خبر أربع سياسات لإضعاف مصر ..د‏.‏ محمد السعيد إدريس

الساعة 11:29 ص|28 أغسطس 2012

ـ الأهرام المصرية

لم تكن صدمة حرب أكتوبر ‏1973‏ هينة ليس فقط علي الدولة الصهيونية ولكن أيضا علي الولايات المتحدة الأمريكية التي صدمت‏,‏ كما صدم الإسرائيليون بروعة وشجاعة وكفاءة المقاتل المصري‏.‏

التي كشفت عن أمرين أولهما: مدي اعتزاز المصريين بأرضهم, وثانيهما: مدي عمق الكراهية والعداء لدي هؤلاء المقاتلين للعدو الصهيوني.

من هنا جاء التوافق الأمريكي الإسرائيلي علي قرار استراتيجي مشترك مفاده منع المصريين من تكرار هذه التجربة مرة أخري, أي منع المصريين من امتلاك القدرة علي تحقيق انتصار عسكري جديد ضد إسرائيل, أو أن تعود قوة قادرة علي تهديد الأمن والوجود الإسرائيلي في المستقبل. هذا القرار الاستراتيجي جري تنفيذه عبر أربع سياسات متكاملة فيما بينها. السياسة الأولي هي إجبار مصر علي الدخول في تفاوض مباشر مع الإسرائيليين, وهو التفاوض الذي ظل محرما علي مدي العقود السابقة منذ تأسيس الكيان الصهيوني عام .1948 فالأسلحة الأمريكية المتطورة التي وصلت إلي الجيش الإسرائيلي مباشرة في أثناء الحرب حالت دون تمكين القوات المصرية من تطوير هجومها داخل سيناء لمنعها من تحريرها بالكامل. كما أن المعلومات التي قدمها الأمريكيون للإسرائيليين عن خطوط التماس بين الجيشين الثاني والثالث المصريين شرق وغرب القناة أعطت للإسرائيليين فرصة إحداث اختراق في منطقة التماس هذه عند الدفرسوار وإحداث ثغرة عبروا منها إلي غربي القناة.

كان الهدف من هذا كله إجبار المصريين علي التفاوض المباشر مع الإسرائيليين تحت غطاء فك الاشتباك العسكري وهو التفاوض الذي تطور فيما بعد من عسكري إلي سياسي حتي جري توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في مارس عام 1979 وهي المعاهدة التي حولت التفاوض إلي تطبيع للعلاقات, وإلي تسويق السلام بمفهومه الإسرائيلي, كي تتحول إسرائيل من عدو إلي شريك وبعدها, تحولت, عبر حزمة من السياسات, إلي حليف لمصر علي النحو الذي أرادته واشنطن وتل أبيب.

أما السياسة الثانية فاستهدفت تحويل مصر إلي دولة تابعة اقتصاديا وعسكريا للولايات المتحدة كي تتمكن واشنطن من التحكم في القرار الوطني المصري وبالذات ما يتعلق بالموقف المصري من إسرائيل.

كانت كلمة السر في هذه السياسة تلك المعونات الاقتصادية والعسكرية التي تعهدت واشنطن بتقديمها لمصر مقابل شرطين, أولهما أن يكون السلام المصري مع إسرائيل هو ثمن مباشر لهذه المعونات وفق معادلة الرخاء مقابل السلام. وثانيهما تخريب الاقتصاد المصري بالإصرار علي بيع القطاع العام وسط مناخ مفعم بالفساد المالي والسياسي وتحت رعاية السلطة في مصر.

لم تقتصر التبعية المصرية للأمريكيين علي حدودها الاقتصادية لكنها امتدت عسكريا وسياسيا. امتدت عسكريا عبر اعتماد مصر بشكل أساسي علي التسليح الأمريكي والتدريبات والمناورات المشتركة مع الأمريكيين, وأدت إلي إخراج الجيش المصري من المنافسة مع الجيش الإسرائيلي من خلال التحكم الأمريكي في القدرات التسليحية للجيش المصري بما يؤمن التفوق العسكري الإسرائيلي المطلق. وامتدت سياسيا من خلال دخول الأمريكيين في صفقات سياسية مع رئيس النظام السابق أبرزها صفقة توريث الحكم لابنه جمال, وهي الصفقة التي تحولت مصر بسببها إلي أداة أمريكية للعبث بثوابت وطنية مصرية وقومية انحازت فيها مصر مرات عديدة إلي جانب العدو الصهيوني في اعتداءاته المتكررة ضد الشعب الفلسطيني وضد لبنان, وقبلها انحازت للغزو والاحتلال الأمريكي للعراق.

أما ثالثة الأثافي في هذه السياسات الأربع فكانت معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية التي جعلت سيناء منطقة نفوذ إسرائيلي مطلق وجردتها من السيادة المصرية وحولتها إلي خط حماية هائل للأمن الإسرائيلي بفرضها منطقة خالية من الوجود العسكري المصري.

فهذه المعاهدة لم تسمح بغير وجود عسكري رمزي في المنطقة( أ) التي تمتد شرقا في سيناء بمسافة 58 كم بمحاذاة قناة السويس وتتمركز فيها مجرد فرقة مشاة ميكانيكي واحدة, أما المنطقة (ب) فلا يوجد بها غير عدد من قوات حرس الحدود, في حين أن المنطقة (حـ) الملاصقة لحدود مصر مع فلسطين المحتلة (إسرائيل) فلا يوجد بها غير عدد من قوات الأمن المركزي. لم تحرم سيناء من جيشها فقط بل حرمت أيضا من التعمير الذي تحول إلي خط أحمر إسرائيلي.

أما السياسة الرابعة فكانت العمل علي اختراق الجسد والعقل المصريين والعبث بقدراتهما عبر العشرات من الوسائل والأدوات حولت مصر الدولة إلي كيان رخو في قدراته, وانحرفت بالوعي والضمير المصريين حتي وصلت إلي عمق السياسة والحكم وإلي مفاصل القرار السياسي في مصر.

والآن, وبعد الثورة, خاصة بعد العملية الإرهابية الأخيرة في رفح, فإننا نواجه تحديات شديدة الخطورة تتعلق بقيود وجود وبقاء جيشنا في سيناء بعد نجاحه, إن شاء الله في القضاء علي البؤر الإرهابية. فعندما يتعرض أمننا للخطر لن نكون في حاجة إلي استئذان أحد لنحرك جيشنا للدفاع عن هذا الأمن, وأي رجوع للجيش المصري عن البقاء في سيناء سيكون إعلانا صارخا بالتفريط ليس فقط في الأمن المصري بل وفي الثورة التي رفعت شعارات الحرية والعدالة والكرامة والسيادة الوطنية.

وإذا كان الإسرائيليون يعتبرون أن إدخال قوات مصرية إلي سيناء دون استئذانهم يعد انتهاكا لمعاهدة السلام, فمن حقنا أن نؤكد أن معاهدة السلام بشروطها وقيودها تعد انتهاكا ليس فقط للأمن المصري ولكن أيضا للسيادة الوطنية, ومن حقنا أن نؤكد أن الدعم الأمريكي بضمان التفوق العسكري النوعي الإسرائيلي المطلق علي مصر وكل العرب يعد تهديدا للأمن المصري يستوجب بقاء جيشنا علي حدودنا. ومن حقنا أن نؤكد أن التستر, بل والدعم, الأمريكي لتفرد إسرائيل بامتلاك أسلحة نووية يعد تهديدا خطيرا للأمن والمصالح الوطنية المصرية. وإذا كانت إسرائيل تعد لشن عدوان ضد المنشآت النووية الإيرانية السلمية خشية أن تتحول إلي عسكرية فإن ذلك يفرض علينا كمصريين أن يكون لنا وجودنا العسكري القوي داخل كل سيناء وعلي حدودنا مع الدولة الإسرائيلية وأن نعيد بناء جيشنا تسليحا وتدريبا بعيدا عن الهيمنة الأمريكية لمواجهة كل التحديات, لكن الأهم أن نمتلك إستراتيجية أمنية جديدة تكون قادرة علي احتواء وإفشال تلك السياسات الأربع التي استهدفت إسقاط مصر منذ اللحظات الأولي لانتصارات حرب أكتوبر المجيدة.