خبر الاعلام لا يخاف مرسي.. هآرتس

الساعة 09:01 ص|24 أغسطس 2012

بقلم: تسفي برئيل

(المضمون: ومع أنه يمكن للحكومة المصرية ان تشوش على البث، او "تطفىء" الانترنت الا انها مرة اخرى ستجد امامها ميدان التحرير العاصف. فوسائل الاعلام الجديدة ترى نفسها كمن أحدثت الثورة ولن تسمح بحبسها مرة اخرى – المصدر).

"مرسي يكافح حرية الصحافة"، "مرسي سيجعل الصحافة فرعا للاخوان المسلمين"، "مرسي يغلق الصحف"، هتفت العناوين الرئيسة للصحف في أعقاب الاعمال الاخيرة لمحمد مرسي في مجال الاعلام. وقد جاءت هذه في أعقاب تعليمات النائب العام باغلاق محطة "الفراعنة" التلفزيونية، بعد أن تحدث مديرها، توفيق عكاشة بشكل يمكن تفسيره كتحريض على قتل الرئيس حديث العهد. فضلا عن ذلك، أمر النائب العام ايضا بمصادرة نسخ صحيفة "الدستور" بسبب ما وصف كإهانة الرئيس ويقدم محرر الصحيفة، اسلام عفيفي، الى المحاكمة الان. كما أن صحيفة "الشعب" الاسلامية شعرت بوقع ذراع الرئيس المنتخب، بعد أن تقرر مصادرة أعدادها في أعقاب اقوال مشابهة كتبت عن الرئيس. الخطوات الاولى لمرسي لا تبشر بالخير.

التعيين العاجل لـ 53 محرر جديد للصحف الحكومية، أثار عاصفة وانتقادا شديدا سواء في أوساط رابطة الصحفيين شديدة القوة، أم في صفوف المعارضة في البرلمان وخارجه.

قوانين النظام السابق تتضمن الرقابة الشديدة، حبس الصحفيين، فرض غرامات بل واغلاق وسائل اعلام. اما أمس بينما كان عفيفي يقوم بآخر استعدادته للدخول الى المعتقل، نشر مرسي قانونا جديدا يمنع اعتقال الصحفيين على مخالفات النشر. اضافة الى ذلك، أعلن بان في نيته الافراج عن عفيفي من المعتقل بأمر رئاسي. كما اعلن بان في نيته الغاء المادة في قانون الصحافة الذي سمح باعتقال الصحفيين اذا ما اهانوا أو شتموا الرئيس.

في هذا الجانب، فان الصراع على التحكم في وسائل الاعلام والجدال على قدرة مرسي على تقييدها أكثر تعقيدا، ومرسي يخشى من ردود فعل الجمهور – هذه التي تجد تعبيرها في ميدان التحرير، ولكن ايضا ردود الفعل التي تبرز الان في وسائل الاعلام الجديدة، غير المؤطرة والموجهة.

"كمواطن أدفع الضرائب، أتساءل لماذا يتعين علي ان أمول الصحف الحكومية التي لا يقرأها أحد – باستثناء محرريها وموظفي الحكومة الذين يتلقونها بالمجان – والتي فشلت اقتصاديا؟" كتب على صفحته على الفيس بوك وائل غنيم، الذي توج بزعيم الانترنت للثورة في مصر. "لماذا مفروض علي، كمواطن في الدولة التي يعاني الكثير من مواطنيها من الجوع، ان امول بمليارات الجنيهات المصرية لسنة ارادة الحكومة توجيه المواطنين عبر وسائلها الاعلامية؟ توجيه يخدم من يوجد على راس هرم السلطة التنفيذية؟" غنيم، الشاب، المثقف ورجال التكنولوجيا العليا الناجح، وان كان أصبح شهير الثورة، الا أنه لم يكن طليعة الثورة على الانترنت. شباب مصر اكتشفوا قوة الشبكة عندما بادروا الى الاضراب الكبير في 6 ابريل 2008، الموعد الذي على اسمه تسمى حركة شبابية ثورة.

ولكن يختلف الكثيرون مع ادعاء غنيم في أن "احدا لا يقرأ الصحف الحكومية". فالباحثة المصرية اليزابيت اسكندر تقول ان نتائج الاستطلاع الشعبي على الدستور تدل على أن الاراء التي سيطرت على الفيس بوك لم تمثل أغلبية الجمهور المصري. كما أن استطلاع غالوب يوضح ان فقط 8 في المائة من السكان تلقوا معلوماتهم عن المظاهرات في كانون الثاني 2011 وعبر الفيس بوك والتويتر وان نحو 81 في المائة تلقوا المعلومات عبر محطات التلفزيون الحكومية أو من قراءة الصحف. ليس أقل من 59 في المائة من المستطلعين قالوا انهم يصدقون وسائل الاعلام الحكومية.

فضلا عن مسألة تأثير الشبكة على الثور، يثير في مصر جدال شديد حول مكانة الصحف الحكومية. ولا يتعلق الجدال فقط بمسألة اذا كان لا يزال في الدولة الديمقراطية دور لهذه الصحافة، فانه يتناول الشكل الذي يعتزم فيه الاخوان المسلمون بشكل عام والرئيس محمد مرسي بشكل خاص تطبيق الديمقراطية الجديدة.

ظاهرا، يعد تعيين محررين جدد لـ 53 صحيفة ومجلة حكومية جزءً من حملة سيطرة. ولكن رغم الانتقاد يبدو أن العديد من الصحفيين الكبار، بمن فيهم اولئك الذين خدموا باخلاص نظام مبارك وانتقدوا بشدة الاخوان المسلمين  لا توجد لديهم أي مشكلة في أن يتولوا المناصب في النظام الجديد. وقبل اربع سنوات فقط نشرت فاطمة سيد أحمد – التي كانت حتى وقت أخير مضى نائبة المحرر والمحللة العسكرية لصحيفة "روز اليوسف" الحكومية – كتابا بعنوان "ماذا سيحصل اذا سيطر الاخوان في مصر؟". ورسمت في الكتاب صورة قاتمة تعرض مصر كدولة لا تطبق الاتفاقات الدولية، وبصفتها هذه تكون معزولة ومنبوذة مثل حماس، حزب الله وايران. ولكن عندما نشرت قبل بضعة اشهر لجنة التفتيش لمجلس الشورى (المجلس الاعلى في البرلمان)، المسؤولة ايضا عن تعيين المحررين في الصحف الحكومية، دعوة للصحفيين لطرح ترشيحهم الى مناصب المحررين، سارعت سيد أحمد ايضا الى تعبئة الطلب. كمحرر "روز اليوسف" انتخب في نهاية المطاف الصحفي القديم ونائب المحرر، جمال طايع، الذي عمل في الصحيفة منذ عهد مبارك. وردا على ذلك، قررت سيد أحمد – التي هي مقتنعة بان رفض ترشيحها جاء بسبب كونها إمرأة وبسبب الكتاب الذي كتبته – الشروع في اضراب عن الطعام في مكتب رئيس رابطة الصحفيين مطالبة بطلب مثير للاهتمام: إما ان يعطوني منصب محررة الصحيفة الذي استحقه، أو يعطوني ان أكتب عامودا دائما ومكتبا خاصا بي". وفي هذه الاثناء تضطر الى مواصلة احتجاجها. ويشار الى أن "روز اليوسف" حتى تحت مسؤولية المحرر الجديد، تواصل انتقاد الحكومة الجديدة وتنشر بلغة حادة اخفاقاتها.

وهكذا، وخلافا لعهد مبارك، يجد نفسه الان المدعي العام امام "وقاحة صحفية" جديدة. احد نماذج ذلك هو ملف الدعوى ضد عفيفي، سارع رئيس رابطة الصحفيين، ممدوح الوالي، الى الاستئناف. وعلى حد قوله، حسب القانون، فان المدعي العام ملزم بتبليغ رئيس رابطة الصحفيين بكل تحقيق وكل اشتباه يجري ضد صحفي مسجل، على أن يتواجد في التحقيق نفسه مندوب عن رابطة الصحفيين. ولما كان المدعي العام لم يكلف نفسه عناء تبليغ رابطة الصحفيين، فان الوالي يطالب بالغاء الدعوى. ولكن الادعاءات ضد وسائل الاعلام لا تنحصر بالسلطة المصرية. معارضو مرسي والاخوان لا يوفرون الانتقاد عن الصحف "السائبة التي تسيء لسمعة المهنة". وهكذا مثلا نشر الصحفي الهام حمدي قنديل مقالا لاذعا وصف فيه قناة الفراعنة التلفزيوني التي اغلقت بانها "مزبلة كان يجب أن تغلق منذ زمن بعيد" وهو ينتقد الصحفيين الذين لا ينجحون في التحكم في نوازعهم. قنديل ليس رجل الاخوان المسلمين وليس مؤيدا لهم. وكان في الماضي اضطر الى الهرب من مصر من رعب النظام الذي انتقده وبدأ ينتقد ايضا الاخوان.

ثني الايادي هذا وان كان يحظى بتغطية اعلامية واسعة، ولكن مرسي يمكنه في هذه الاثناء أن "يوجه" الصحف الحكومية فقط. في المستقبل القريب سيتعين عليه ايضا أن يقرر اذا كان وكيف سيمول هذا الفيل الابيض، الذي هذه السنة فقط خسر 500 مليون جنيه مصري (نحو 80 مليون دولار) وغارق في الديون بأكثر من 10 مليار جنيه. في الاسبوع الماضي اقترح الناطق بلسان الاخوان المسلمين، محمد غزلان، تحويل الصحف الحكومية الى شركات قابضة تبيع الاسهم للعاملين وللجمهور، فتتحول الى وسائل اعلام جماهيرية وليس حكومية. اذا ما طبقت الخطة، فستتقلص أكثر فأكثر السيطرة المباشرة للحكومة على هذه الصحف.

الصحف الخاصة، مثل "المصري اليوم" التي بملكية رجال الاعمال المسيحي نجيب سواريس، او الصحيفة الجديدة "الوطن" بملكة رجال الاعمال محمد الامين – الذي يسيطر أيضا على 14 محطة تلفزيونية – ومثلها عشرات المنشورات الاخرى التي قام معظمها قبل الثورة، لا يذعرون من اشارات الحكومة. وهم يواصلون شد حدود حرية التعبير. لجميعهم (مثل الصحف الحكومية ايضا) توجد مواقع انترنت متطورة وسريعة يمكن أن تقرأ فيها الاعداد التي صادرتها الشرطة. اذا سعى مرسي الى مكافحة حرية التعبير، فلا بد أن يكون هناك من يعرض عليه المضامين المخيفة التي تظهر في المحطات الدينية. وهكذا مثلا في أحد برامج المقابلات في محطة "الحافظ" الدينية هاجم أحد الضيوف، الداعية الدينية، الممثلة الهام شاهين في أن مساهمتها في الثقافة والفن كانت مجرد التعرية، الفظاظة والتسيب "مع كل رجل نمتِ بإسم الفن؟"، سأل الداعية. قبل شهرين من ذلك منح مرسي ذات المحطة مقابلة واسعة.

اذا اضطرت وسائل الاعلام التقليدية، الصحف والمحطات التلفزيونية، الى التمسك بالقوانين القديمة، الى أن تتغير مع صياغة الدستور الجديد، فان وسائل الاعلام الجديدة، رغم محدودية الوصول اليها، هي تحدٍ اشد بكثير للحكومة. وحسب التقديرات الحذرة فقد ارتفع عدد حسابات الفيس بوك في مصر في السنوات الاخيرة من نحو 7 مليون الى أكثر من 9.5 مليون. معدل انتشار الهواتف الخلوية، التي تستخدم كوسيلة ممتازة لنقل الرسائل من كل نوع ولا تحتاج الى معرفة تكنولوجية أو معرفة القراءة والكتابة المتطورة، اكبر بكثير من عدد سكان مصر.

ومع أنه يمكن للحكومة المصرية ان تشوش على البث، او "تطفىء" الانترنت الا انها مرة اخرى ستجد امامها ميدان التحرير العاصف. ومع أن للاجهزة صلاحيات قانونية واسعة وقدرات للمس بوسائل الاعلام التي خلفها لها مبارك، الا أن هذه وسائل اعلام جديدة ترى نفسها أحدثت الثورة ولن تسمح بحبسها مرة اخرى.