خبر نقاشات مسبقة لعواقب حرب محتملة تدفع السجال الداخلي في إسرائيل إلى حدود قصوى

الساعة 09:48 ص|27 أغسطس 2012

حلمي موسى

خلافاً لأغلب، إن لم يكن لكل حروب إسرائيل السابقة، احتدم السجال حول الحرب مع إيران طويلاً وامتد سنوات. وانعكس هذا الخلاف في المستويات السياسية والعسكرية والشعبية بشكل لم يسبق له مثيل دفعت الكثيرين لاعتبار كل خطوة حكومية ذات صلة بالأمر. فتأجيل الانتخابات المبكرة التي كانت شبه مقررة قبل حوالي ثلاثة شهور وإدخال حزب كديما للحكومة ثم انشقاقه عنها وبعد ذلك اجتذاب آفي ديختر لوزارة حماية الجبهة الخلفية، كلها وجدت تفسيرات في الاستعداد للحرب مع إيران. وأخيراً ظهر الخلاف على أشده بين الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في اللقاءات التي أجراها الأول مع القنوات التلفزيونية الإسرائيلية لتوضيح خطورة الانفراد بتوجيه ضربة عسكرية لإيران.

لقد سبق لإسرائيل أن خاضت نقاشات قبل حرب العام 1967 وظهرت على السطح أسئلة حول العلاقات بين مكونات الحكومة والمستويين السياسي والعسكري والموقف الشعبي. ولكن تلك النقاشات امتدت فترة أسابيع قليلة سرعان ما حسمت بوضوح الوجهة نحو الحرب إثر تشكيل حكومة وحدة وطنية وتعيين موشي ديان وزيراً للدفاع. وخاضت إسرائيل نقاشات حادة بعد حربي تشرين الأول العام 1973 ولبنان الاولى وحتى بعد لبنان الثانية. وإذا كانت نجاحات حرب 67 قد حالت دون إجراء نقاشات معمقة بعد الحرب واختفت حتى الإخفاقات الموضعية التي وقعت هنا وهناك، فإن النقاش بعد الحروب الثلاث الأخرى تركز حول الإخفاقات.

مرة كانت كلمة السر في النقاش حول إخفاق حرب 1973 هي «المفهوم» (كونسيبتسيا بالعبرية) والتقصير (محدال). فالمفهوم الذي صبّ المعلقون والساسة غضبهم عليه هو ذاك المتصل بالقناعة الرائجة في الاستخبارات العسكرية بأن مصر لن تبادر للحرب إلا إذا توفرت شروط محددة. ولكن مصر خاضت تلك الحرب من دون أن توفر بعض أو كل تلك الشروط الأمر الذي أحدث المفاجأة. وفي حرب لبنان الأولى ساد مفهوم التضليل في كل تحليل، حيث جرى اتهام وزير الدفاع في حينه، أرييل شارون بتضليل حكومة مناحيم بيغين وتوسيع أهداف الحرب مما أغرق إسرائيل في «الوحل اللبناني». ولكن النقاش حول حرب لبنان الثانية تجاوز كل ما سبق بالحديث صراحة عن الفشل والإخفاق. فالعدو كان صغيراً ومحدوداً، ولكنه مستعد للمواجهة فيما تصرف الجيش الإسرائيلي و«كأنه فيل في معرض زجاج» فلم يفلح في تحقيق أهدافه. وللمرة الأولى أيضاً يدخل إلى الذهن الإسرائيلي تعبير أن الجبهة الخلفية هي الجبهة الأساسية في نوع الحروب الجديدة.

ومن الجائز أن النقاش الداخلي الإسرائيلي حول الحرب المحتملة مع إيران يجمع بين كل أشكال النقاش السابقة ويذهب بها إلى أبعد مدى. فهو نقاش في «المفهوم» ونقاش في التضليل ونقاش في الإخفاق والأهم نقاش في استعدادات الجبهة الداخلية التي صارت «جبهة المواجهة» الحقيقية بفضل الصواريخ وأنواعها ومداياتها. ويضاف إلى كل ذلك نقاش ذو طبيعة استراتيجية يتعلق بالعلاقات مع الإدارة الأميركية التي باتت ركناً أساسياً من أركان الأمن القومي الإسرائيلي. وقد سمع الناس جميعاً المفاوضات الإعلامية التي دارت مؤخراً والتي بلغت ذروتها في كلام رئيس أركان الجيوش الأميركية الجنرال مارتين دمبسي. فقد أعلن دمبسي ما كان الإسرائيليون لا يطيقون سماعه وهو أن قدرتهم على ضرب إيران محدودة الأثر والمدى وبالتالي عليهم ترك إدارة المعركة لأميركا بدل محاولة جرها إليها. وكان أشد الكلمات قطعاً، إضافة إلى ذلك، تصريحه بأن أميركا غير ملزمة بالانضمام لإسرائيل في هذه المعركة، ويقصد إذا تعقدت ظروفها.

وبديهي أن كلمات دمبسي فضلاً عن تسريبات رسمية أميركية أخرى صدمت القيادة الإسرائيلية ودفعت الكثيرين من معارضي الهجوم المنفرد إلى رفع صوتهم من جديد. ووصل الحد بالرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز إلى اعتبار أن فعلاً منفرداً من هذا القبيل قد يكون انتحاراً قومياً لإسرائيل. أما كلام الآخرين فلم يكن أقل حدة، خصوصاً إذا أصغينا لكلام زعيم المعارضة شاؤول موفاز. وجميع هؤلاء رأوا أن مجرد الخلاف مع الإدارة الأميركية في قضية كهذه بالغة الأهمية لأمن ومستقبل إسرائيل يعرض ليس فقط أمنها القومي وإنما كذلك قدرتها الردعية للخطر.

ومن الجائز أن النقاش والسجال الداخلي في إسرائيل لن يتوقف اليوم بعد أن كثر الحديث عن قطيعة بين بيريز ونتنياهو. كما أنه لن يتوقف قبل أن تقول أميركا كلمتها في الانتخابات الرئاسية المقبلة في تشرين الثاني المقبل. وحينها قد يجد الجميع ما يتلهون به عن استحواذ المسألة الإيرانية على النقاش الداخلي الإسرائيلي. فالمشكلات التي تواجه إسرائيل اليوم كثيرة ومتعددة وبعضها لا يقل خطراً حتى عن امتلاك إيران لقنبلة نووية.

هناك من يرى أن المشاكل الاقتصادية المتوقعة قد تكون خطيرة العواقب وأن التلهي بالمسألة الإيرانية يقلص القدرة على مواجهتها بجدية. وهناك من يعتقد أن انشغال إسرائيل بكل الهموم الأخرى وإهمال الشأن الفلسطيني يغرس قنبلة موقوتة سرعان ما ستنفجر لتشكل الخطر الأكبر في ظل غياب أي أفق لحل سياسي. وهناك من يعتقد أن تنامي الفاشية والعنصرية في إسرائيل يحول دون إمكانية توفير المناخ المناسب لاستمرار تطور إسرائيل نحو ضمان مستقبلها.

وبين كل هؤلاء وأولئك هناك من يرى أن الخطر الأكبر لإسرائيل يتمثل في تنامي الاعتقاد بأن إسرائيل قوة عظمى تستطيع أن تفعل في العالم ما تريد باسم أمنها القومي. ويشدّد هؤلاء على وجوب أن تدرك إسرائيل أنها ورغم تميّزها في عدد من الميادين إلا أنها دولة صغيرة تحتاج إلى كثير من الرعاية والشرعية الدولية.