994، على طريق إقامة الدولة الفلسطينية الحرة والمستقلة.

في ايلول عام 2000، كانت الهبّة الشعبية الثانية المسماة بـ"انتفاضة الأقصى" والتي شكلت مرحلة نضالية هامة في تاريخ شعبنا، وتمخضت عن تتويج كل الجهود الوطنية والإسلامية بانتصار عظيم جعل اسرائيل تقرر إنهاء وجودها على أرض قطاع غزة في ايلول 2005، والتفكير بالخروج – أيضاً – من الضفة الغربية.

إن هذه الملاحم البطولية ما كان لها أن تتحقق لولا تلاحم الفلسطينيين بقواهم الوطنية والإسلامية، ووقوفهم صفاً واحداً مدافعين عن أرضهم، وإن تعددت على جبهات المواجهة أشكال الأعلام وألوانها، تعبيراً عن الهوية الوطنية والإسلامية، وتأكيداً من الجميع على حضوره في ساحة المعركة المصيرية الكبرى.

لاشك أن أجهزة الامن الاسرائيلية ، لم توقف محاولاتها لإحداث شرخٍ في جدار وحدتنا الوطنية، وخلق فتنة من خلال تحريك بعض مظاهر الخلاف السياسي والأيديولوجي، كالقول: بأن هناك برنامجين متناقضين للتحرير والعودة؛ برنامج حركة "فتح"، وبرنامج حركة "حماس"، وهما بمثابة خطين متوازيين لا يلتقيان!!

للأسف، عززت بعض الممارسات الخاطئة التي وقعت عام 1996 بإعتقال كوادر إسلامية، وتعرضها للتعذيب والإهانة، من هوة الخلاف بين "فتح" و"حماس"، وأسست لحالة من الكراهية والرغبة في التشفي والانتقام، أوصلتنا - ربما - مع أسباب أخرى كثيرة للأحداث الدامية التي فاجأتنا جميعاً عام 2007 في قطاع غزة، والتي أشعل عملاء إسرائيل وبعض الموتورين في الجبهتين الوطنية والإسلامية فتيلها، من خلال مسلسل القتل والقتل المضاد.

وفي ذروة حالة التجني على حركة "حماس" عام 96، حاول البعض من خلال استهداف القيادات الإسلامية توجيه رسائل تحذيرية تحمل لغة التهديد والوعيد.. ولكن الموقف الذي أبداه الإسلاميون في الرد على تللك الحملة كانت تلخصه تللك العبارة التي اطلقها أحد قيادات "حماس" قائلاً: "كنت اعتقد بأن قدم الانتفاضة قد داست كل ما بيننا من ثارات".. ولكن يبدو أن الأمر ليس كذلك.

للأسف، يظهر أن المعادلة السياسية كانت تعني للبعض إما احتواء الإسلاميين أو اللجوء إلى عمليات التصفية والتهميش.

ومهما حاول البعض – اليوم - أن يقول إن كل ما وقع يأتي في سياق "ما كسبت أيدينا"، إلا أن الحقيقة هي أن هناك مخططاً إسرائيلياً كان يرسم ملامح ارباك المستقبل الفلسطيني بحيث يتسع الشرخ ويتعمق، ونصل إلى حالة من القطيعة ووضعية "أن لا تلاقيا".. إن الهدف كان – بلا شك – هو تغييب مشهد الاحتلال الإسرائيلي من الذاكرة الفلسطينية، ليحل محله مشهد الدم الحرام الذي أوغلت فيه سيوفنا – يوماً - بلا رحمة أو رشاد.

قطاع غزة: الوطن والبديل!! ...

إذا تابعت تصريحات المسؤولين فلن تجد على ألسنتهم إلا غزة، الاحتفالات لها والغناء لها، والتاريخ لها، فهي في سجل الأمجاد غدت الأول والآخر والظاهر والباطن..!!

لقد تقزّمت تطلعاتنا فلم نعد نرى في مشهدنا الفلسطيني – للأسف - إلا غزة؛ فهي أرض العزة، والمرابطين، والبشريات لأهلها بركوب ثبج البحر كالملوك على الأسرة ...الخ

لا أحد يمكنه أن ينكر ما لغزة من صفحات مضيئة، فهي عنوان التصدي للجيش الاسرائيلي ، كما أن المقاومة فيها حققت إنجازات تجعلنا نضعها فوق رؤوسنا جميعاً، ولكن غزة – بكل عظمتها - هي في النهاية جزء صغير من هذا الوطن، والذي إذا أضعناه بإنقسامنا وتشرذم مواقفنا فلن يبق لنا ما نفخر أو نعتز به.

إن هناك من يطرح أن قطاع غزة منطقة محررة، ويجب التعاطي معها من هذا المنطلق، دون النظر إلى تداعيات وعواقب مثل هذا الاجتهاد في الرأي على المستويين السياسي والاستراتيجي.

صحيحٌ أن حركة "حماس" وعلى لسان رئيس الوزراء وآخرين في الحكومة قالوا: "لا دولة في غزة، ولا دولة بدون غزة"، ولكنَّ هناك من يأخذه الاجتهاد في التفكير إلى اعتبار أن قطاع غزة هو الخطوة الأولى أو بداية التحرير، وأن باقي الوطن هو حالة تحت الاحتلال مطلوب اطلاق يد المقاومة لتحريرها.

إن الخطورة في مثل هذا التفكير ، أن الطرف الإسرائيلي يسعى لجعل قطاع غزة مسئولية مصرية، حيث إن كل ما يهمه في المرحلة الحالية هو ابتلاع الضفة الغربية من خلال التوسع الاستيطاني، وتهويد القدس بالمستوطنين، وهذه عملية يحتاج استكمالها إلى عدة سنين.. فإذا انتهت الضفة الغربية إلى مجموعة معزولة من التجمعات السكانية (بانتوستانات) وإلى تكتلات استيطانية يمكن لاسرائيل أن تضمها لاحقاً إلى حدودها، فإن مشروع الدولة الفلسطينية – المتعارف عليه عربياً ودولياً - يصبح أثراً بعد عين.

أما قطاع غزة، فستعمل اسرائيل على اقناع العالم بضرورة إلحاق ما تبقى منه بمصر، واقفال ملف الصراع معها؛ بإعتبار أن الدولة الفلسطينية لا يمكن أن تقوم على هذا الجزء المحدود من الأرض، والذي لا تتوفر فيه مقومات الحياة، بسبب ضعف الامكانيات وشح الموارد الطبيعية.

إن اطماع اسرائيل في سيناء ما تزال قائمة، وهي تتطلع بنظرة استعمارية الى هذه الجغرافيا الواسعة من الأرض لتكون – مستقبلاً - الحاضنة الوطنية لسكان قطاع غزة.

من هنا تأتي المخاوف المصرية من استمرار عملية الانقسام بين الفلسطينيين، لأن هذا الواقع المتشظي إذا تم تكريسه سيشجع دهاقنة السياسة والمتطرفين في إسرائيل للمضي قدماً في مخططاتهم الاستيطانية، لإنهاء مشروع الدولة الفلسطينية الحرة المستقلة.

هل يندمل الجرح؟! ....

أكثر من خمس سنوات مضت على الأحداث الدامية في حزيران 2007، والجرح مازال يحتقن ويتعفن، وأحلامنا في دولتنا الفلسطينية المستقلة تتحول – في ظل واقع الانقسام – إلى مخاوف وكوابيس.

السؤال الذي يطرح نفسه: هل أصبحنا بلا بصر أو بصيرة، حتى ندرك بأن الزمن - في ظل الانقسام - لا يعمل لصالحنا، ولا يخدم مستقبلَ مشروعنا الوطني.؟

ألا يفرض علينا واجبنا الوطني والتزامنا الإسلامي أن نعيد ترتيب أوراقنا السياسية وعلاقاتنا الإقليمية والدولية، حتى نتمكن من توظيف ربيع أمتنا ومكانتها التأثيرية بين الأمم، لكسب المواقف وحشد الرأي العام والمجتمع الدولي لصالح قضيتنا ومشروعنا الوطني في التحرير والعودة.

لقد حاول الكثيرون من أبناء هذا الشعب العظيم والخيّرين من أمتنا العملَ على رأب الصدع وإنهاء الانقسام، ولكن – للأسف – لم يُكتب لجهودهم التوفيق، وإن تكللت مساعي البعض منهم في تخفيف الاحتقان بين الشركاء المتشاكسين من أبناء الوطن الواحد، وفتح الطريق أمام فضاءات من التعايش والتقبل – ولو بقلقٍ - للآخر.

منذ تلك الأحداث الدامية التي أطلق عليها البعض اسم الحسم أو الانقلاب، والقضية الفلسطينية تشهد تراجعاً على المستويات السياسية والاقتصادية والمجتمعية كافة، وكذلك على مستوى القدرات والامكانيات والاستعدادات لمواجهة الاحتلال ، إذ كيف يتسنى لشعب منقسم على نفسه وخاضع للاحتلال أن يتمكن من هزيمة عدوه وتحقيق الغلبة والانتصار؟!!

إن مشروعنا الوطني في التحرير والعودة، واستراتيجياتنا لاستعادة حقوقنا السليبة والحفاظ على ثوابتنا الوطنية ليست – اليوم - بالقدر الذي يعكس وضوحاً في الرؤية وصوابيّةً في الحراك.. لقد غلّب البعض المصالح الحزبية فوق مصالح الشعب والقضية، وأضحى - هذا البعض - لا يرى إلا نفسه، ويحاورنا بعقلية "ما أُريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد"، فهو وحده الذي يمتلك بيده طوق النجاة ومفتاح الخلاص.!! فيما نحن جميعاً نشهد أن الوطن يغرق في أزماته، ويتعاظم الشرخ اتساعاً – يوماً بعد يوم - داخل نسيجنا الوطني والمجتمعي.

تحديات ومقترحات ....

إن أمامنا الكثير من التحديات، وأن الواجب يفرض علينا سرعة التحرك للخروج من نفق الأزمة الذي أدخلنا فيه الشعب والقضية. كما أن هناك عدةَ مواقف مطلوبٌ من هذا الشعب إظهارها، وامتلاك الجُرأة للتعبير عنها، ويمكنني إجمالها في النقاط العشر التالية:

أولاً) الاعتراف لشعبنا العظيم بأن كلَّ ما وقع في حزيران 2007 كان خطأً يستوجب منا جميعاً الاعتذار، وأن نعود إلى مفرداتنا الوطنية بأن الدم الفلسطيني كان وما زال هو خطٌ أحمر.

ثانياً) العمل لتشكيل تكتلات غير حزبية ضاغطة لقطع الطريق أمام تأبيد حالة الانقسام، مهمتها التحرك الدائم لحشد الجهود والمواقف لتحقيق المصالحة الفلسطينية.

ثالثاً) القيام بفعاليات جماهيرية وتحركات شعبية في مناسباتنا الوطنية للتأكيد على اهمية وحدة الصف الفلسطيني، وأن فلسطين الوطن أكبر من التنظيم والحزب والفصيل.

رابعاً) الشروع بتأسيس جبهة وطنية إسلامية تحمل الهمَّ الوطني، والإعلان الواضح بأن تعمل على تحقيق رغبات الأغلبية الصامتة.

خامساً) تجنب المشاركة في كل ما يُكّرس الفصائلية والحزبية من احتفاليات غير وطنية أو انطلاقات فئوية.

سادساً) نزع الشرعية عن الأوضاع السياسية القائمة في الضفة الغربية وقطاع غزة، والمطالبة بمجلس وطني جديد، وبسرعة اجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية.

سابعاً) مناشدة مصر والسعودية وقطر وتركيا للضغط على كل من "فتح"و"حماس"، للعمل على إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة، والتعجيل بتشكيل حكومة التوافق الوطني.

ثامناً) حث جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي على إرسال لجان تقصي حقائق للضفة الغربية وقطاع غزة، لبحث ملفات الاعتقال السياسي وانتهاكات حقوق الإنسان التي تجري على خلفيات الانتماء الحزبي والارتباط بالمقاومة.

تاسعاً) التحرك الشعبي للمطالبة بفرض رؤية عربية لعملية تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام، وإلزام طرفيّ الأزمة بتطبيقها.

عاشراً) العمل على فضح كل القائمين على تكريس الانقسام بين أبناء الشعب الواحد.

التسامح المطلوب: اللغة والنهج ....

إن التنافس السياسي تحكمه عمليات انتخاب ديمقراطية نزيهة، والسماح بوجود تعددية حزبية تحترم الآخر، في إطار عملية تداول سلمي للسلطة لا تعتمد سياسة التهميش والاقصاء. إن هذا الشكل من التنافس السياسي يمنح فضاءً للاجتهاد والابداع وتعزيز المشروع الوطني الفلسطيني، كما يحفظ مساحة للتعاون والتنسيق والعمل المشترك، والاتفاق على رؤية وطنية تتوافق فيها برامج الاحزاب والقوى الوطنية والاسلامية بما يُمكن الجميع من ابراز دوره، وتقديم مساهماته في مشروع التحرير والعودة.

إن الصراع السياسي – في وجهه القبيح - يعني العمل على انهاء الآخر أو اضعافه، ويعتمد المعادلة الصفرية (Zero Sum Game) التي تقول إن أي كسب لطرف هو خسارة للطرف الآخر، وأن استمرار الكسب لطرف هو تصفية لحساب الآخر. فالحق الذي يجب يعيه طرفا الأزمة هو أن التمكين ل"حماس" يجب ألا يعني الاجهاز على حركة "فتح"، كما أن استعادة "فتح" لمكانتها لا ينبغي أن يمر فوق جثة حركة "حماس".

إن الشراكة السياسية تعني الاستيعاب والابتعاد عن منطق المغالبة، كما أنها تعني ادراك الجميع أن الوطن ما زال تحت الاحتلال، والمطلوب هو اشتراك الجميع في تحريره.

صحيحٌ، أننا ما زلنا في مرحلة تداول مصطلح التوافق، ومحاولة تأثيث الذهنية الحزبية والحركية للقبول به وتشربه، وهذا في حد ذاته إنجاز إذا ما تمَّ إدخاله في ثقافتنا، وأصبح جزءاً من أدبياتنا الفكرية والسياسية. إن علينا أن نقر ونعترف بأن الفترة التي أعقبت توقيع اتفاقية أوسلو 93، وتأسيس السلطة الوطنية في 94، قد أخفقنا فيها جميعاً في إيجاد آليات لتكييف علاقاتنا السياسية بما يخدم مشروعنا الوطني، كما أن السلطة – للأسف - عملت بمنطق الاحتواء، وعمدت إلى سياسة العصا والجزرة، الأمر الذي حدد شكل العلاقة القائمة بيننا بإعتماد منطق الصراع وليس التنافس السياسي, وقد أكدت الأحداث التي جرت بعد فوز "حماس" بالانتخابات في كانون الثاني 2006 أن هناك من لا يريد التعايش مع الآخر، بل يسعى لتغييبه وسحقه.

في العمل السياسي تسود - عادة - لغة المصالح "هات وخد – Give & Take"، وهذا هو الذي يمنح الأحزاب السياسية فرص التعايش تحت مظلة من الشراكة والتحالف والائتلاف، بحيث يتحقق لكل منها شيءٌ من الكسب والشعبية والحضور.. الكلُّ يتقدم ببرنامجه السياسي، ويبدأ البحث عن مساحات المشترك لإيجاد نقاط التقاطع والتجاذب التي تسمح للجميع بالاستمرار وعدم العودة من وراء هذه الشراكة بخُفيِّ حنين.

إن من حقنا أن نقول أن حركتي "فتح" و"حماس" أخفقتا في قيام مثل هذه الشراكة؛ لأن كل طرفٍ كان يتوجس من الآخر، ولديه الاعتقاد بأنه يعمل على إقصائه أو إبعاده عن ساحة المنافسة، حيث القناطير المقنطرة من الذهب والفضة.

لذلك، فإن تجربتنا في حكومة الوحدة والتي لم تستمر أكثر من ثلاثة شهور هي خيرُ دليل على ذلك، حيث لم نتمكن من تكييف علاقاتنا السياسية بالشكل الذي يرفع من قدر مشروعنا الوطني أو يعزز من قدراتنا على حماية مصالحنا الوطنية العليا.

نحن نحتاج إلى قراءات واسعة لفهم معادلة التنافس السياسي، والتي تعني حق الجميع في العمل في فضاءات واسعة من التعددية وتلاقح الأفكار، وترك مسألة الاختيار لصناديق الاقتراع، مع ضمان عملية التبادل السلمي للسلطة.

إن الذي يسود علاقاتنا السياسية داخل ساحتنا الفلسطينية هو حالة أشبه بالصراع على السلطة، والتي تعني للبعض – للأسف - التخلص من الخصم السياسي وإرساله إلى مهاوي الردى.!!

لقد شاركت في إحدى المؤتمرات الدولية التي انعقدت في تونس بتاريخ 6 حزيران 2012، وأعجبتني الطريقة وروح الخطاب الذي تحدث به الأمين العام المساعد لحزب المؤتمر في توصيفه لأحزاب التحالف المشترك، حيث قال: "كان التحالف الحاكم في تونس بمثابة زواج عقل لا زواج حب بين أطراف ثلاثة: حزب النهضة؛ وهو الحزب الأكبر شعبية والأقرب لهوية الشعب، والأكثر تمثيلاً لفئات الشعب المختلفة، وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية؛ وهو الحزب الأقرب في خطابه وممارساته لروح الثورة وضمير الشعب، ثم حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات؛ وهو الحزب الأكثر قبولاً على المستوى الخارجي، والأكثر تمثيلاً للفئات المترفة من الشعب".

إننا نحتاج للرؤية التي تجمع ولا تُفرق، والكلمة الطيبة التي لا تحمل دلالة "وعزّني في الخطاب"، لتوسيع مساحات التعايش والتآخي والعمل المشترك بين قوانا الوطنية والإسلامية، أمّا ثقافة "إمّا أنا أو أنت" فهذه لا تعيد وطناً سليباً، ولا ترد غائلة المحتلين، وقديماً قيل: "من ضاقت رؤيته ضاق صدره".

ختاماً: الصلح خير ....

للأخوين الكريمين الرئيس محمود عباس والسيد خالد مشعل أقول: إن التاريخ لن يرحم كل من أسهم في تكريس حالة الانقسام، واعطاء الذرائع لاسرائيل للاستمرار في سياسة مصادرة الاراضي والتوسع الاستيطاني وتهويد المقدسات.

إن القيادة الحكيمة معقود في نواصيها الخير، وإننا نرى أن بأيديكما مفتاح الخلاص والخروج من نفق الأزمة التي حاصرتنا جميعاً.. لذا، فإننا نناشدكم سرعة العمل على تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام، لقطع الطريق أمام المحتل الذي يعمل بمكر ودهاء لشطب الفلسطينيين – كشعب له حق سليب – من الوجود.

إن ما بيننا كفلسطينيين هو أكثر من "صلة الرحم"، تلك الصلة التي قال فيها رسول الله (ص) "لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألونني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها".

إن الوطن ليس غنيمة أو كعكة يعتقد البعض أن بالإمكان تقاسمها، بل هو ساحة للتنافس على حمل الأمانة وأداء الواجب، وعلى الجميع - حركات وجماعات وأحزاب - الحفاظ على وحدته، والعمل على جمع صف قواه الوطنية والإسلامية، أما أجواء العداء والكراهية التي يحاول البعض تعميقها، وتكريس واقع الانقسام بين أبناء الوطن الواحد فهي فعل من أفعال الخيانة، وإن كان وراءها من صلى وصام وحج البيت الحرام.

آمل ان يدرك طرفا القيادة في "فتح؛ و"حماس" أن كل دقيقة تمضي - وهما على ما هما عليه من انقسام - فإن الأرض تُنتقص من أطرافها، كما أن النفوس تتباعد والقلوب تزداد غلظة، وعلى فلسطين وأهلها السلام.

وللملأ وبطانات السوء المتحلقين حول قياداتنا السياسية؛ الوطنية والاسلامية نقول: "لا تراهنوا على صمت الشارع وما زرعتموه من خوفٍ فيه، فشواهد التاريخ علمتنا أن الثورة تسبقها لحظاتٌ احتجاجية مطالبة بالتغيير والإصلاح والتجديد، ثم يكون الانفجار مفاجئاً للجميع، وفي وقت لا تنفع معه الصور الدرامية لمشهد "فأصبح يُقلب كفيّه" أو حالة البكاء وعضِّ أصابع الندم مع مطلع الشمس ومغربها.

اللهم قد بلغت، اللهم فاشهد..