خبر حملة سيناء -هآرتس

الساعة 08:23 ص|23 أغسطس 2012

بقلم: تسفي برئيل

(المضمون: الاعتراف بان الدبابات، المروحيات وكتائب المشاة التي تعمل الان في سيناء لا يمكنها وحدها أن تصفي مشكلة الارهاب دون تعاون حقيقي من جانب السكان البدو، كفيل بان يحدث الثورة اللازمة لاعادة سيناء الى مصر من أيدي منظمات الارهاب – المصدر).

"ظلمنا سيناء، أهملنا تطويرها"، قال وزير الدفاع المصري الجديد، عبدالفتاح السيسي، عندما التقى هذا الاسبوع برؤساء القبائل البدوية في سيناء، وذكر سكان المكان بأقوال مشابهة سمعوها في الماضي، من أعلى ممثلي مبارك ومن معظم المرشحين في الانتخابات للرئاسة بعد الثورة. اتفاقات التعاون سبق أن وقعت في الماضي، وكذا صدرت الوعود الحكومية لاحداث تنمية اقتصادية. ولكن رغم ذلك، لم تعاد للبدو في سيناء بعد الاراضي التي استولت عليها الدولة لغرض اقامة انبوب الغاز ومنشآت النهل. ولم يتلقوا التعويض ايضا.

ولكن يحتمل أن الان، بعد صعود الاخوان المسلمين الى الحكم، ولا سيما على خلفية العملية قرب رفح والتي قتل فيها 16 ضابطا مصريا، فان شيئا ما سيتغير. حكومة الرئيس محمد مرسي ستحاول الاثبات بان سياسة اقتصادية في سيناء هي وسيلة لا تقل نجاعة عن الدبابات والمروحيات لحل الخطر الاستراتيجي الذي يقف في بوابة مصر. "نحن ضد من يرفع السلاح كي يخيف المواطنين"، اضاف السيسي في اللقاء. "نحن سنقطع يد كل من يهدد بالسلاح. لن نسمح لسيناء بان تتحول الى أرض خصبة للارهاب". وطلب الوزير الجديد من رؤساء القبائل التبليغ عن كل حركة مشبوهة او نشاط معادٍ، وتحذير عائلاتهم من مغبة المشاركة في أعمال الارهاب.

ولكن ليس فقط خطط أمنية جديدة على طاولة مرسي. فحسب التصريحات الاخيرة تخطط الحكومة المصرية لثورة حقيقية في أراضي شبه الجزيرة – حيث يعيش نحو 400 الف بدوي – في السنوات القريبة القادمة. هكذا في مجال الزراعة، ترغب الحكومة الجديدة في تهيئة نحو 4 مليون دونم للفلاحة الزراعية في السنوات الخمسة القادمة، حيث سيتم في المرحلة الاولى تهيئة نحو مليون دونم في شمالي سيناء، في منطقة العريش، رفح والشيخ زويد. وحسب وزير الزراعة وتهيئة الارض، د. صلاح عبد المؤمن، ثمة خطة ايضا لاراضي غير مناسبة للفلاحة – وتوجد منذ الان اتفاقات جاهزة للتوقيع مع مستثمرين خاصين وشركات ستقيم مشاريع انتاج الغذاء، باستثمار 12 مليار جنيه مصري (نحو 2 مليار دولار) وستدخل هذه الاتفاقات حيز التنفيذ بعد أن تهيء الحكومة البنية التحتية. وفصل عبدالمؤمن ايضا بانه قريبا سيصدر عطاء لبيع 320 الف دونم لمواطنين خاصين حيث ستكون الاولوية للبدو الذين سيحصلون على الارض باسعار مخفضة وبقروض للمدى الطويل. كما يمكن لخريجي الجامعات ان يحصلوا على اراض بحجم نحو 15 الف دونم كي يتمكنوا من أن يقيموا عليها مزارع صغيرة لنيل الرزق من المنتوج الزراعي.

تنمية الارض هي جزء واحد من الخطة العظمى التي تعدها الحكومة المصرية. قسم آخر يتحدث عن اقامة بلدات جديدة في شبه الجزيرة ينتقل اليها في السنوات الخمسة القريبة القادمة نحو مليون مواطن مصري يسكنون الان في القاهرة وفي المدن المكتظة الاخرى غربي النيل. وسيحصل هؤلاء المواطنون من الحكومة على منح للانتقال، أرض للفلاحة وبنية تحتية. ويتجه التطلع الى أن ينقل في العقد القريب القادم 3 مليون مصري سكنهم الى سيناء. وهؤلاء سيطورون بنية تحتية اقتصادية تخلق بديلا مناسبا لتجارة السلاح، المخدرات والمتسللين، وبالاساس يجعلون شبه الجزيرة – التي تعتبر أرضا سائبة وسكانها البدو "طابور خامس" في خدمة اسرائيل – جزءً لا يتجزأ من الدولة.

محاولات الدمج في الماضي جاءت احيانا بقدم فظة عندما عين لمدارس البدو معلمون من القاهرة منعوا تعليم التراث البدوي وحرصوا على تعليم التراث الفرعوني لمصر. متحف بدوي اقامه في العريض متطوعون اغلق بعد وقت قصير أما متحف اقامته الحكومة بكلفة 8 مليون دولار فقد بقي مقفرا لانعدام الزوار. على مدى السنين لم يجد خريجوا الجامعات من البدو عملا مناسبا، بل وتحول بعضهم الى نشطاء في منظمات الارهاب. وهكذا، احد زعماء المنظمة المتطرفة "التوحيد والجهاد" المسؤولة عن بعض من العمليات في سيناء – هو ناصر خميس المالحي، خريج الحقوق الذي لم يتمكن من ايجاد عمل. الشخص الذي يعزى له اقامة هذه المنظمة هو خالد المساعيد – طبيب اسنان سابق.

ولكن، الخطة لنقل السكان من القاهرة ومدن اخرى الى سيناء، والكفيلة بان تعيد بناء اقتصاد المنطقة تستقبل هي ايضا باشتباه بين البدو وتبعث على الانتقاد والخوف في أوساط سياسيين مصريين. فمثل هذه الخطة سبق أن اتخذت جزئيا قبل نحو عشر سنوات حين شجعت الحكومة عاملين في فروع السياحة على الانتقال من القاهرة الى سيناء ومنحت امتيازات لمستثمرين مصريين فتحوا شواطيء سيناء. ولكن البدو هم الذين دفعوا ثمن المبادرة: فقد طردوا من مناطق الفنادق، التي اقيم حول بعضها سور وقائي، وحظر عليهم العمل في ارشاد السياح، اقامة "حفلات بدوية" او بيع التحف. كل هذه الاعمال اخذها لانفسهم المواطنون المصريون الجدد. ولمواجهة العاطلين عن العمل الجدد، اقام حكم مبارك مصنعي اسمنت في العريش. ولكنهما لم يكفيا عشرات الالاف الذين بقوا بلا عمل ولا المصريين الذين انتقلوا الى المدينة على أمل تحسين مستوى معيشتهم.

 

        كما أن لنقل السكان الى سيناء يوجد ايضا جانب سياسي يبعث على الخلاف. فبعض السياسيين المصريين  يشاركون احساس قيادة حماس في أن نية الحكومة هي تشجيع هجرة الفلسطينيين من غزة الى سيناء وهكذا تبني "وطنا بديلا" للفلسطينيين، وفي واقع الامر تحل بذلك "في صالح الصهاينة والامريكيين مشكلة غزة. المثقف والصحفي الوطني المصري، محمد عبدالحكم دياب، ذكر المصريين بانه في المادة 69 من الاتفاق الذي عقد بين مصر والاتحاد الاوروبي في العام 2003، يدور الحديث ضمن امور اخرى عن أن بوسع مصر أن تستوعب في اراضيها مواطنين من دولة ثالثة وتحظى بمساعدة اوروبية مناسبة كي تنفذ هذه المادة. ادعاء مشابه طرحه قبل أربع سنوات حمدي حسن، عضو البرلمان عن الاخوان المسلمين الذي طلب في حينه من حكم مبارك أن يوضح اذا كان الاتفاق يستهدف الدفع باتجاه هجرة الفلسطينيين من غزة الى مصر. ويرفض ممثلو حكم مرسي رفضا باتا أن تكون هذه نيتهم ويقولون انه لا توجد اي خطة لتوطين الفلسطينيين في سيناء.

        فضلا عن شكوك ومخاوف السياسيين، فان السؤال المركزي هو من أين سيأتي المال لتمويل تنمية سيناء. وعلى هذا ايضا توجد عدة خطط مشوقة. احداها هي لـ "اتحاد المستثمرين في منطقة طابا والنويبة" والتي تقترح أن تقام في سيناء مناطق تجارة حرة مثلما في العقبة وايلات، لاستيراد البضائع دون جمارك وتشجيع السياحة. اقتراح آخر هو توزيع اراضي سيناء بشكل متساوٍ بين محافظات مصر الـ 25 بحيث تستثمر كل محافظة في تنمية "اراضيها" التي في سيناء، توزعها بين مواطني المحافظة ممن يرغبون في الانتقال اليها فيما يأتي قسم من التمويل من مداخيل النفط الذي ينتج في سيناء ويشكل نحو 5 في المائة من عموم انتاج النفط المصري.

        الى أن يأتي المال الكبير قررت الحكومة المصرية تخصيص 10 مليون جنيه لتمويل جهاز سلطة تنمية سيناء المطالبة باعداد خطط التنمية، بناء ميزانية لتنمية الطرقات، اقتراح خطط تشجيع شركات النفط المصرية، ووضع الخرائط للمناطق المحتملة للتحجير. رئيس الحكومة المصرية، هشام قنديل، الذي يترأس أيضا اللجنة الوزارية لتنمية سيناء، كفيل بان يفرز هذه السنة مليار جنيه مصري في صالح شبه الجزيرة. بشكل مثير للخلاف، قرر ان يفرز من ميزانيته مليار دولار آخر، منها اقر حتى الان 250 مليون جنيه سيستثمر بالتشاور مع سكان سيناء.

        لا ريب أن تنمية سيناء اصبحت مشروعا قوميا أول في سموه وهو يحتل الان مكانا مرموقا في الخطاب السياسي. ولكن هذه لا تزال رؤيا على الورق تحتاج الى التصدي للمصاعب الاقتصادية الهائلة التي تقف أمامها مصر، مع بيروقراطية ثقيلة على الحمل ومع انتقاد سياسي من جانب خصوم الاخوان المسلمين. ومع ذلك الاعتراف بان الدبابات، المروحيات وكتائب المشاة التي تعمل الان في سيناء لا يمكنها وحدها أن تصفي مشكلة الارهاب دون تعاون حقيقي من جانب السكان البدو، كفيل بان يحدث الثورة اللازمة لاعادة سيناء الى مصر من أيدي منظمات الارهاب.