خبر القضاء يشارك الجيش الجرائم- هآرتس

الساعة 08:05 ص|30 أغسطس 2012

 

بقلم: جدعون ليفي

كان ربيع 2003 ربيعا آثما، ففي شوارع اسرائيل هاجت الانتفاضة، وفي محور فيلادلفيا انفجرت الشحنات الناسفة، وفي رفح هدمت الجرافات مئات البيوت أكثرها لسكان أبرياء. وقبل ذلك ببضعة اشهر وصلت الى رفح شابة امريكية من اولمبيا، في واشنطن. عرفت ريتشل كوري في مدرستها شابا من أصل فلسطيني، عرفت عن طريقه معاناة أبناء شعبه، فاستقر رأيها حينما كانت في الثالثة والعشرين على ان تفعل فعلا فانضمت الى حركة التكافل الدولي وسافرت الى غزة.

وشهدت في الاسابيع التي تلت ذلك افعال الجيش الاسرائيلي هناك وأبلغت عائلتها واصدقاءها وحاولت ان تكون درعا بشرية. وفي ذلك الوقت جاء الى القطاع مواطنان بريطانيان ايضا هما توم هورندل الذي جاء هو ايضا لمساعدة العاجزين، وجيمس ميلر وهو مصور وصاحب أفلام وثائقية كثير الجوائز جاء ليُعد فيلما عن حياتهم وأسمى فيلمه "موت في غزة".

        في غضون اسابيع معدودة قتل الجيش الاسرائيلي هؤلاء الثلاثة. فقد سُحقت كوري حتى ماتت حينما حاولت ان تحمي بجسمها بيتا أوشكت الجرافة ان "تجرفه". وقُتل ميلر برصاص قناص بعد ان خرج من البيت وفي يده علم ابيض. واستطاع بعد الرصاصة الاولى ان يصيح نحو الجنود: "نحن صحفيان بريطانيان"، كما ظهر في وضوح في فيلم الفيديو الذي صُور في الظلام، فجاءت رصاصة القناص الثانية ردا على ذلك وقتلته. وقُتل هورندل حينما حاول ان يحمي بجسمه جماعة اولاد دُفعت الى النيران. وقد قضت هيئة محلفين بريطانية بأن ميلر قُتل عمدا لكن الجندي الذي قتل هورندل حوكم وحده وحُكم عليه بثماني سنوات حبس وأُفرج عنه بعد نحو من ست سنين. ولم يُحاكم أحد لقتل ميلر وكوري.

        كان هؤلاء النشطاء الدوليون الثلاثة ناس ضمير شجعانا يفخر بهم كل مجتمع اخلاقي وهم قدوة للشباب المشاركين وذوي الاكتراث. ففي الوقت الذي يتمتع فيه رفاقهم في الحفلات والامور الفارغة، هبوا الى موقع كارثة انسانية، ولم يُعرضوا جنود الجيش الاسرائيلي الى شيء من الخطر، لكن الجيش الاسرائيلي لم يُردهم هناك. فقد "تجولوا بين رجليه" يحاولون ان يمنعوا بأجسامهم جرائم حرب ويوثقوها بآلات تصويرهم. وقد كان يجب عليهم ان يكونوا هناك من اجل الاسباب التي لم يُردهم الجيش الاسرائيلي هناك بسببها بالضبط. أول أمس قضت المحكمة في حيفا بأن كوري تتحمل تبعة موتها. وهذا يوم عصيب على العدالة والقانون الدولي، كما قال والداها ويجب ان يكون يوما عصيبا على اسرائيل ايضا.

        من اعمال الجيش الاسرائيلي ان يحمي المدنيين في المناطق المحتلة. فحتى لو لم يرَ سائق الجرافة والجندي الى جانبه كوري ولم يسحقاها على عمد كما قضت المحكمة، فان الجيش الاسرائيلي لم يفعل ما يكفي لمنع قتلها. فقد قالت ريح القائد التي هبت آنذاك (واليوم) إنه يجب إبعاد هؤلاء المتطوعين عن الميدان. وهبت هذه الريح السيئة هذا الاسبوع ايضا من قضاء المحكمة التي ألقت باللوم على حركة التكافل وأحلت القتل بذلك بصورة غير مباشرة.

        أصبحت كوري أيقونة دولية. ومن المؤسف انه لا يوجد شباب اسرائيليون مثلها. ان منظمتها لا تحب اسرائيل بل هي أبعد من ذلك واعضاؤها دوغمائيون احيانا لكن هذا من حقها. ان أقل قدر مطلوب من اسرائيل على أثر قتلها عمدا أو خطأ المحاكمة ولو بسبب الاهمال والاعتذار ودفع تعويضات. وفي حالة ميلر التي قد تكون أوضح حالة لقتل متعمد دفعت اسرائيل الى عائلته مالا جما لكن لم يُحاكم أحد لذلك كما قلنا آنفا.

      يوجد قاض في حيفا ايضا وقد انضم هذا الاسبوع الى طائفة طويلة مخجلة من قرارات حكم ترمي الى إحلال كل مفسدة من مفاسد الجيش الاسرائيلي تقريبا. والرسالة واضحة وهي ان اسرائيل لا تريد ناس ضمير في الوقت الذي تفعل فيه ما تفعل، وأنهم يتحملون تبعة قتلهم. والرسالة الى الجنود هي أنه يجوز قتلهم وأنه لن يحدث لكم أي سوء. حينما يعمل الجيش الاسرائيلي على هذه الحال ربما يمكن ان نتفهم ذلك، لكن حينما يُحل جهاز القضاء ذلك يكون الحديث عن إفساد. أنظري يا رحيل، أنظري، فلم يكن موتك عبثا لأنه كشف مرة اخرى على الأقل عن ان جهاز القضاء الاسرائيلي شريك كامل في المفسدة.