خبر التاريخ الذي لم تعرفوه.. اسرائيل اليوم

الساعة 08:46 ص|31 أغسطس 2012

نداف شرغاي

(المضمون: يعيد الفلسطينيون كتابة تاريخ فلسطين من وجهة نظرهم متجاهلين الرواية اليهودية الصهيونية تجاهلا كاملا - المصدر).

يُعرض على مشاهدي التلفاز الفلسطيني في الاشهر الاخيرة شريط مسجل يصوغ الوعي: ففي وسط ميدان خيالي تُطل عليه قبة الصخرة وكنيسة مزخرفة، تركع على ركبتيها شابة حسناء تلبس لباسا ابيض وتنثر الحب لمئات من الحمام الساجع. وفجأة يطير الحمام ويختفي. وتبقى المرأة باللباس الابيض التي تمثل "الفلسطينيين القدماء" كما يبدو، وحدها.

يتغير المشهد. ان الفتاة تجري الآن في صحراء لا نهاية لها. وتزل قدمها وتلقى جنديا روميا. فتفر منه في رعب لكنها تلقى سريعا جنديا صليبيا. وفي نهاية فرارها تمر بجندي بريطاني وتحاول آخر الامر ان تهرب من يهودي اسرائيلي يعتمر قبعة دينية يرمي نحوها بسيجارة مشتعلة.

في المشهد النهائي للشريط يُطل "المُخلص" راكبا حصانا على صورة صلاح الدين "الجديد"، وهو النسخة الحديثة للقائد المسلم الذي هزم الصليبيين وطردهم من البلاد. ويمد "الفارس" على الحصان الاسود يده الى المرأة الهاربة ويساعدها على التسلق الى قمة الجبل. فتقف الآن وحدها تنظر الى أعلى متحررة من جميع "مستعبديها".

تنتقل الرسالة بصورة جيدة وتقول ان الفلسطينيين هم الذين كانوا هنا منذ أقدم الأزمان لا اليهود، وسينتهي الاسرائيليون الى ان يُهزموا ويختفوا من هنا كما طُرد الروم والصليبيون والبريطانيون.

يُجسد الفيلم القصير جيدا ما سماه الدكتور يوسف الزمالي، رئيس قسم التاريخ في كلية التربية في خانيونس قبل سنين كثيرة: "عدم الصلة بين الجيل القديم من اليهود والجيل الجديد".

ان الفلسطينيين، كما يوثق الآن تقرير خاص من "نظرة في الاعلام الفلسطيني"، ينشر هنا لأول مرة، يمحون التاريخ اليهودي ويملأون الفراغ بتاريخ متوهم. وهم يحولون الكنعانيين الذين ورد ذكرهم في الكتاب المقدس الى عرب ويحولون الاسرائيليين والعبرانيين وأبناء يهودا الذين ورد ذكرهم في الكتاب المقدس الى مسلمين. فقد كان موسى، اذا لم تعلموا، مسلما أصلا وكذلك المسيح ايضا.

ان كل شيء يحل تقريبا في رحلة مغامرات الفلسطينيين في نفق زمانهم المتخيل. فمثلا يستطيع المؤرخ نبيل علقم ان يتحدث عن تراث فلسطيني عمره 4000 – 5000 سنة في حين يرجع المجلس الاسلامي الأعلى التابع للسلطة الفلسطينية الى سنة 7500 ق.م باعتبارها "خط بدء العرب في فلسطين".

ما الذي حدث على مر السنين لصيغة عرفات الذي أرسل اليهود في الماضي الى اليمن ونابلس للبحث عن هيكلهم "المتوهم" هناك خاصة؟ ان هذا الامر ما يزال سائدا لكن أصبحت توجد صيغ أكثر مبالغة بكثير: فالكتاب المقدس كما يزعم مؤرخان فلسطينيان هما جرير القدوة الذي كان مستشار عرفات في شؤون التربية والدكتور عصام سالم، رئيس قسم التاريخ في الجامعة الاسلامية في غزة – هو في واقع الامر تحريف لنص اسلامي.

ان الكنعانيين هم آباء آباء الفلسطينيين، أما أسباط العبرانيين في فترة الكتاب المقدس فبادوا ولم يبق منهم أثر. والهيكل بحسب ما يرى القدوة هو ثمرة مخيلة اليهود وكان الذين بنوه هم "أبناء شعبنا، وآباؤنا الكنعانيون في فلسطين".

بين بلفور وهتلر

يتناول أحد الفصول الأكثر مفاجأة إن لم نقل إدهاشا المواد التي جمعها باحثو "نظرة في الاعلام الفلسطيني"، يتناول طريقة تناول السلطة الفلسطينية للنهضة اليهودية في ارض اسرائيل. لما لم يكن لليهود أصلا ماض في ارض اسرائيل بحسب التوجه الفلسطيني فليس من الممكن ان يكونوا هم أنفسهم بادروا الى انشاء الحركة الصهيونية، وهكذا نُسجت قصة متخيلة هذه خلاصتها وهي ان اليهود كانوا أشرارا جدا ومنبوذين في البلدان التي سكنوها آلاف السنين الى ان اضطرت أمم العالم الى مطاردتهم وطردهم لحماية أنفسهم.

ان المشكلات التي عانتها بريطانيا وسائر البلدان الاوروبية بسبب وجود اليهود الذين عاشوا فيها، حثتهم على التدبير وعلى ايجاد الصهيونية للتخلص من "عبء اليهود".

اختار الاوروبيون ارض اسرائيل هدفا لطرد اليهود من اجل التحكم بـ "الموارد الطبيعية" في الشرق الاوسط وسلبها.

اليكم مثالين مميزين مع فرق 11 سنة: الاول مأخوذ من خبر نشر في الصحيفة الرسمية للسلطة في سنة 1998: "الفرق بين هتلر وبلفور بسيط: فلم تكن للاول مستعمرات يرسل اليهود اليها ولهذا أبادهم؛ وفي المقابل جعلت خطة بلفور فلسطين واحدة من مستعمراته وبدأ يرسل اليهود اليها. ان السيد بلفور هو هتلر الذي يسيطر على المستعمرات في حين ان هتلر هو بلفور بغير المستعمرات. وقد أراد الاثنان التخلص من اليهود واستغلا الخطة الصهيونية".

بعد ذلك بعشر سنين أو أكثر أصبحت الحياة العامة الفلسطينية مليئة بكلام من هذا القبيل أو بما يشبهه. "غرس العالم اسرائيل في جسدنا"، تقول مثلا عضو المجلس التشريعي عن فتح نجاة أبو بكر، ويذيع التلفاز الفلسطيني في نفس الوقت فيلما قصيرا فيه مضامين مشابهة تقول ان: اوروبا وعلى رأسها بريطانيا هي التي أسست اسرائيل... وحينما نلقى الاوروبيين نحن العرب أو الفلسطينيين يجب ان نقول لهم: أنتم أنشأتم وغرستم كيانا مغتصِبا للارض الفلسطينية... حينما غرسوا (اليهود) تخلصوا (منهم)... فقد كان اليهود على عهد هرتسل شيئا مقلقا أقض مضاجع المجتمعات الاوروبية فأرادت التخلص منهم وغرستهم في فلسطين".

ان الاماكن المقدسة لليهود في ارض اسرائيل هي بطبيعة الامر عائق بحسب النظرية التي يحاول الفلسطينيون ان يسموا بها وعي جمهورهم في السنين الاخيرة. وربما أصبحوا هدفا لهجوم لا ينتهي عليهم بسبب ذلك. ان قبر رحيل الذي سُمي سنين طويلة "قبة رحيل" أصبح على ألسنة الفلسطينيين مسجد بلال بن رباح المدفون في سوريا أصلا أو في الاردن بحسب رواية اخرى؛ وأصبحت مغارة الماكفيلا بحسب رواية وزارة الأوقاف والشؤون الدينية "مسجدا سيبقى عربيا اسلاميا للمسلمين فقط".

قُدس الخيال

لكن المراكز هي بلا شك القدس وجبل الهيكل والمسجد الاقصى. فالى جانب الاختلاق المكرر الذي يقول ان دولة اسرائيل تتآمر وتعمل بالفعل على هدم الاقصى، ينكر المسلمون بشدة كل علاقة بين اليهود وبين القدس ومقدساتها. وهم ينعتون الهيكل بـ "المزعوم" وقد أصدروا في المدة الاخيرة نشيدا يُقلد نشيد المزامير الشهير يُبث مثل شريط غنائي في التلفاز الفلسطيني.

ان مستوى خوف وعي الفلسطينيين في كل ما يتعلق بالقدس يرتفع في الأساس في الفترات التي يكشف فيها علم الآثار عن معطيات كثيرة تكشف الماضي اليهودي للمدينة. ويُقال ذلك بصراحة تقريبا: "الاسرائيليون"، يعلن المذيع الفلسطيني في اثناء فيلم وثائقي بُث في التلفاز الفلسطيني، "يعلمون بيقين ان جذورنا أعمق من تاريخهم المزيف". وتقترب عدسة التصوير من باحة حائط المبكى ويتابع المذيع قوله: "نحن نرسم الآن خريطتنا. وحينما يختفون (اليهود) من الصورة كفصل منسي من صفحات تاريخ مدينتنا، سنبني من جديد (منطقة السكن). هنا (في باحة الحائط الغربي) سيُبنى حي المغاربة".

اليكم تذكيرا ضروريا: ان حي المغاربة الذي حدّ مئات السنين جدا من وصول اليهود الى الحائط الغربي، هدمته اسرائيل بعد حرب الايام الستة فورا لتمكين جموع اليهود من العودة للصلاة قرب الحائط الغربي. وقد دنس سكان حي المغاربة الحائط الغربي بروث البهائم وبمراحيض ألصقوها به.

لكن الخطة المستقبلية (النظرية) للفلسطينيين لمحو باحة حائط المبكى وبناء حي عربي فيها ليست هي الأساس، بل الأساس كما قلنا آنفا هو المعركة على الوعي: ان قسم فلسطين والمناطق العربية في الجامعة العربية يؤكد ان القدس هي "مدينة عربية محتلة وكل ما يُقال في اسرائيل بشأن حق اليهود فيها يقوم على افتراءات وأكاذيب". وهكذا يكرر اذا رجال الدين المسلمون وليسوا هم فقط مقولة ان الحائط الغربي جزء من المسجد الاقصى وليست له أي صلة باليهود.

اليكم مثالا: "ذرف (اليهود) دموعا وبكوا عند الحائط الغربي للمسجد الاقصى عن وهم وتزوير أنه من بقايا الهيكل المزعوم..."، يقول البرنامج الوثائقي "الكُنس حول الاقصى" الذي بثه التلفاز الفلسطيني. "من حائط البراق"، يتابع البرنامج، "بدأوا يحفرون تحت المسجد الاقصى (وهذه تهمة كاذبة)، وحفروا أنفاق الحائط الغربي... وبازاء مسجد قبة الصخرة وفي قلب النفق افتتحوا كنيسا آخر في أقرب مكان بحسب تخيلهم من قدس أقداس الهيكل المزعوم" (والحديث هنا مرة اخرى عن كذب لأن الأنفاق والكنيس المتحدث عنها موجودة كلها بلا شاذ منها خارج حدود منطقة جبل الهيكل).

وهكذا حينما بيعت قطعة شاقل من يهودا من سنة 66 للميلاد وهي السنة الاولى للتمرد اليهودي على الرومان بـ 1.1 مليون دولار، في مزاد علني في نيويورك، وصفت الصحيفة اليومية للسلطة الفلسطينية قطعة النقد العبرية التي نُقش فيها بخط عبري قديم "القدس المقدسة" بأنها "قطعة نقد فلسطينية قديمة" هي "جزء من التراث الحضاري الفلسطيني".

لا ينسب الفلسطينيون الشاقل القديم وحده الى الاسلام، فقد بُدل دين سيدنا موسى ودين المسيح ايضا. فيُبين محاضر فلسطيني من جامعة النجاح في نابلس في برنامج في موضوعات دينية في التلفاز الفلسطيني ان موسى الذي كان مسلما قاد "المسلمين من بني اسرائيل" من مصر. ويتطرق في كلامه الى احتلال بني اسرائيل للبلاد ويصف ذلك بأنه "أول حالة لتحرير فلسطيني بالكفاح المسلح". وقال ان هذا الاحتلال لم يقده يهوشع بن نون بل قاده شاؤول (طالوت – في القرآن) الذي قتل جوليات بحسب قوله ايضا.

ان بعض هذا الكلام اذا تجاوزنا عن الاهتمام الذي يثيره كلام المحاضر الدكتور عمر جعارة، والذي يعتمد في ظاهر الامر على الروايات الاسلامية، هو ايضا تزييف لما ورد في القرآن. ان القرآن يذكر في الحقيقة "بني اسرائيل" لكنه لا يتحدث في أي موضع عن أبناء شعب "فلسطيني".

مسيحية مسلمة

لن يستريح المسيحيون ايضا لما يفعله الفلسطينيون بالمسيح الذي يعتبر بحسب العقيدة المسيحية ابن الله، ففي حين كان المسيح التاريخي يهوديا، أصبح "فلسطينيا" في السلطة الفلسطينية. "لا ينبغي لنا أن ننسى ان المسيح فلسطيني وهو ابن مريم الفلسطينية"، تكتب صحيفة السلطة الفلسطينية" الحياة الجديدة"، واحتفاءا بيوم المرأة العالمي يفصل موقع فتح على الانترنت نبأ بهذه اللغة: "نحن نفخر ونعتز بأن السيدة المقدسة التي هي الاولى والأهم بين الأمم والشعوب هي من هذه الارض المقدسة، لأن مريم البتول هي من الشعب الفلسطيني... ان حركتنا تسجل اعتزازها بجميع الشهيدات والسجينات والمحاربات الفلسطينيات".

وربما لاكمال الصورة يؤكد المفتي الرئيس للسلطة الفلسطينية محمد حسين ان المسيح كان نبيا مسلما فلسطينيا: "نحن نحترم المسيح ونؤمن به كما نؤمن بالنبي محمد".

ان أمثلة اعادة كتابة التاريخ كثيرة جدا، لكن ربما يعبر عن الاتجاه السائد اليوم أكثر من كل شيء اعلان مؤتمر القدس للدين والتاريخ انه "يجب ان يُكتب التاريخ الصهيوني في فلسطين من جديد".

دعا المشاركون في المؤتمر الذي عقد قبل بضع سنين، المؤرخين الغربيين ومراكز البحث "الى اعادة النظر في تاريخ فلسطين القديم والقدس بصورة نقدية ودقيقة وعادلة".

وكانت النتيجة كما قلنا آنفا اعادة كتابة التاريخ. فقد أوصى المؤتمر والفلسطينيون يحققون ذلك في ورع.