خبر حماس في حالة انتظار .. معاريف

الساعة 09:14 ص|24 أغسطس 2012


بقلم: عوفر شيلح

(المضمون: في نظرة الى البعيد، يرى الجيش ان المسألة الفلسطينية هي التي ستقرر مصيرنا أكثر بكثير من ايران. الوضع غير مستقر، واذا لم يطرأ تغيير، كما يقول الجيش، فان انفجارا اضافيا في المناطق هو مسألة وقت - المصدر).

عندما نشرت هذا الاسبوع رسالة وزير الخارجية افيغدور ليبرمان الى أعضاء الرباعية، والتي يحثهم فيها على تحديد موعد للانتخابات في السلطة الفلسطينية ويهاجموا الرئيس محمود عباس، لا بد أن غير قليل من الاسرائيليين احتاجوا الى بضع ثوان كي يتذكروا عما يدور الحديث. فلسطينيون؟ "عائق للسلام" (احد الالقاب التي الصقها ليبرمان بعباس)؟ ذكرونا من أين تبدو لنا هذه الكلمات معروفة.

سنة تكاد مرت منذ أن تظاهر احد ما بان النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني يهمه حقا. منذ "التسونامي السياسي" الذي لم يكن، يخيل أن الجميع سلم بالواقع: لا مسيرة. "البناء من أسفل" و "السلام الاقتصادي" هما اسمان حركيان لرفع الايدي عن كل خطوة نحو حل سياسي، الذي قلائل من الطرفين لا يزالون يؤمنون به. بالنسبة للاسرائيليين المقياس الوحيد هو العمليات، وهذه تمنع بفضل سيطرة الجيش والمخابرات الاسرائيلية على الارض، والتنسيق مع القوات في السلطة بقيادة عباس. ويقيس الفلسطينيون الوضع بالبناء في المستوطنات، وهذا يتقدم على نحو جميل، حسن أنكم سألتم. "هذا الصراع حسم"، قال ليس رئيس مجلس "يشع" للمستوطنين داني ديان، الرجل الحذر بشكل عام، قبل نحو سنة. مشكوك أن يكون هناك من سيجادله.

على هذه الخلفية بالذات، أهم أكثر سماع ما قاله مؤخرا ضابط كبير جدا في الجيش الاسرائيلي في حديث مغلق. "الكل ينشغل بايران، ولكن في النظرة الى البعيد، المسألة الفلسطينية هي التي ستقرر مصيرنا اكثر بكثير منها. والوضع ليس مستقرا، ولا يسير في اتجاه جيد. اذا لم يطرأ تغيير، فان انفجارا آخر هو مسألة وقت".

السلطة تتعب، يقولون في الجيش الاسرائيلي. في المستويات الدنيا، العمل المشترك مستمر. المصلحة المشتركة قبالة حماس موجودة، ولا مؤشر على أن ابو مازن وسلام فياض يتراجعان عن معارضتهما المبدئية للكفاح المسلح. ولكن كلما ابتعد الامل الفلسطيني في انجاز سياسي، وبالمقابل تفاقم الوضع الاقتصادي، فان المصلحة المشتركة تتآكل والضغط من الاسفل يأخذ في التعزز. في هذا الاتجاه، في النهاية إما أن تتفكك السلطة أو أن يكون انفجار، ربما لا يبدأ بنفس الطريقة مثلما حصل في ايلول – تشرين أول 2000، ولكن قد يتدهور الى ذات المكان.

المستقبل لحماس

على نحو طبيعي، الازمة الاقتصادية في العالم وفي اسرائيل تؤثر على السلطة بشكل قاس على نحو خاص، بسبب حجمها وقلة مصادر دخلها الذاتي. في الشهر الماضي بكرت اسرائيل في تحويل الاموال الى السلطة، وذلك للسماح بدفع الرواتب في رمضان؛ ولكن حتى هكذا أيضا حصل الموظفون على نصف الراتب فقط.

ولكن السخاء الاسرائيلي محفوظ أساسا للبادرات الطيبة، التي حتى وان كانت تخفف قليلا من الضغط الاقتصادي، فان لها طعما مرافقا للخبز الصدقة. في امور اخرى اسرائيل بخيلة أكثر بكثير. فمثلا، اوصى الجيش الاسرائيلي بزيادة عدد العمال الفلسطينيين الذي يحصلون على تصاريح عمل في اسرائيل، والقيادة السياسية استجابت جزئيا: عدد التصاريح ازداد بـخمس الان، اقل مما طلب مكتب منسق الاعمال في المناطق.

واليد تصبح أكثر بخلا حين يدور الحديث عن امور يفترض أن تساعد الاقتصاد الفلسطيني في تنمية قواه بنفسه، الحل الحقيقي في نهاية المطاف، وهكذا تواصل اسرائيل وضع المصاعب في كل حالة تتعلق باستخدام فلسطيني للمناطق ج، التي تبتر الارض التي تحت السيطرة الرسمية للسلطة. وها هو مثال على ذلك: الى مدينة روابي، التي تبنى شمالي رام الله، يؤدي طريق طويل وملتوٍ، في حالات عديدة لا يمكن أن تمر فيه أكثر من شاحنة واحدة. قبل سنة ونصف تجولنا هناك، رفيق دروكر وأنا، مع المستثمر الذي يبني المدينة، رجل الاعمال بشار المصري. وقد ارانا خطا قصيرا وأكثر راحة بكثير، كفيل بان يجعل العمل أكثر نجاعة بعدة أضعاف – ولكن نحو كيلو متر منه يمر في المنطقة ج. حتى اليوم لم يقر شق طريق وصول بديل الى موقع البناء.

لا غرو أن السلطة تضغط وتتآكل، فيما ان حماس تتعزز – في القلوب، ان لم يكن بقوة سياسية يمكن تحقيقها في هذه اللحظة. في الجيش الاسرائيلي يقولون أن حماس بالذات هي التي تسعى الى منع عقد الانتخابات، التي كان يفترض أن تتم منذ زمن بعيد. ولكن عند الانصات الى الميدان، يقول الضابط الكبير، نسمع من حماس صوتا واثقا جدا: هناك أيضا، على سبيل الفرق، يدعون بان القصة حسمت. المستقبل الفلسطيني هو لهم.

دولة، اثنتان، من يهمه الامر

لتجسيد الميل، هناك حاجة فقط الى الاطلاع على الاستطلاع الاخير لمعهد البحوث برئاسة البروفيسور خليل الشقاقي في رام الله، والذي يوفر منذ سنوات صورة موثوقة عن الامزجة في الشارع الفلسطيني. فاستطلاع اجري في حزيران الماضي يظهر صعودا واضحا في قوة حماس في الرأي العام. والاسباب هي خارجية وداخلية على حد سواء. فالسلطة تعتبر ضعيفة، فاسدة وتقمع حرية الفرد – 34 في المائة من المستطلعين قالوا انه توجد حرية صحافة في القطاع، مقابل 21 في المائة قالوا انه توجد حرية كهذه في الضفة، نتيجة اعتقال صحفيين واغلاق مواقع انترنت على ايدي السلطة. مزيد من الاشخاص في الضفة اعربوا عن غضبهم من شروط معيشتهم مما اعربوا عن غضب مشابه في غزة، والرضى من حكومة هنية في غزة مشابه (38 في المائة مقابل 36 في المائة) للعلامة التي حصل عليها سلام فياض في الضفة. الوضع الاقتصادي قد يكون مختلفا جوهريا، ولكن يتبين انه مجرد بند واحد في ما يدفع الناس الى تأييد الحكم القائم.

على المستوى الشخصي، مع أن ابو مازن يحظى بعلامة تقدير أعلى بكثير من فياض على ادائه (49 في المائة ايجابي)، النتائج حين يكون السؤال يتعلق بالتفضيل الشخصي اقرب من اي وقت مضى: في الانتخابات للرئاسة رأس برأس، ابو مازن يفوز على هنية بمعدل 49 مقابل 44 في المائة فقط. السجين مروان البرغوثي، بالمناسبة، يهزم رئيس وزراء حماس بمعدل 60 مقابل 34 في المائة ويفوز بلا شروط حتى في انتخابات ثلاثية. الشعب، كما يتضح بجلاء من استطلاع الشقاقي، ليس مع حماس، بل خائب الامل من السلطة القائمة.

كما أنه لم يعد يؤمن بحل الدولتين للشعبين. في هذا الشأن، المزاج الاسرائيلي والفلسطيني هما صورتا مرآة: حتى في ذروة الانتفاضة الثانية، فان اغلبية متماسكة عندنا وعندهم لا تزال تؤمن بان الحل الوحيد هو صيغة كلينتون، وان كان الايمان في أنها كفيلة بان تتحقق قريبا متدنٍ. الان، عندنا (كما يبدو في استطلاع "معاريف" في رأس السنة العبرية الماضي) وعندهم، اليأس من تحقق التسوية المحتملة الوحيدة يؤدي الى الغاء الايمان بها على الاطلاق.

في استطلاع الشقاقي يتوزع التأييد والمعارضة لتسوية الدولتين للشعبين بمعدلات متساوية بالضبط (49 في المائة مع، 49 في المائة ضد)، بينما 55 في المائة يعتقدون بانه لم يعد ممكنا بسبب المستوطنات وموقف اسرائيل. وبشكل مثير للاهتمام، فان 65 في المائة يعارضون حل الدولة الواحدة: التفكير بالحل حل محله اليأس.

فلتتعرفوا، ذئب

لا يمكن أن نعرف كيف سيحصل هذا، يقول ضابط كبير آخر. هذه ليست أيام عرفات، حين كانت اليد تتحكم، حتى وان كانوا في اسرائيل عزوا لها تحكما أكبر مما كان لها في بداية الانتفاضة الثانية. رجال الجيل الوسط ايضا، نشطاء مثل البرغوثي أو حسين الشيخ، ثورتهم ضد جمود السلطة تحت عرفات كانت عنصرا هاما في اندلاع الانتفاضة الثانية، لم يعودوا شبانا أو مؤثرين بقدر كبير.

ولكن هذا يمكن أن يبدأ مثلا، في تفكك القانون والنظام، وهذا بالتأكيد يمكن أن يبدأ باعمال ارهابية يهودية مثل احراق المساجد أو اعمال اطلاق نار في الطرقات. وبالمناسبة، فان مفعول الاوامر الادارية، التي بقوتها ابعد عن الضفة بعض النشطاء بارزين يوشك على الانتهاء قريبا. ويتبين أننا أبعدنا عن النشاط الاشخاص الصحيحين، كما يقول الضابط، ولكن اذا عادوا فان هذا قد يتجدد.

كما ان الشكل الذي سيرتديه التدهور ليس معروفا. الوضع الامني لا يشبه الوضع في العام 2000. الجيش والمخابرات الاسرائيلية يواصلون السيطرة على الارض وكاسحات الاعتقالات والمنع تواصل العمل. ولكن الميل الحالي واضح، ولا يبدو أن احدا يقف في وجهه.

الوزير بوغي يعلون، بصفته عضوا في القيادة السياسية لا بد أنه يسمع هذه الاصوات من الجيش، لا يتأثر. واضح أن الوضع الحالي غير مستقر، يقول، ولكن كقول ملموس لا يوجد للزعم باننا نوشك على التدهور أي أساس. نحن نفعل امورا كي نخفف من الضغط الاقتصادي، ولعلنا سنفعل المزيد. الفلسطينيون قد يعودون الى المسار الدبلوماسي، هذه المرة الى الجمعية العمومية للامم المتحدة، وليس الى مجلس الامن، ولكنهم سيؤجلون التصويت الى ما بعد الانتخابات في الولايات المتحدة. أملهم، يقول يعلون، هو أن تكون ادارة اوباما الثانية اكثر حزما تجاه اسرائيل.

هذه الصورة هي موجز تاريخ السنوات الاخيرة: ضباط الجيش، الذين يعيشون الحياة اليومية، يطرحون الاسئلة الى اين يسير كل هذا، والقيادة السياسية، التي لا تشعر باي ضغط خارجي أو داخلي للعمل، لا تقبل قلقهم. كلهم يتطلعون الى واشنطن، هناك يجلس الرجل الذي يفترض أن ينقذنا واياهم من أنفسنا. الكثير من المرات كنا في مثل هذا الفيلم، الكثير من المرات سمعنا نداءات "ذئب"، بحيث أنه يطرح السؤال كيف سنتعرف على الذئب حين يأتي.