خبر لا يخادعون بل يقامرون.. يديعوت

الساعة 09:02 ص|24 أغسطس 2012

بقلم: ناحوم برنياع

(المضمون: يرفض رئيس هيئة الاركان الاسرائيلي بني غانتس هجمات وزير الدفاع عليه وعلى رفاقه في القيادة العليا والتشكيك في طهارة بواعثهم - المصدر).

ان رئيس هيئة الاركان بني غانتس شخص حذر، فهو غير معني بمشاجرة المستوى السياسي فوقه ولا رئيس الوزراء ولا وزير الدفاع. فهم في جهاز الامن ما زالوا يلعقون جراح الحرب المدمرة التي نشبت بين غابي اشكنازي واهود باراك، هم ومكاتبهم. ونشك في ان يكون أحد ما هناك يشتهي حربا اخرى، وبرغم ذلك خلص غانتس الى استنتاج انه ما عاد يستطيع ضبط نفسه.

في منتدى واسع لضباط انعقد في الفترة الاخيرة رفض الهجمات الاخيرة المباشرة والتعريضية، على طهارة بواعث المستوى المختص. وفهم باراك الذي كان حاضرا هناك انه يجب عليه ان يُصلح، فهو يبذل في الايام الاخيرة جهدا لمصالحة القيادة العليا للجيش الاسرائيلي. وهو يُكثر الثناء على عمل الضباط وجديتهم ومهنيتهم، وفي نقاشات داخلية (تم نقاش كهذا أمس ايضا) يبذل باراك أقصى ما يستطيع لازالة التوتر.

ما يزال الهجوم الاسرائيلي على ايران يترجح بين عمل خداع تعقد وبين عملية عسكرية لم تنضج بعد، لكن أضرارها أصبحت مُشاهدة. ويتعلق أحدها بمعاملة المستوى السياسي لمرؤوسيه.

بذل نتنياهو وباراك جهودا لاقناع المستوى المختص بعدالة العملية فلم ينجحا. فمعارضة عملية حربية مكشوفة في الزمن القريب شاملة، تشمل مسؤولين كبارا في الملابس العسكرية ومسؤولين كبارا ايضا بغير الملابس العسكرية، وهي تضع أمام رئيس الوزراء ووزير الدفاع حاجزا سيصعب عليهما جدا اجتيازه.

في اسرائيل يشارك المستوى المختص مشاركة فاعلة كاملة في مسار اتخاذ القرارات. فهذه هي قواعد اللعب وهذا هو التراث. والقضايا التي تنجم مرة كل بضع سنين هي في حكم الشاذ. وفي الحاصل نجح هذا المزيج وما زال ينجح بصورة غير سيئة. فتأييد الجنرالات يمنح كل قرار درعا اختصاصية. ومعارضتهم تكون رادعا. وحينما تكون المعارضة موحدة وحازمة فانها تضع أمام المستوى السياسي سقفا عاليا جدا في اليوم السابق وفي اليوم اللاحق ايضا، وكلما كانت ثقة الجمهور بالمستوى السياسي أقل احتاج الى تأييد المستوى المختص أكثر.

حاول نتنياهو وباراك بازاء المعارضة، وكل واحد منهما باسلوبه، ان يضعا المعارضين في اماكنهم. ويمكن ان نضرب مثالا برد نتنياهو على الكلام الذي قاله الرئيس بيرس معارضا العملية. كان نتنياهو يستطيع الاكتفاء بتحفظ ضعيف من نوع التحفظات التي تصدر عنه ردا على الاضرار السياسية التي يسببها بين الفينة والاخرى (في هذا الاسبوع ايضا) وزير خارجيته، افيغدور ليبرمان.

واختار نتنياهو طريقة اخرى فصب على رأس بيرس ألف الاسرائيلي الذين قُتلوا في الحوادث الارهابية منذ كانت اوسلو وزاد عليهم من هنا وهناك. وكانت هذه طريقته ليُبين لوزراء حكومته أنه لا توجد منطقة وسطى: فمن يتجرأ على التفكير في عدالة العملية فسيُضم بأثر رجعي الى اتفاق اوسلو؛ وهو مقضي علي في الليكود.

وهكذا ايضا كان التوجه العنيف نحو كبار مسؤولي جهاز الامن وهو أنك اذا لم تستطع اقناعهم فاجعلهم أقزاما. وقد اتهمهم نتنياهو بتغطية المؤخرة. وتحدث باراك عن أنهم في اللاوعي منهم يأخذون في الحسبان حقيقة ان القيادة العليا قد بُدلت بعد جميع الحروب الاخيرة، فهم يخشون على مستقبلهم.

يرى باراك ان هذا تشخيص نفسي فقط، ويراه الجنرالات في هيئة القيادة العامة إهانة لاذعة لأنهم لو فكروا في حياتهم المهنية لا في مصلحة الدولة لوجب عليهم ان يسلكوا سلوكا عكسيا بأن يقولوا آمين على كل كلمة للمسؤولين عنهم ويأملوا ترفيع رتبهم، وهم يعارضون عملية الآن لا عن خشية على أنفسهم بل عن قلق على الدولة.

من المهم ان نفهم انه اذا كان الحديث عن خدعة فان نتنياهو وباراك فقط يعلمان ان الحديث عن خدعة، وربما يعلم ذلك واحد منهما فقط اذا كان يصدق مع نفسه فقط. أما اولئك الذين يُسمون "شركاء في السر" – وزراء التُساعية وقادة الجهاز الامني – فلم يُشركوا في هذا السر. ان الموارد التي أُنفقت على الاعداد لعملية قد أُنفقت بفرض ان الحديث عن عمل حقيقي. وأمامنا في ظاهر الامر واحدة من أبهظ الخُدع كلفة في التاريخ.

قال أمس مارتن اينديك في مقابلة صحفية مع اذاعة الجيش الاسرائيلي: "أصبحوا في الادارة على ثقة من أنهما يخادعان. فقد صاحا مرات كثيرة قائلين "ذئب، ذئب" ". وأنا أختار مصطلحا آخر فأقول انهما يقامران. يبدو ان نتنياهو لم يعزم الى الآن على ما يريده حقا وهو ان يُسجل اسمه في التاريخ بأنه هاجم ايران أو فرض ارادته على اوباما أو أحرج اوباما أو اتهم خصومه الساسة باحباط عملية كانت ستنقذ شعب اسرائيل.

يضاف التوتر في البرج في الكرياه الى اضرار اخرى أعظم. فقد بدأت ادارة اوباما تُبدي نفاد صبر بازاء الأنباء عن تهديدات حرب من اسرائيل. يقول مصدر امريكي: "هذا مجنون. وقد اختلت عقولهم".

ينظر قادة الجهاز الامني هناك بتفهم كبير الى مخاوف اسرائيل من ايران الذرية، لكن يصعب عليهم ان يفهموا ما الذي تريده اسرائيل، وقد أعطى الرئيس اوباما اسرائيل كل ما يستطيع ان يعطيها الآن، ولن يقدم تصريح آخر ولن يؤخر.

كان يمكن توقع ان يبذل رئيس حكومة اسرائيل كل ما يستطيع قبل قرار يراه مصيريا جدا، لتوسيع ثقة الجمهور به، فهذا هو وقت ان يكون رئيس حكومة للجميع. لكن نتنياهو يجعل الجدل قضية بين اليسار واليمين، عن اختياره. ان آيات الله لا يُفرقون بين الاسرائيليين وهم يريدون محو الجميع، أما نتنياهو فيُفرق بينهم.

تسمع حكومات اجنبية عن ان رئيس حكومة اسرائيل يرسل رئيس مجلس الامن القومي عنده الى الحاخام عوفاديا ابن التسعين كي يوضح له الفائدة بازاء الخسارة في قصف المفاعلات الذرية. وهم في العالم يعلمون ان كبار أصحاب القرار في ايران هم الفقهاء. فهل الوضع كذلك في اسرائيل ايضا؟.

بعد ذلك يتوجه ايلي يشاي كي يرشد الحاخام شتاينمن ابن الثامنة والتسعين في الشأن نفسه. فهل سيصدر الحاخام شتاينمن الامر العسكري الى طياري سلاح الجو؟ يتحدثون من جهة عن محرقة ومن جهة اخرى يمثلون في كوميديا مسرحية.

يقول الحاخام حاييم أمسيلم الذي كان في الماضي من شاس ان الامر سينتهي كما انتهى دائما: فسيعد نتنياهو بعدم تحقيق أوامر التجنيد، ويُقدم شتاينيتس بضعة ملايين اخرى، وتحصل العملية في ايران على احلال المحكمة الشرعية العليا، لأنه لا يخطر بالبال ان يضيع الحريديون زمنهم في الجيش بدل الصلاة ونحن محتاجون الى رحمة السماء.